سعاد/طاهر على الرغم من مضي خمسة قرون على دخول المطاحن الخدمة في الجزائر، إلا أنّ عجلاتها لا تزال تدور في البلاد، ويجمع متابعون على إيجابية هذه الظاهرة الاجتماعية نظرًا إلى جدواها الاقتصادية وإسهامها في توفير فرص عمل، وهو ما تتطرق له "إيلاف" في هذا التحقيق. الجزائر: تشتهر منطقة الشرق الجزائري بمطاحنها المائية التقليدية، التي استمدت منها سمعة واسعة، كمطاحن الرحاوات والشط المنحوتة بالحجارة، وعلى الرغم من تدهورها الكبير، إلا أنّ أصحاب هذه المطاحن يصرّون على إبقاء حرفتهم حية. وفي إحدى أزقة "الشط" الضيقة في أعالي حي "السويقة" الشعبي العتيق في مدينة قسنطينة (400 كلم شرق الجزائر)، يبرز محل قديم تنبعث منه سحابة من الغبار البني، لطالما يلفت أنظار زائريه، لكثرة الازدحام فيه خصوصًا في المناسبات والأعياد. هذا المكان يحتضن مطحنة الشط، التي يقول أصحابها إنها الأقدم في الجزائر، إذ يعود عهدها إلى القرن السادس عشر. ويشير العم بلحي إلى أنّ هذه المطحنة جرى إنشاؤها العام 1910، ومرّ عليها أجيال من العمال، وتُحظى منتجاتها بإقبال واسع وكبير من طرف السكان المحليين، ولا سيما قبيل شهر رمضان وخلاله من كل عام، حيث يلفت طارق فوازي وعمار نجمي إلى أن مطحنة الشط تشهد أجواء استثنائية، إذ تصبح هذه المطحنة قبلة آلاف العائلات لطحن "الفريك"، الذي لا يستغنى عنه في طهي طبق الشوربة الشهير، ومع أنّ خدمة طحن "الفريك" متوافرة في عديد الأماكن، إلاّ أنّ أغلبية العوائل تفضل الاتجاه إلى هذه المطحنة. بدورها، تشهد مطاحن تقليدية أخرى في منطقتي خنشلة وبوسعادة، إقبالاً وازدحامًا كبيرين، يؤديان في كثير الحالات إلى إحداث شبه فوضى وسط الزبائن، إلاّ أنّ هذا لا يؤدي إلى عزوفهم عنها لأنهم عهدوا هذه الظاهرة، وأصبحت من ديكور ومميزات رمضان وأجوائه، ولعل تعلق الناس بالمطاحن التقليدية يعود إلى فعاليتها الكبيرة وعدم ارتفاع الأسعار التي تقترحها نظير ما تقدمه من خدمات.