إن من الأسرار والفوائد التي ينطوي عليها الصوم حصولَ الصحة العامة؛ فإن للصوم فوائدَ لا تحصى على صحة الأبدان، خصوصًا إذا اتَّبع الصائمُ النهجَ السليمَ في صيامه، وذلك من ناحية الاعتدال في مطعمه ومشربه، فللصوم تأثيرٌ عجيبٌ في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة، وحِمْيَتِها عن التخليط الجالبِ لها الموادَّ الفاسدة، التي إذا استولت عليها أفسدَتْها، واستفراغُ الموادِّ الرديئة المانعةِ لها من صحتها.ولقد أطنب الأطباء في ذكر فوائد الصوم، ومما قالوه في هذا الصدد: إن الصوم ينفي الفضلاتِ المتعفِّنةَ من المعدة والأمعاء، ويريحُ جهازَ الهضم بعض الوقت من عناء العمل؛ فليس لبعض الأمراض من علاج إلا الحِمْيَةُ، وهل الصوم إلا نوعٌ من الحمية؟ بل فوق الحمية؛ فالمصاب بالتهاب الأمعاء المزمنة والتهاب القولون المزمن، يستفيد من الصوم كثيرًا، والمصاب بقصور كبدي يستفيد من الصوم إذا اعتدل في إفطاره، وفي بعض حالات التحسّس يستفيد المريض من الصيام، ويساعده تنظيم الأغذية والاعتدال فيها على ذهاب كثير من أعراض التحسّس؛ إذ إن إراحة الجهاز الهضمي أمرٌ أساس للخلاص من حالات الحكَّة التي تنبع من بعض الأغذية. ثم إن للصوم فائدةً عظيمة على الجهاز العصبي، يقول أحد الدكاترة عن الصوم وعلاقته بالجهاز العصبي: روحانيةُ الصومِ، وما تفيضُه من صفاءِ النفس، وتهذيب الروح، والصبرِ على احتمال المشاق، والعطفِ على الفقراء والمحتاجين، والبعدِ عن التردي في الشهوات وما تجرُّه على الفرد من ويلات، وتزكية النفس بالأخلاق الفاضلة من صدقٍ في المعاملة، وأمانةٍ في تأدية العمل، والبعد عن الغضب والانتقام، ونقاءِ النفس من الحقد والحسد، والبغضِ للناس؛ كل هذا يُضْفي على النفس البشريةِ روحَ السلام والمودة والمحبة والصفاء التي بدورها تؤثر على الجهاز العصبي للإنسان، والذي يهدأ الجسم لهدوئه، ويثور لثورته، وبثورة الجهاز العصبي تثور باقي الأجهزة التي تحفظ للجسم كيانه. فيا لها من حكمةٍ إلهيةٍ تجعل الصائم حقًّا مَلَكًا في صورة إنسان؛ ليسعد بحياته، ويسعد به الآخرون.. فإلى من يترددون على عيادات الأطباء؛ طلبًا لدواء يذهب عنهم التوتُّر العصبي، والإنهاك العصبيَّ، والأرقَ، والكآبةَ، وغيرَها من الأمراض التي تذهب بالعقول: هاكم رمضان، لو تمسكتم بروحانيته وما يضفيه على نفوسكم من خير، لما احتجتم في يوم من الأيام إلى ما لا نهاية له من علاج ودواء