تشتهر قبائل التوارق المتمركزة في جنوبنا الكبير، بصناعاتها التقليدية الحية الموصولة بعمق حراكها الاجتماعي، وتعد هذه الأخيرة جزءاً من ذاكرتهم وإحدى أهم تجليات روحهم الثقافية، بفضل مثابرة أجيال متعاقبة، والحب الذي يكنوه لحرف يربو تاريخها عن آلاف السنين. وتنفرد الصناعة التقليدية لدى التوارق بممارستها من قبل عائلات بكاملها، حيث تخوض بشكل متوارث في حرف يدوية عديدة على غرار صناعة الحلي، النسيج، الخياطة، الفخار وحياكة الزرابي، صنع الآلات الموسيقية وغيرها. يقول أحد الشباب الحرفيين والذي ينشط في تعاونية "أسغان" وهي كلمة ترقية تعني "الروابط"، أن الكثير من أبناء التوارق أو الرجال الزرق انخرطوا في الصناعات التقليدية غيرة منهم على هذا الموروث الحرفي العريق المهدد بالزوال. ويشرح صاحب العمل أن تعاونيته وهي الأقدم من نوعها، تضم 40 عاملاً اكتسبوا مهاراتهم أبا عن جد، وهم يوظفونها حالياً في صناعة الحلي ولا سيما خواتم الفضة التي تحظى بإقبال كبير في منطقة يوفد إليها آلاف السياح كل عام. وعلى منوال تعاونية "أسغان"، يبرز الشيخ "محمد الجيلالي" أحد أعيان التوارق، تواجد عشرات التعاونيات المؤلفة عادة من أسر مجتمعة، كما هو حال تعاونية "الأصالة" التي أسستها خمس عائلات تربطها علاقة قرابة، وتختص تلك التعاونية بصناعة الأدوات المنزلية اعتمادا على الأخشاب والجلود. وفي ورش متواضعة يكثر فيها الطلب على العمل اليدوي، لا يدخر أكثر من ثلاثمائة حرفي من مختلف الأعمار ينشطون ضمن تعاونيات، جهدا لاحترام آجال تسليم طلبات زبائنهم، بهذا الشأن، يؤكد عبد الحميد وهو حرفي مخضرم، أن الجانب التجاري لا يمثل مشكلةً بتاتاً، مشيرا إلى أن الورش تعمل بلا هوادة للحاق بالعدد المتزايد من الطلبات الكثيرة لا سيما في المواسم السياحية. واستنادا إلى عرابي الصناعة التقليدية الترقية، فإن الطلب يتكاثر على سائر الزخرفات والتحف التقليدية مثل تيرو (الحرف)، دراندا (المربع)، الخميسة أو ما تُعرف ب"صليب الجنوب" التي يتهافت عليها السواح كثيراً. وبفضل جودة نتاجاتهم، يُجمع حرفيون من عائلات "مريوت"، "بن عبد الله"، "بداري"، "فيصل" و"دخوش" على أن ما تبدع فيه أناملهم تخطى حدود البلاد، وبات يتمتع بصيت دولي، ملفتين إلى أن قوافل السياح الأجانب الزائرة للجنوب الجزائري دورياً، تتهافت على منتجات الصناعة الترقية. ويشير العم صالح إلى أن الصناعة التقليدية للتوارق عرّفت بنفسها من خلال مشاركاتها في معارض دولية كبرى في كل من الولاياتالمتحدة الأميركية، بريطانيا، فرنسا والبرتغال. ويصرّ كل هؤلاء، على أن المكسب التجاري ليس همهم الوحيد، إذ يركزون على اعتنائهم بعصرنة الصناعة الترقية، ومنحها لمسات جديدة، ودفع عدد أكبر من مواطنيهم لممارستها، لذا لا تتردد الأسر – حسبهم - على حث أبنائها للاشتغال في الحرف التقليدية منذ سن الثالثة عشر. ويلفت أحد الحرفيين الكهول وهو بصدد إعطاء شكل فني لقطعة من الفضة استخرجها لتوّه من الفحم، أنه نجح في إقناع أشقائه الصغار بالنسج على منواله، وتمضية أوقات فراغهم في إجادة حرفة تنطوي على أكثر من بعد. بيد أن العديد من الحرفيين يشتكون من قلة الاهتمام الذي توليه السلطات لهذا النشاط، ويطالبون بإنشاء مركز مختص بالصناعات التقليدية لضمان أفق يليق بمكانة هذه الصناعات، وتحديث وسائل الحرف التقليدية. ويحاول الحرفيون إخراج صناعتهم التقليدية من نطاق التوارق، من خلال توشيتها بزخارف وتلاوين تنتمي إلى مناطق جزائرية أخرى على غرار طابع منطقة القبائل الكبرى، دون التفريط في الجوهر الأصيل لحرفهم.