يستحب صيام هذه الأيام العشر من ذي الحجة أو ما تيسر منها عدا يوم العيد أي اليوم العاشر، فقد روى الإمام أحمد وغيره عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسعَ ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، أولَ اثنين من الشهر، والخميس) وفي رواية: أربع لمن يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر يعني من ذي الحجة وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة. قال العلماء عن صوم أيام العشر: إنه مُستحب استحباباً شديداً. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصوم العشر. ويكفي أن نعلم أنه بصوم يوم في سبيل الله يُبَاعد بين العبد وبين النار كما بين السماء والأرض، أو سبعين خريفاً كما أخبر الصادق المصدوق، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً) أي مسيرة سبعين عاماً. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض) رواه البخاري ومسلم، ومن المعلوم أن المسافة التي بين السماء والأرض خمسمائة عام كما أخبر الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، فبصيام يوم واحد يباعد الله وجهك عن النار سبعين خريفاً، إنها مِنح وعطايا وهدايا ربانية للأمة المحمدية، فهيا.. هيا اغتنمها قبل أن تأتيك المنية، وقبل أن نغلق الحديث عن صيام هذه الأيام نفتح الحديث عن صيام يوم عرفة لغير الحاج، فإن الله يُكَفِّر به سنتين: سنة قبله، وسنة بعده. كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) رواه مسلم، وقد قال العلماء تعليقاً على هذا الحديث: وكان القياس أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أرجو من الله) موضع كلمة "أحتسب" وعدّاه بعلى التي للوجوب على سبيل الوعد مُبالغة في تحقيق حصوله. فانظر إلى سعة رحمة الله وفيض جوده وكرمه أن جعل صيام يوم واحد سبباً لمغفرة ذنوب سنتين من الصغائر، أما الكبائر فتحتاج إلى توبة وندم وعزم على عدم العودة إليها أبداً وإقلاع عن المعصية، فإن شق علينا صيام أيام التسع الأولى من ذي الحجة فلا نحرم أنفسنا من صيام يوم عرفة لما فيه من عظيم الأجر وجزيل المثوبة، فهو يُكفر السنة التي قبله من الصغائر المكتسبة فيها، ويكفر السنة التي بعده بمعنى أن الله تعالى يحفظه من أن يُذنب فيها، أو أن يُعطى من الثواب ما يكون كفارة لذنوبها، أو أن يكفرها حقيقة ولو وقع فيها، ويكون المكفِّر مقدماً على المكفَّر. وإذا نظرنا إلى الحديث الذي فيه أن صيام يوم عرفة يكفر الله به سنتين وجدنا أن صيام 12 ساعة تقريباً فإنه يُساوي مغفرة 24 شهر. فيكون صيام ساعة يُساوي مغفرة شهرين. يعني كل 60 دقيقة تُساوي 60 يوم، إذن صيام دقيقة يُساوي مغفرة يوم. فهل هناك عاقل يُضيّع دقيقة واحدة من هذا اليوم.