الصبر على ما فات إدراكه من رغبة مرجوة، وأعوز نيله من مسرة مأمولة، فإن الصبر عنها يعقب السلو منها، والأسف بعد اليأس خرق، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أعطي فشكر، ومنع فصبر، وظلم فغفر، وظلم فاستغفر، فأولئك لهم الأمن وهم مهتدون. وقال بعض الحكماء: اجعل ما طلبته من الدنيا فلم تنله مثل ما لا يخطر ببالك فلم تقله، وقال بعضهم: إن كنت تجزع على ما فات من يدك فاجزع على ما لا يصل إليك. ما يخشاه الإنسان لا يحدث دائماً، وحدوثه من رهبة يخافها، أو يحذر حلوله من نكبة يخشاها، فلا يتعجل هم ما لم يأت، فإن أكثر الهموم كاذبة، وإن الأغلب من الخوف مدفوع. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: بالصبر يتوقع الفرج، ومن يدمن قرع باب يلج. وقال الحسن البصري رحمه الله: لا تحملن على يومك هم غدك، فحسب كل يوم همه. ما يضنه الشخص قد يحصل، ويتوقعه من رغبة يرجوها، وينتظر من نعمة يأملها، فإنه إن أدهشه التوقع لها، وأذهله التطلع إليها انسدت عليه سبل المطالب، واستفزه تسويل المطامع فكان أبعد لرجائه وأعظم لبلائه. وإذا كان مع الرغبة وقوراً، وعند الطلب صبوراً، انجلت عنه عماية الدهش وانجابت عنه حيرة الوله، فأبصر رشده وعرف قصده. يعني: أنه يكشف ظلم الحيرة، ويوضح حقائق الأمور.