يقدم الإسلام نموذجاً متماسكاً يستحيل في حال تطبيقه الوقوع في التمذهب، فإذا كانت الموضوعية تعني الترفع عن كل من المصالح الطبقية والنزعات الشخصية والانتماءات القومية والمؤثرات الحضارية والتاريخية فإن العقيدة الوحيدة التي يمكنها تحقيق هذه الشروط مجتمعة هي الإسلام، المتمثل بمصدره الإلهي المفارق، والذي يقصر مهمة الإنسان بدءاً من رسول الإله إلى البشر ومروراً بالخلفاء والقضاة والعلماء وحتى عامة الناس على التحقق من صحة نسبة نصوص الإسلام إلى مصدرها، ثم تمثلها بالتطبيق النفسي والعملي، دون استئثار شخص أو فئة من الناس بحق احتكار النصوص روايةً أو درايةً، وإنما يقتصر دور السلطان الذي يمثل السلطة التنفيذية على تطبيق ما تأمر به السلطة التشريعية، حيث تستمد هذه الأخيرة سلطتها من قدرتها الذهنية والنفسية على فهم النصوص واستنباط الأحكام، وهي القدرة ذاتها التي تستمد منها السلطة القضائية سلطتها، بينما يحتفظ الأفراد بحقهم المدني في مراقبة أداء وسلوك هذه السلطات بأشخاصها ومؤسساتها، كما يتمتعون بحقهم الكامل في الاحتجاج السلمي ما لم يلجؤوا إلى الحلول الأخرى.