من راعى التدريج ترقى به الصبر إلى حال يشق عليه الصبر دونه، كما كان يشق عليه الصبر معه، فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوباً عنده ممقوتاً، وما كان مكروهاً عنده مشرباً هنيئاً لا يصبر عنه. وهذا لا يعرف إلا بالتجربة، والذوق وله نظير في العادات، فإن الصبي يحمل على التعلم في الابتداء قهراً، فيشق عليه الصبر عن اللعب والصبر مع العلم، حتى إذا انفتحت بصيرته وأنس بالعلم انقلب الأمر فصار يشق عليه الصبر عن العلم والصبر على اللعب. قيل في معنى قوله تعالى: اصبروا وصابروا ورابطوا، اصبروا في الله، وصابروا بالله، ورابطوا مع الله. وقيل الصبر لله غناء، والصبر بالله بقاء، والصبر مع الله وفاء، والصبر عن الله جفاء. والصبر على أقسام، صبر على ما هو كسب للعبد، وصبر على ما ليس بكسب له، فالصبر على المكتسب، على قسمين، صبر على ما أمر الله تعالى به، وصبر على من نهى عنه. وأما الصبر على ما ليس بمكتسب للعبد، فصبره على مقاساة ما يتصل به من حكم الله فيما يناله فيه مشقة.