تؤكد الدراسات و الأبحاث العلمية أن مرحلة الطفولة من أكثر المراحل العمرية التي يستوجب التعامل معها بكل عقلانية و اتزان و تجنب الكبار العاقلين القيام بتصرفات خاطئة قد تكون سببا في بناء شخصية مريضة تصاحب صاحبها الى الكبر. فالأسرة التي تسير في تربيتها لأطفالها على النهج السليم المبني على المحبة و الثقة بالنفس تضمن لنفسها السعادة الابدية مع أطفال أصحاء و فاعلون في المجتمع عكس الأسرة التي لا تبالي بحجم حساسية هذه الفئة بالذات فتحصد في الأخير خطيئة أفعالها ، و هنا تأتي محاولات البعض لتعويض ما فات في مرحلة المراهقة و التي تظهر عليها نتائج المواقف التي مر بها الانسان منذ طفولته و بالفعل هناك من يستطيع التغلب على هذا المشكلة بتغيير طريقة معاملة الاولياء الى الأحسن و ايلاء الرعاية الصحية و النفسية لحياة أطفالهم. التجسس على الهاتف..انتقاد طريقة اللباس ..و الاهتمام الزائد أكثر ما يزعج المراهقين و في هذا الاطار ، تحدثنا مع بعض المراهقين من خلال توجهنا لاحدى الثانويات بالجزائر العاصمة لتقصي أكثر الأمور التي تبدر من اولياءهم و تزعجهم فكانت الإجابة مشتركة مابين تضايقهم من تدخل أولياءهم في طريقة لباسهم و تفكيرهم و مابين تمردهم على الأولياء بسبب تضييق الخناق في رقابتهم و عدم السماح لهم بالقيام بأمور يرونها كشباب عادية فيما يراها الاولياء تمس بأخلاقهم ، "رحيم" البالغ من العمر 18 سنة يستعد لإجتياز شهادة البكالوريا يقول في هذا الإطار أنه يقدر اهتمام والديه و لكن في الكثير من الاحيان اهتمامهم الزائد عن حده يجره الى الإنفجار عليهم خاصة عندما يتعلق الامر الى كثرة الاسئلة حول الاماكن التي يرتادها رفقة أصدقائه و يقول :"مع كل دخول أو خروج من عتبة البيت يوجه الي ذلك السؤال الممل و أنا مجبر على أن أجيب حتى أطمئن والدتي عني الا أ،ه في الحقيقة و هو أكثر ما يزعجني منها خاصة أنها تعلم الأماكن التي أعتاد الجلوس فيها سواءا في مكتبة البلدية أو في الحي مع أصدقائي." فيما تقول "لميس" وهي طالبة بكالوريا أنها تنزعح من تصرفات والدتها التي كثيرا ما تراقب هاتفها الخلوي وهو ما جعلها تحس أن أمها لا تضع فيها الثقة اللازمة و تأمل في أن تنتبه أمها الى أنها صارت واعية خاصة انها تتجنب ان تضع امها في هذا الموقف و تحاول ان تكون في حسن ظنها .. و فمن جهتها عبرت الهام التي يبدو عليها اهتمام بالموضة و ارتداء كل ما هو مميز و يتماشى مع العصر الا أن هذا الأمر جعلها تواجه كما كبيرا من الإنتقادات من والديها اللذان لا لا يسأمان حسبها من انتقاد تصرفاتها و طريقة لباسها و تفكيرها حيث تقول : " جد مستاء لأن أواجه يوميا هذا من والداي و كم أتمنى أن يتفاهمان أننا في 2013 و لباس اليوم ليس كالأمس و ما ارتاديه هو ما يريحني في هذه اللحظة و لا احد يدري فلربما تتغير قناعاتي و ارتدي يوما ما الحجاب هكذا أخلص نفسي من كابوس انتقاداتهما ." لغة الحوار ما ينقص العائلات الجزائرية الملاحظ في مجتمعنا وليس على سبيل التعميم أن أفراده لا يولون للمتابعة النفسية للمراهق أي اهتمام و تحقيق رغباته بتجسيدها في الواقع ، و بحكم العادات و التقاليد فإن السلطة الأبوية لا تتسمع مع كل صغيرة و كبيرة تبدر من المراهق مما ينذر بأوخم العواقب على شخصيته في حين أن الدراسات الحديثة و التي تعمل بها الدول الغربية تشير الى أن لغة الحوار و الاقناع مع الأطفال و مصاحبتهم و تحفيزهم على تفجير طاقاتهم في التعبير عن أحلامهم هي انجع الوسائل لتربية طفل سليم العقل و سوي الشخصية و خالي من المكبوتات و العقد النفسية التي تتراكم في عقله ووجدانه كالقهر و الاحساس بالإهانة و المذلة خاصة في الأسرة التي هي الخلية و اللبنة الأساسية لبناء المجتمع و تكون الأم هي الرقم الأساسي في معادلة بناء أسرة سليمة لما لها من حنان عاطفي و تفاهم روحاني توجه من خلاله الابناء الى بناء شخصيتهم بعيدا عن اتباع طرق الانحراف و التمرد الاسري . العنف و غياب المحبة الاسرية يؤدي بانحراف الأطفال و في ذات السياق تحدثنا مع الأخصائية "نور شلفاوي " التي اجابتنا عن استفساراتنا التي مست أكثر فترة حرجة يمر بها الإنسان و ما يصاحبها من تغييرات تطرأ على فكر المراهق و تصرفاته و ما قد تسببه من تأثيرات على العائلة بأكملها ، حيث أكدت لنا أن أكثر ما يحتاجه المراهق هي الحرية الشخصية في اتخاذ القرارات و كيفية التصرف مع متغيرات الحياة التي تواجهه ، كما أنه ينتظر من أولياءه اعطاءه المجال للتعبير عن نفسه بعيدا عن سلطة القوة و الاستبداد التي تستعمل في حقه ، و ان كان التطفل على تصرفات المراهق الشخصية و عدم احترام خصوصيته هي امور في نظر الأولياء عادية، فهي خط أحمر في نظر المراهق ، فكل تجاوز لهذا الخط ينذر بالخطر على نفسيتهم و معنوياتهم الذاتية ، و و تجدر الاشارة الى أن سلطة الأب المتشددة و الاعتماد على الضرب و النهر كوسيلة للتأديب قد تأتي بنتائج سلبية حيث تدخل الرعب في نفسية الطفل و تؤدي الى اهتزاز شخصيته و تميزه بالعدوانية عندما يكبر مما يساهم الى دفعه للانحراف و اتباع سلوكات خاطئة ، كما أن انشغال الوالدين بأعمالهم المهنية يؤدي الى ابتعادهم عن الأبناء و دخولهم في دوامة الفراغ من الحنان و زيادة الفجوة بين الطرفين مما يجعله يواجه صعوبات في اقامة علاقات سوية مع الناس لفقدانه القدرة على الأخذ و العطاء فلا يجد سوى الانكماش على نفسه ما يخفف من شعوره بهذا الاحساس الذي قد لا يسمح له مستقبلا بالاهتمام الوجداني بزوجته و أطفاله.