استطاعت جمعية "نجدة طفولة في شدة" للعاصمة، إدماج عشرات الأحداث الجانحين في مراكز للتكوين المهني، قصد تعلم وإتقان مهارات مهنية تغنيهم شر البطالة مستقبلا وتعيدهم إلى الحياة الاجتماعية، بعد أن لفظهم المجتمع بسبب جنح ارتكبوها. وتسعى الجمعية بهذه الخطوة إلى الأخذ بيد هؤلاء الأطفال ممن وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها متابعين قضائيا مواجهين بذلك خطورة الإقصاء الاجتماعي، ما قد يعيدهم إلى ارتكاب الجرائم مجددا. وتعتبر ظاهرة جنوح وانحراف الأحداث، من أبرز المشكلات التي تعاني منها المجتمعات العربية والغربية على حد سواء، غير أنها تظهر بالمجتمع العربي أكثر من خلال ثقافة الاستهلاك التي تفرضها عليها الثقافة الغربية، بما يجعل مراهقي وشباب هذه المجتمعات مشتتين بين الثقافتين ويميلون إلى الغرب أكثر، هذا ما يخلّف تأثيرات نفسية واجتماعية على شخصية المراهق وما يترتب عنها من آثار سلبية وخطيرة على المجتمع، في مجالات الجريمة والسرقة وانتشار المخدرات والفساد والانحلال الخلقي. وتجد المؤسسات الاجتماعية والدينية نفسها مضطرة للتصدي لهذه الانحرافات وقمعها وتحمل مسؤولية معالجة أسبابها والوقاية منها.. وهو السياق الذي تسعى ضمنه جمعية "نجدة طفولة في شدة" خلال مساعيها مناشدة وزارتي التربية والشؤون الدينية، إدراج دروس تحسيسية لفائدة التلاميذ، عن موضوع الانحراف والجنوح والوقاية منه، وكذا خطب جمعة لتعميم الفائدة على المجتمع بأكمله. وتؤكد السيدة "شاوش خيرة" رئيسة الجمعية، على منح الأحداث الجانحين بعد المحاكمة التي عادة تكون سرية، الوثيقة رقم 3 لشهادة السوابق العدلية التي لا تحمل في طياتها أية سابقة قضائية تماما مثلما تمنح لباقي المواطنين العاديين، هذا لان الأحداث الأقل من 18 سنة محميون بمجتمعنا قانونيا.. مع الإشارة إلى أن يوما واحدا فقط بعد بلوغ الحدث سن 18 يعتبر في نظر القانون راشدا ويعامل قضائيا وفق ذلك. ومن بين الميادين التي تتحرك الجمعية لإدماج الأحداث الجانحين ضمنها كل الحرف التي تستهوي الذكور مثل الميكانيك، تصليح الهواتف النقالة، ورشات النجارة والبناء، وكذا الخياطة والحلاقة والتجميل بالنسبة للبنات. وتتحمل الجمعية في خطواتها تلك، كل المتاعب من اجل إعادة إدماج الجانحين من الأطفال والمراهقين حتى لا يحسوا أن مجتمعهم ضدهم وأقصاهم تماما بعد أن ارتكبوا أخطاء - مثلما تسميها المتحدثة - وهذا بالتقرب من المؤسسات الاقتصادية والتجارية وحتى مراكز التكوين من اجل تسهيل إجراءات إدماج أولئك الجانحين.
مخدرات، شذوذ جنسي ودعارة... ويحدد القانون الجزائري سن 18 للتفريق بين الأطفال والراشدين،فكل من يقل سنه عن 18 ولو بيوم واحد، فهو طفل يحميه القانون. وتشير السيدة شاوش، وهي أيضا مربية مختصة ومساعدة في الأحداث مندوبة في محاكم الجزائر لما يزيد عن 20 سنة ترافق الأحداث في محاكماتهم كمراقبة اجتماعية، إلى أن القضايا المتابع فيها الأحداث الجانحون قبيل عشريتين كانت تخص السرقة أو الاعتداء بالضرب والجرح العمدي، وعددهم كان يحسب على الأيدي، إلا أن هذه القضايا قد اتخذت مؤخرا منحى خطيرا جدا بعد أن أصبح الأطفال والمراهقون الجانحون متابعين حاليا بحيازة المخدرات والشذوذ الجنسي والسرقات المقرونة بالسلاح والتهديد والانخراط في جمعيات أشرار، الأفعال المخلة بالحياء والدعارة بالنسبة للفتيات وحتى قضايا القتل. .ما يوحي بخطورة الوضع الاجتماعي الذي يعاني منه المجتمع الجزائري.. مع الإشارة إلى أن الدهشة تعقد أفواه أولياء أمورهم أثناء المحاكمة، وهو ما يعني أن اغلب الآباء حاليا غير مبالين تماما بمتابعة أبنائهم، وما يهمهم- حسب المتحدثة -توفير المأكل والمشرب والمسكن. وتؤكد بالمقابل، أنها كمراقبة اجتماعية حضرت مؤخرا محاكمة أطفال بين 14 و16 سنة متهمين بالشذوذ الجنسي، وفتيات في 15 سنة هربن من المنزل الأسري ووقعن في أيدي شبكات تتاجر بالبشر في قضايا الدعارة بالعاصمة.
... وأطفال في التاسعة أمام العدالة وإذا كان علم الاجتماع يوضح أن الجنوح عبارة عن نموذج من السلوك الاجتماعي، يقوم المنحرف من خلاله بتصرفات مخالفة للقوانين الاجتماعية والأعراف والقيم السائدة في المجتمع، ويسيء به إلى نفسه وأسرته ومجتمعه، و أن الجنوح يبدأ غالبا عند الأحداث الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و18 سنة، وهي بداية فترة المراهقة التي تعتبر من أخطر مراحل العمر في حياة الإنسان، إلا أن المتحدثة تؤكد أن هناك أطفالا في 9 و10 سنوات توبعوا قضائيا في قضايا ضرب وجرح عمدي باستعمال أسلحة بيضاء، ما يعني أن حتى الطفولة معرضة للجنوح إن لم يتم التدخل السريع من طرف المختصين لإعادة بعض الاستقرار في أسر أولئك الأطفال أولا، ثم المجتمع بأسره.. فالأسرة التي تعاني ظروف اجتماعية سيئة كانعدام المسكن اللائق ومحدودية الدخل أو حتى انعدامه بالنسبة للكثيرين، ستدفع لا محالة بأطفالها إلى سوق العمل لساعات طويلة خلال اليوم، فيغيبون عن البيت أو المدرسة بعيدا عن الرعاية والمتابعة، مما يفتح أمام الأطفال أبوابا واسعة للانحراف والقيام بالأعمال والسلوكات الطائشة والمتهورة والانغماس في الشذوذ الأخلاقي والاجتماعي، فالطفل يتأثر بسهولة بالبيئة المحيطة به، وينجّر وراء رفاق السوء إذا لم يلق الرعاية والمتابعة المستمرة. من جهة أخرى، بينت الدراسات الاجتماعية أن الجنوح جماعي وليس فردي.. فالطفل أو المراهق لا ينفذ أعماله المنحرفة كالسرقة واستهلاك المخدرات بمفرده، وإنما يقوم بذلك ضمن مجموعات منظمة على شكل عصابات تضم أقرانه أو من يكبرونه سنا.. من هنا تأتي أهمية الرفقة الصالحة للشاب وضرورة معرفة الوالدين لرفقة أبنائهم. ويظهر أيضا من أسباب انحراف الأحداث، أن يكون ربّ الأسرة مدمنا على السكر وتعاطي المخدرات، ما يجعل الطفل مؤهلا لأن يكون جانحا أو مهيأ لارتكاب أفعال إجرامية. كما أن الهروب والتسرب من المدرسة ومن البيت وعدم شغل أوقات فراغه، بنشاطات وفعاليات مفيدة (رياضية، أدبية، ثقافية الخ...)، تؤدي إلى ظهور الشذوذ والانحراف النفسي والأخلاقي والخروج عن قيم المجتمع عند الشاب. وهي النقطة التي تعلق عنها السيدة شاوش بقولها، أن الجمعية تعمل وفق إمكانياتها المحدودة جدا بهدف إعادة إدماج الأحداث الجانحين" وعلى الجهات المعنية التفكير الجدي في إنشاء خلايا استماع وتوجيه للشباب في الأحياء، للاستماع إلى مشاغله وانشغالاته ومحاولة الرد بالإيجاب عليها"، تقول المتحدثة معلقة "الموارد البشرية متوفرة خاصة خريجي كليات علوم النفس والاجتماع، تبقى فقط الإرادة للتنفيذ". ومن جملة العوامل الأخرى المؤدية بالأحداث إلى الجنوح، حسب دراسة نفسية تابعت السيدة شاوش محاكماتهم، تذكر تفكّك الأسرة والنزاعات الدائمة بين الوالدين، أو فقدان الأب في الأسرة، أو وجود زوجة الأب، ما يؤدي إلى إهمال الأولاد وممارسة القمع والقسوة، ما يدفع بالأطفال والمراهقين إلى الهروب المستمر من البيت واللجوء إلى الشوارع والزوايا السيئة، فيتعلّمون منها بسهولة العادات والقيم غير الأخلاقية. كما تؤدي مشاعر الإحباط واليأس وخيبة الأمل نتيجة الفقر والعوز والحاجة في الأسرةو إلى انحراف الأحداث واتباع السلوكات السيئة، مثل السرقة لشراء ما يسد الحاجة من الملابس والألعاب ووسائل الترفيه، وأحيانا شح الوالدين وبخلهما وتقتيرهما في المصروف على أبنائهما، فالمراهق ضمن هذه الأجواء الأسرية سيعاني من الحرمان المادي والعاطفي والرعاية والحب والحنان والعطف والتربية الحسنة.. وهي من الضرورات النفسية الأساسية التي يجب أن تتوفر في الأسرة، لينشأ الطفل نشأة صالحة تقيه مخاطر الجنوح والشذوذ الاجتماعي. وتضيف المتحدثة، ان مظاهر الجنوح تتنوع عند الأحداث - حسب ملاحظتها - فيبدي عدائية مفرطة تجاه محيطه الأسري ووسطه الاجتماعي على شكل تجاوزات مستمرة وتمرد وعصيان للأوامر والتوجيهات.. وكثيرا ما يعتدي على حقوق وأملاك الآخرين، ويفتعل العراك والشجارات مع أقرانه ويلحق الأذى بهم.. وكثيرا ما تبلغ عدوانيته حد تحطيم ممتلكات غيره وإشعال النار في المنزل. ومن أهم نتائج الجنوح، الإخفاق في المدرسة ثم التسرب، لأنه يؤدي إلى إهمال الشاب لواجباته المدرسية ويدفعه إلى التحايل والكذب والتعويض عن هذا الفشل، باتباع أساليب غير مشروعة لإثبات وجوده في المجتمع. وتشيع بين الشباب الجانحين ظاهرة الإدمان على التدخين والكحول والمخدرات. كما تشير المتحدثة إلى أن الجانحين يتميزون بضياع رغباتهم وعدم وضوح غاياتهم في الحياة وعدم قدرتهم على تحديد ما يريدون.