شهدت محاكمنا الجزائرية مؤخرا انتشارا مذهلا لقضايا الاعتداء على الأصول، هذا الاعتداء الذي تعدى الحدود، فلم يعد مقتصرا على الضرب والشتم، بل تعدى ذلك ووصل حد القتل... التنكيل... بل وحتى الاعتداء الجنسي. حقائق استقصيناها من واقعنا المر الذي يعامل به شبابنا أصولهم. فاختيارنا هذا الموضوع من مجمل المواضيع، ليس لمجرد كتابة مقال أو للتهويل، بل كان فتحا لأعين شبابنا وشاباتنا على معاناة آبائنا وأمهاتنا، التي وفي أغلب الأحيان وحسب الإحصائيات أن قضايا الأمهات هي الأكثر انتشارا في المحاكم، فلربما يرجع سبب ذلك إلى أنها مخلوق ضعيف ورحيم أيضا. بداية استطلاعنا كانت من المحاكم، هاته الأخيرة كانت لها حصة الأسد، فالقضايا بها تعدت الخطوط الحمراء وانتشرت بكثرة، لا لسبب سوى لأن الأبناء ضعيفو الشخصية لغياب الوازع الديني والأخلاقي والذي غالبا ما يكون كبش الفداء فيه الوالدين. الحالات التي أخذتها "الأمة العربية"، قصص واقعية ليست من نسج الخيال أو للتهويل،لفتت انتباهنا خلال عملنا اليومي بالمحاكم وجعلتنا نفكر بجدية في كيفية معالجة هذه الظاهرة وطريقة إعادة "رسكلة" الجانب الأخلاقي للأبناء من قبل الأسرة الجزائرية. حقائق يندى لها الجبين، فالتنشئة السيئة للأجيال خارج المبادئ السامية لديننا الحنيف، جعل مجتمعنا طريح الفراش، يعاني الأمراض الخبيثة. طرحنا تساؤلات عدة خلال كتابة هاته الأسطر، عن الدافع الرئيسي لاعتداء الأبناء على الوالدين، سواء بالضرب أو القتل، أو الاعتداء الجنسي؟ وعن لجوء الدولة والقانون إلى فرض عقوبات صارمة فيما يخص جرائم الاعتداء على الأصول، وهل هذه الأخيرة تنجح في إصلاح العلاقات الأسرية؟ أخذنا حالات عن الاعتداء على الأصول، الواحدة من هذه الحالات تسكت الأخرى من شدة الاستغراب ومن هول ما وصلت إليه العائلة الجزائرية، ما دامت الوقاحة وصلت إلى هذا المصاف، لدليل قاطع بأن الأمة أصبحت في خطر انحلال أخلاقي لا يمكن معالجته بالعقوبة. قتل أمه وكتب على جسدها بدمها "عاهرة"... القضية التي افتتحنا بها مقالنا تعود وقائعها إلى 4 سبتمبر 2005 بشارع ديدوش مراد بالعاصمة، سكان ذاك الشارع يشهدون على الجريمة حين تم اكتشاف جثة الضحية المرحومة البالغة من العمر 53 سنة بمنزلها بعد ثلاثة أيام من موتها، وهي في حالة يرثى لها، وبجسدها آثار ل 6 طعنات وحروق في الأصابع ومكتوب على جسدها باللغة الفرنسية "عاهرة"، وقلادة الصليب بين ثدييها. تم نقل الجثة إلى مستشفى مصطفى باشا، حين أكد الطب الشرعي بأن الوفاة نتجت عن رضوض بالجمجمة. وبعد فحص البصمات وقطرات الدم الموجودة بعين المكان، تبين بأنها لابنها "محمد"، ليتم إحالته لمحكمة الجنايات بالعاصمة بجناية قتل الأصول. شهادة الشهود أكدت أن "محمد" ترعرع بالشارع ما بين المراكز من وهران إلى درارية، وينام على "الكرتون"، وقالوا "إن الشارع هو من رباه"، بالإضافة إلى تأكيدهم على أنه إنسان غير طبيعي وشاذ جنسيا. بينما جارة البيت العائلي، والتي كانت قريبة من الضحية المرحومة، أكدت هي الأخرى أن الضحية في أيامها الأخيرة كانت دائما تخبرها بأنها خائفة من ابنها الذي أصبح يهددها بالقتل منذ زواجها للمرة الثانية، وتوجهها مع زوجها إلى فرنسا للعيش هناك. ولأنها لم تتفق مع هذا الأخير، رجعت إلى الجزائر لتعيش مع ابنها، ومع ذلك ما زال يهددها بالقتل. فيما الجاني "محمد" وخلال استجوابه بمحكمة الجنايات على الجريمة التي اقترفها، أكد أنه بريء من الوقائع المنسوبة إليه، ونفى نفيا قاطعا علاقته بمقتل والدته. فيما المحكمة اقتنعت بغير ذلك وحكمت عليه ب 20 سنة سجنا نافذا. ... وآخر "يكتّف" والدته "الحسناء" ويعاشرها واقعة أخرى جلبت اهتمامنا خلال كتابتنا لهاته الأسطر. ابن مدمن مخدرات، يعيش مع والدته الأرملة الحسناء بعد أن توفي زوجها، وتركها للذئاب البشرية لتفترسها. في أحد الأيام، كانت الأم الحسناء عند والدتها، وهي عائدة إلى بيتها، وجدت ابنها في الحي مع أصدقائه أخذت بيده إلى المنزل، وعند دخولهما الابن انصرف ناحية المطبخ، فيما الأم دخلت غرفتها. برهة من الزمن، يدخل الابن غرفة والدته، يقوم ب "تكتيفها" ويأمرها بأن "يأتيها". الأم في حالة يأس وغضب شديدين، وبعد الحادثة قامت بتبليغ مصالح الأمن عن الواقعة، هاته الأخيرة فتحت ملفا بخصوص هذا الأمر، ومررته للمحكمة عن تهمة الضرب والاعتداء الجنسي على الأصول، لكن هاته الأخيرة فصلت في الضرب وتحاشت الاعتداء الجنسي. أستأنف الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية أمام المجلس القضائي، وبعد الاستئناف قضى هذا الأخير بعدم الاختصاص النوعي كونه خاض في واقعة الاعتداء الجنسي. حاليا القضية أمام المحكمة العليا. قانونيون ومحامون يشددون على الظاهرة ويصفونها ب "الحساسة" إن حساسية الموضوع وخطورته تستدعي كامل الحيطة والحذر والتدقيق لمعالجته، حتى يتسنى للمرء استيعابه من جهة وفهم أبعاده من الجانب الآخر. فالأستاذ "بلعابد عبد العزيز" محام بنقابة البليدة وخلال حديث "الأمة العربية" معه، استشهد لنا بقضايا عدة تتناولها المحاكم الجنائية بصفة دائمة، حيث ذكر لنا قضية تتعلق بجناية في البليدة لابن قتل والده حول قضية ميراث. بدأ النزاع عندما طلب الأب من ابنه تسييرا أحسن لممتلكاته، فقام الابن بضرب أبيه بسكين، وتمت إدانته ب 20 سنة سجنا من طرف محكمة الجنايات بالبليدة، مفسرا سبب هذه القضية إلى تربية الوالد الخاطئة الذي منح أبناءه كل شيء من دون مقابل، وهذا ما جعل الغرور ينتابهم ويكون ردهم عنيفا. فقد أكد الأستاذ ذاته، أن الظاهرة تعود إلى الأمد البعيد، كل المجتمعات البشرية تعرف هذه الظاهرة، فهي تبدو جديدة لأن في الماضي لم يكن الناس يلجأون إلى العدالة، أما الآن فقد زالت العراقيل الاجتماعية التي كانت تمنع من اللجوء إلى المحاكم، وهذا حسب الأستاذ تطور إيجابي في مجتمعنا لرد الضحايا اعتبارهم. وأضاف فيما يخص نظرة القانون بالنسبة للظاهرة، فهي مجرمة وفصل فيما يخص التعدي بالقتل والاعتداء الجنسي، فالأولى منصوص عليها في المادة 258 من قانون العقوبات والتي عرفها المشرع كما يلي: "قتل الأصول هو إزهاق روح الأب أو الأم أو أي من الأصول الشرعيين"، وتصل العقوبة إلى الإعدام. أما الثانية، أي الاعتداء الجنسي، فلقد نص عليها في أحكام المادة 337 مكرر من قانون العقوبات والتي سمى المشرع فيها الأفعال المخلة بالحياء بالفواحش، أي العلاقات الجنسية بين ذوي المحارم والذين جاءوا في القانون الوضعي نفسهم نفس الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه المتين وتترواح العقوبة من 10 سنوات إلى 20 سنة سجنا، بالإضافة إلى سقوط الحق في الأبوة أو الوصاية الشرعية. انتشار الظاهرة سببه التطور البشري رأي وتحليل "الأستاذ بلعابد" كرجل قانون في الظاهرة، أرجعه إلى التطور البشري عبر التاريخ الديني والاجتماعي والسياسي، الذي لا يمكن من دونه بناء أي رأي قانوني بحكم أن القانون في حد ذاته هو جملة القواعد والأنظمة التي جاءت لتؤطر وتنظم جوانب الحياة البشرية المذكورة آنفا. فإن كان الاعتداء والعنف الجسدي المؤدي إلى الوفاة بقصد إحداثها أم لا، أي القتل أو الضرب، يقول الأستاذ منذ الأزل موضوع عقوبة بين البشر أيا كان أصلهم أو ديانتهم، وحتى ما يسمى بالعصر ما قبل التاريخ، فكان الاعتداء محل عقوبة. أما فيما يتعلق بالأفعال التي تعتبر مخلة بالحياء بين أفراد العائلة الواحدة في وقتنا المعاصر، فكان من المعهود ومنذ القدم أن تكون علاقات جنسية بين أفراد الأسرة الواحدة في بعض المجتمعات أمرا طبيعيا ومسموحا به، أصولا كانوا أو فروعا، وكان أمرا عاديا لاعتبارات عديدة أهمها عدم اختلاط الأنساب وبقاء السلطة أو الثروة في نفس العائلة. الاعتداء الجنسي موجود منذ الأزل.. والدليل على ذلك قصة "فرعون" الاعتداء الجنسي موجود منذ الأزل وقد سرد لنا الأستاذ المحامي "بلعابد عبد العزيز" بعضا من الحضارة الفرعونية، أين كان الفرعون يتزوج أخته. وإن لم تكن له أخت، فأمه كون حسب المصريين القدامى أن الآلهة التي كانت تعبد آن ذاك كانت تأمر بهذا حتى لا يختلط دم "الفرعون" الذي كان يعتبر إلها في حد ذاته، مع الناس العاديين. كما أن حضارة اليونان عرفت في مراحل عديدة من تاريخها هذه الأفعال. حيث أن هذه الظاهرة أصبحت منبوذة، خاصة بعد نزول الكتب السماوية ابتداء من"التوراة" مرورا ب "الإنجيل"، إلى غاية الإسلام الحنيف، وتطورت كيفية منعها وتحريمها عبر العصور والمجتمعات، لتصبح اليوم أمرا مجمعا عليه دوليا، فكل الدول تعاقب وتمنع مثل هذه الجرائم، بالإضافة إلى المعاهدات الدولية التي تحرص على صرامة العقوبة وتندد بهذه الأعمال الشنيعة، علما أن مجتمعنا يعرف هذه الجرائم بمختلف أنواعها منذ القدم. لكن العراقيل والتابوهات الاجتماعية والدينية، كانت تحول دون اللجوء للعدالة، الأمر الذي يكاد اليوم منعدما إلا في بعض المناطق النائية التي لا زال الوعي الحضري والقانوني غائبا فيها. لهذا، يجب السعي وراء تثقيف الناس وجعلهم يلتحقون بقطار الحضارة والتحضر لتفادي كل أعمال عنف، أيا كانت، وحل المشاكل بطريقة حضرية، أي النقاش والوساطة أو اللجوء للعدالة، وليس الثأر للنفس، زيادة على غرس ثقافة جنسية في أذهان الأشخاص محترمين في ذلك القيم الدينية والإجتماعية لتفادي أعمال وجرائم شنيعة كالزنا بين المحارم التي تترك آثارا بسيكولوجية كبيرة في الشخص الذي يتعرض لها". جريمة الزنا لها حدان، الجلد والعزل... الفضائيات سبب ما وصلنا إليه من رذيلة "لا يهدر دم إنسان بغير حق... من قتل إنسانا متعمدا يقتل قصاصا، إلا إذا سمح له أهل الميت... عقوبة الزاني هي عقوبة الزنا زائد عقوبة حق الأمان"، هي عبارات بدأ بها الدكتور والأستاذ "كمال بوزيدي" دكتور بجامعة العلوم الإسلامية الخروبة حديثه في اتصالنا به، هذا الأخير أكد أن وجود ظاهرة الاعتداء بالقتل أو الاعتداء الجنسي على الأصول، سببها اثنين، الأول غياب الوازع الديني وإحضار التعامل بالإسلام، والثاني محاولة كسر وتحطيم الأعراف البنّاءة التي في أصلها تبنى عليها الأسر، فهي يضيف كانت مخبأة في وقت مضى، ولم تكن منتشرة بهذه الفضاحة، بوجود الفضائيات أصبحت مفضوحة. أيضا يقول الدكتور إن البيئة السيئة من مخدرات وسوء أخلاق، اللامبالاة والأماكن التي يتوجه إليها، كلها تساعد على إنشاء مجتمع به ذئاب، الابن يستغل أمه والأب ابنته. الظاهرة موجودة لكنها مخبأة... كونها من "الطابوهات" وفي سؤالنا عن القضايا المطروحة عليه والتي تخص ظاهرة الاعتداء، أكد أنها موجودة وبتحفظ، فهي لا تزال "طابوها" رغم كثرة انتشارها، فالمواطن الجزائري وخلال تساؤلاته اليومية يعرج إلى نقاط دون الدخول في التفاصيل، ودون ذكر الهوية كاملة، فعلمه بالظاهرة بصورة تفصيلية كانت من خلال حديثه اليومي مع الأطباء الذين تعرض عليهم يوميا حالات مماثلة. وقد أسر لنا ذات الدكتور أن بعض الفقهاء قالوا إن عقوبة الزنا تحوي على عقوبتين، عقوبة الزنا وعقوبة حق الأمان، أي الجلد زائد العزل ويعني عزله عن الأصول، والغرض من العقوبة هما هدفان حماية المجتمع من الجاني وهي مناسبة له حتى لا يفكر في إتيانها مرة أخرى، وأيضا التربية التي هي حماية له بإعادة تربيته، لكن يقول أن الواقع غير ذلك، كون العزل لم يطبق لا في الجزائر ولا في الدول الإسلامية الأخرى. وأكد في ختام حديثه، أن الحل الوحيد لهذه الظاهرة هي استرجاع الغيرة وأنفة الزمن الماضي، فحسبه لنا دين وعادات ولابد من الرجوع إليها والمحافظة عليها، وأيضا على الوالدين مراقبة الأبناء وتربيتهم على الحشمة والإسلام.