"القنار" تفتح ذراعيها ل 500 تائب والدولة تكافئها ب 100 مليار حكاية 7 وزراء في ضيافة مدينة الأكواخ في أعز الأزمة الأمنية سنة 1994 بلغ مسامع وزير الداخلية آنذاك، السيد شريف مزيان، أن 500 شاب من قرية القنار صعدوا إلى الجبل والتحقوا بالعمل المسلح، فقرر زيارتها رفقة وفد حكومي يتكون من 7 وزراء من بينهم الوزيرة ليلى عسلاوي وعندما وقف الوزير على حقيقة التحاق شبابها بالجبال بطل العجب. فالقرية كانت عبارة عن "محتشد استعماري" من الأكواخ المبنية بالديس والقصدير والأطفال فيها يلعبون مع الفئران التي تحاصرهم في أزقتها الضيقة بدل اللعب بكرة القدم التي يعشقونها حتى النخاع، مما جعل الوزير يأمر بتهديمها وبناء مشروع استعجالي ب 320 سكن لإعادة البسمة لسكان المنطقة وذلك بأحياء 5 جويلية وحي أول نوفمبر، وأشرف بنفسه على متابعة المشروع وتم ترحيل السكان في ظرف 6 أشهر ليتغير وجه المنطقة تماما، فحتى الذي زارها بعد عام من الزمن اندهش لمّا عاد إليها، وهنا بدأت الحياة من جديد. تزامن وصولنا إلى القنار، مع منتصف شهر مارس في جو ربيعي دافئ مما جعل الحركة دؤوبة في السوق الأسبوعي وأولى الملاحظات التي استوقفتنا تتمثل في الطابع الريفي للمنطقة، حيث 90٪ من سكانها يعتمدون لتحصيل رزقهم اليومي على ما تجود به أرضهم من خضر وفواكه. من هنا مر الرئيس بومدين وبشاطئها كان يتدرب أبوجرة مع الإخوان المسلمين "محمد" معلم سابق صادفناه بالمكان أخبرنا بأن "القنار" تاريخ وحكايات وبدأ يسرد على مسامعنا حكايته مع الحارس الشخصي لبومدين وقال: "في سنة 1973 كان عمري آنذاك عشر سنوات، حيث زار الرئيس بومدين -رحمه الله- المنطقة لتدشين قرية الثورة الزراعية، ولما وصل اندفعت أمام الموكب الرئاسي لأشاهد الرئيس، لحظتها دفعني أحد الحراس الشخصيين له إلى الوراء وعلى مسافة 3 أمتار كاملة ولما شاهد الرئيس الحادثة توقف وخاطب حارسه عن سر هذا التصرف تجاه طفل صغير، ليحملني بعدها ذلك الحارس الشخصي بين ذراعيه لتبقى هذه الحكاية متداولة الى الآن". وأضاف محمد "القنار كان يعشقها حتى النخاع الوزير الحالي أبو جرة سلطاني وكان يزورها في فصل الصيف ويمارس الرياضة على شاطئ أزارود وذات مرة قدمت له لوبيا خضراء من النوع الرفيع من مزرعتي وأعجبته كثيرا". تائبون ومقاومون جنبا إلى جنب بالمقاهي لم نبد في البداية اهتماما بالشاب سليم الذي قال بأن الصحافة لا تحل مشاكل الشباب في البطالة، لكننا أقنعناه بأنها شريك في التنمية ليدلنا على مقهى بوسط البلدية يقصده التائبون والمقاومون يجلسون جنبا إلى جنب حول طاولات "الدومينو" لمشاهدة مختصين في اللعبة وهي حقيقة وقفنا عليها في عين المكان. أحد المقاومين رفض الكشف عن هويته خاطبنا قائلا :"الوئام وحّدنا بعد ما فرّقتنا سنوات الحديد والنار، واليوم نرتشف مع إخواننا، الذين كانوا بالأمس يحملون السلاح ضدنا ونحمل السلاح ضدهم، فنجان القهوة والواحد يدفع تكاليف القهوة للآخر. إنها ثمار المصالحة الوطنية التي جاء بها فخامة الرئيس بوتفليقة". من جهته، التائب عمر أكد أن الحياة عادت من جديد إلى القرية بعد مغادرة قرابة 400 مسلح كانوا ينشطون ضمن تنظيم "الأيياس" بقيادة مدني مزراق جبال جيجل والتحقوا بذويهم، ووجه نداء إلى كل المغرر بهم من الجماعات المسلحة التي ما زالت تنشط تحت إمارة "درودكال" والمنضوية تحت لواء "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" على وقف العمل المسلح والاستجابة للنداء الذي وقّعه مؤسس التنظيم "حسان حطاب" والذي دعا فيه أتباعه السابقين للاستفادة من المصالحة الوطنية والعودة إلى ذويهم وعائلاتهم، واعترف بأن أمنيته في الحصول على مشروع استثماري في القطاع الفلاحي ما زالت صعبة كونه متزوج وأب لعدة أطفال. غادرنا المكان للحديث مع أحد المقربين من الأمير الوطني مدني مزراق، وهو أستاذ في التعليم تحفّظ في البداية عن الحديث معنا لكنه قال :"الحمد لله على عودة الأمن إلى المنطقة، لكن العقليات والذهنيات لشبابنا تغيرت" ثم غادر المكان طالبا مقدما لنا اعتذاره عن مواصلة الحديث. المقاوم محمد أكد لنا أهمية كلمة "السلم" وشبّهه بالماء لا نحس بقيمته إلا عندما نفقده وما دام صانعه هو الرئيس بوتفليقة قال "يوم 9 أفريل القادم سوف أذهب إلى صناديق الاقتراع لأنتخب وأزكّي صاحب مشروع الوئام المدني عبد العزيز بوتفليقة". عمي عبد الله وحكاية مدرسة الجيدو وسواكري سليمة ليل "القنار" يختلف تماما عن نهارها، ليل ساحر يجتمع فيه الصيادون منذ غروب الشمس في شاطئ "المزاير" والشيوخ والشباب في المقاهي للعب "الدومينو" ومشاهدة المقابلات الكروية والحديث عن الجيدو، لتقودنا جولتنا إلى مقهى "كحيلة عبد الله" المدرب السابق للجيدو وصاحب فكرة إنشاء مدرسة الجيدو بالقنار، الذي استقبلنا وكان سخيا في ضيافتنا بعدما قدّم لنا قلب اللوز والشاي على حسابه وقال :"كانت "القنار" مشهورة بممارسة رياضة الجيدو وفضلت العمل هنا وكوّنت جيلا جديدا متشبعا بالرياضة والأخلاق الكريمة وتحصل 15 رياضيا في ظرف قصير على 15 حزام أسود، وشاركنا في البطولات الجهوية ولما تجاوزت شهرتنا حدود الولاية، جاءت البطلة الجزائرية سواكري سليمة وتدربت هنا رفقة زميلاتها في الفريق الوطني". وبلغة الأسف والحسرة قال "إن الأزمة الأمنية عصفت بكل شيء حتى أن أحسن مصارع في الجيدو في هذه المدرسة ذهب ضحية هذه الفتنة". "فازة" قرية جديدة صنعها النزوح الريفي "فازة".. كانت قبل الأزمة منطقة غابية تتجول فيها الحيوانات، لكن النزوح الريفي لسكان الشحنة، أولاد عسكر، برج الطهر هروبا من جحيم الإرهاب حوّلها إلى أكبر تجمع سكاني بعد بلدية "القنار" ويتعدى سكانها 5000 نسمة. زيارتنا لها كشفت الكثير من معاناتها، فطرقها مهترئة ما عدا الطريق الرئيسي الذي يربطها بالطريق الوطني رقم 43 الذي تم إنجازه بغلاف مالي فاق 900 مليون سنتيم. أحد شيوخها قال لنا :"الحمد لله السلم عاد ونطالب فقط بحقنا في التنمية، خاصة الغاز الطبيعي لأننا ضقنا ذرعا من الطهي فوق الحطب وقارورات غاز البوتان أثقلت كاهلنا لأن المنطقة ريفية ولا توجد بها البنية التحتية الاقتصادية". اقتُرح علينا بعدها الحديث مع عجوز تجاوز عمرها 70 سنة، فقالت لنا :"كنا في الجبل قبل النزوح إلى هذا المكان نصارع قساوة الإرهاب وقساوة الحياة، لكن الآن وبفضل الرايس بوتفليقة -على حد تعبيرها- تغيرت الأمور ولم نعد نسمع لغة الرصاص ونسهر مع عائلاتنا في فناء المنزل حتى منتصف الليل" أضافت أيضا :"يوم 9 أفريل موعد الرئاسيات سوف أنتخب على بوتفليقة فقط" ثم أخرجت من جيبها بطاقة الناخب، وقالت لنا "تحيا الجزائر" ثم قدمت لنا ابنتها سعاد التي تدرس بالجامعة، حيث أكدت لنا هذه الطالبة لما سألناها عن الانتخابات الرئاسية القادمة قائلة :"كطالبة جامعية أرى أن الانتخاب واجب وطني وتحصّلت على بطاقة الناخب لأول مرة وسوف أنتخب بكل حرية على المترشح الذي أرى فيه مواصفات الكفاءة والنزاهة، ولن يكون طبعا غير الرئيس بوتفليقة الذي أعاد لنا حرارة الحياة بفضل المصالحة الوطنية بعدما هجرنا ديارنا بالجبل ذات مرة وبالرغم من أن لويزة حنون تنتمي إلى درشتنا حيث تعد مسقط رأسها، إلا أني أكن لها الاحترام والتقدير وأقول إن للدبلوماسية الجزائرية رجال" وتضيف :"وإذا كنا نحن نصنع الرؤساء بذهابنا إلى صناديق الاقتراع، فإننا نطلب من المسؤولين النزول إلى الميدان في كل المناسبات للوقوف على معاناة الشعب خاصة في القرى والمداشر وشق الطرقات للسكان لأنها القلب النابض للتنمية و"فازة" منطقة تحتاج إلى رعاية خاصة من طرف المسؤولين كون 90٪ من سكانها هربوا من جحيم الإرهاب و20٪ من شبابنا حملوا السلاح للدفاع عن أراضيهم وشرفهم" وأضافت قائلة : "بما أنني طالبة جامعية أحيي بوتفليقة لرفعه من القيمة المالية لمنحة الطلبة الجامعيين". معركة الإرهاب ولّت ومعركة التنمية انطلقت إن الزائر ل"القنار" اليوم، يشد انتباهه المشاريع التنموية التي تُنجز دلالة على عناية الدولة بسكانها لإخراجهم من دائرة التخلف، حيث استفادت من مشاريع فاق غلافها المالي 100 مليار سنتيم على حد تعبير رئيس المجلس الشعبي البلدي، منها مشروع إنجاز مقر للشرطة تم إنجازه 100٪ وينتظر تدشينه الرسمي من طرف السلطات في الأيام القادمة للحفاظ على أمن المواطنين ومكافحة الجريمة، كما استفادت من مشروع بناء ثانوية جديدة تتسع ل 900 تلميذ سوف تفتح بداية الموسم الدراسي القادم بعدما دشنها وزير التربية الوطنية في بداية شهر مارس الماضي وذلك للحد من تنقل أبناء المنطقة إلى الثانويات المجاورة لمتابعة دراستهم. كما استفادت ذات البلدية من مشروع بناء قاعة صحية متعددة الخدمات تكون جاهزة قبل بداية الصيف القادم إضافة إلى استفادة "القنار" من مكتبة بلدية وملاعب جوارية إضافة الى استفادتها في إطار مخططات البلدية للتنمية لسنة 2009 من غلاف مالي فاق 5 ملايير سنتيم لإنجاز 3 مشاريع ذات أهمية قصوى للمواطن في قطاعي الري والأشغال العمومية. وبحكم الموقع الجيو-استراتيجية للمنطقة على البحر الأبيض المتوسط، تراهن بلدية "القنار"، من الآن فصاعدا على إنجاح موسم الاصطياف القادم باستعدادها لاستقبال 3 ملايين مصطاف وسائح بحكم توفرها على شاطئ المزاير الساحر الذي توجد على مستواه 5 مخيمات صيفية تابعة لشركات ومؤسسات عمومية. رئيس البلدية أكد لنا أن الجهود منصبة الآن على إنجاح موعد الانتخابات الرئاسية من خلال الشروع في تخصيص أماكن الإشهار وكذا تعيين رؤساء المكاتب وتجديد بطاقات الناخب ليكون العرس الحقيقي يوم 9 أفريل القادم.