التنصير ظاهرة قديمة النشأة تتغير من زمان إلى زمان، ومن بيئة لأخرى، فلقد بدأ التنصير مع ظهور رسالة عيسى عليه السلام وأخذ التغير في مفهومه الأول، بدايته كانت من تحريف النصرانية الأولى على يد: (شاؤول أو بولس) في القرن الأول الميلادي، حيث أدخل على النصرانية ثقافات يونانية وهندية وفارسية، فأصبحت بهذا النصرانية خليطا من الديانات الفاسدة والأفكار البشرية. إن المجمع المسلم لم يسلم من ظاهرة التنصير، بل أصبح المجتمع الأول تعرضا لها، وذلك للمقاومة التي يلقاها المنصرون من المسلمين سواء في إبطال هذه الديانة الحرفة أو في دعوة النصارى إلى الإسلام، ومع هذا تستمر حملات التنصير الموجهة للمجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية آخذة وسائل عديدة ومفهومات متجددة تختلف عن المفهول الأساسي المتمثل في محاولته إدخال غير النصارى في النصرانية. التنصير تطور بتطور التجارب وقد تنبه المسلمون إلى هذه الحملات منذ القدم فوقفوا أمامها العلماء والولاة والمفكرون وعامة الناس بحسب قدراتهم العلمية، ولكون هذا الموضوع ظاهرة قائمة لها آثارها على المجتمع المسلم لابد من الإشارة إلى نقطة هامة وهي أن نشأة التنصير كانت عبر عدة وسائل وأوجه تنوعت أساليبها بفعل مواكبة مختلف التطورات والأزمات مع الإهتمام بالمستقبل والتخطيط له، بما في ذلك تحديث الوسائل وتجديدها بعد كل مراجعة وتقويم الجهود السابقة. ومن خلاله، يمكن تقسيم التنصير إلى نوعين بالنظر إلى أهدافه فأصبح بذلك: التنصير الصريح والتنصير الخفي. أولا التنصير الصريح: وهو التنصير القسري، ويتمثل في الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش، وإختطاف الأطفال، والقرصنة البحرية وإحراق المسلمين الرافضين للتنصير والغزوات والاحتلال... ويتحقق هذا التنصير الصريح من خلال قيام مؤسسات تنصيرية ترعى الحملات وتمكن لها وتمدها بما تحتاجه من المعنويات والماديات المالية والبشرية بالاستعانة بالحكوماتت الغربية ومؤسسات التبرعات والهبات والأوقاف. ثانيا التنصير المختفي: وينفذ هذا النوع من التنصير بوسائل متعددة ومتجددة خاضعة للمراجعة والتقييم الدوري، ومطوعة للبيئات التي يعمل بها وسيأتي الحديث عن هذه الوسائل بشكل مفصل في باب الوسائل. التنصير كيان تنظيمي وتأطير بشري هائل قلت: إن الحديث عن التنصير ليس حديثا عن حركة عالمية فحسب، ولكنه حديث عن كيان بشري ومادي ومعنوي له أغراضه وأهدافه المعلنة منه والخفية. إن التنصير يعمل على تحطيم الإسلام أولا لتحل محله النصرانية ثانيا. وهم بذلك يعلنون حربا ضروس لمعرفتهم بمدى شراسة هذه الحرب الحضارية، فأعدواله كل الأسلحة ووفروا له كافة الماديات. لقد بلغت ميزانية التنصير في العالم سنة 1970: (70 مليون دلار أمريكي)، ووصل المبلغ المخصص له سنة 1990:(164 مليار دولار أمريكي) ليتطور فيما بعد سنة:1992 إلى : 181 مليار دولار، وتضاعف المبلغ فيما بعد سنة 2001 إلى حوالي: 280 بليون دولار أمريكي، ومن المتوقع أن تصل نسبة 2025إلى : (950 بليون دولار). فمن خلال هذه الميزانية نتأكد من مدى تعويل الغرب الصليبي على نشر النصرانية في العالم تحت عقدة محاربة الإسلام كما نلاحظ أن عدد المنظمات المشرفة على هذه العمليات التنصيرية في تزايد مستمر وتحت رايات متنوعة، ولقد بلغت عدد هذه المنظمات إلى سنة 2001 أكثر من (50000منظمة) . أما في مجال الكتب والمجلات المطبوعة لغرض التنصير بلغات ولهجات متعددة تشير الإحصائيات سنة 1991 إلى: (22100 كتاب) وفي سنة 2001 (65600 كتاب) وكل كتاب كانت تطبع منه ملايين النسخ معظمها يوزع مجانا. أما عدد المعاهد التنصرية، فقد بلغ في العالم سنة: 1990 حوالي 98720 معهد، بالإضافة إلى المحطات الإذاعية التنصيرية المرئية منها والسمعية فلقد بلغت سنة 1990: (1900) محطة إذاعية في أكثر من (مئة دولة) وفي سنة : 1991: (2340) إذاعة أما في سنة 2001 فكانت: (3000 محطة). وبالنسبة إلى مواقع الأنترنات، فقد بلغ سنة 1998 أكثر من (37600 موقع) وكان في سنة 1990حوالي 82 مليون جهاز كمبيوتر مخصص لغرض التنصير. وفي الأخير نشير إلى أن عدد النصارى في العالم على اختلاف مذابهم كانوا سنة: 1970 (1.236374000) وانتقل العدد في سنة 2001 إلى (1024929000 ) نسمة، ومن هذا الأجر يجد حوالي (7 ملايين) تنصر متفرغ لهذا العمل. كل هذا وذاك من خلال هذه الأرقام الهائلة والمتباينة المظبوطة، الثابتة والمتغيرة يصور لنا حقيقية الغرب الغاشم. أهداف وغايات التنصير من خلال عرض مجموعة من المفاهيم المتغيرة للتنصير، يمكن الخروج بمجموعة من الأهداف التي يسعى إليها المنصرون بوسائل شتى، وتتراوح هذه الأهداف فيما يتعلق بالوصول إليها حسب الزمان، إلى أهداف قريبة المدى وأهداف بعيدة المدى نلخصها فيما يلي: منع دخول الناس في الإسلام.. أعظم الغايات من أهم الغايات وراء التنصير الحيلولة دون دخول النصارى في الإسلام، وهذا الهدف جهوده موجهة إلى المجتمعات تغلب فيها النصرانية، ومعه كذلك الحيلولة دون دخول الأمم الأخرى غير النصرانية في الإسلام والوقوف أمام إنتشار الإسلام بإحلال النصرانية مكانه. وبعدها، يأتي هدف إخراج المسلمين من الإسلام، أو إخراج جزء من المسلمين من الإسلام وهذا من الأهداف الطويل المدى. ومن غايات المنصرين، نشر الإضطراب والشك في المثل والمبادئ الإسلامية لمن أصروا على التمسك بالإسلام، وكذلك الإيجاد بأن لمبادئ والمثل والتعاليم النصرانية أفضل من أي مثل ومبادئ أخرى حتى تحل محل المبادئ والمثل الإسلامية. ومن غاياتهم وراء التنصير في البلاد العربية، الإيجاد بأن تقدم الغربيين إنما جاء بفضل تمسكهم بالنصرانية، بينما يعزي تأخر العالم الإسلامي إلى تمسكهم بالإسلام. وتعميق فكرة سيطرة الرجل الغربي الأبيض على بقية الأجناس البشرية الأخرى، وذلك تعميق للاحتلال بأنواعه العسكرية والسياسية، وهذا من الأهداف التي يشترك فيها التنصير مع الاستعمار. ويضاف إلى هذا تغريب المجتمع الإسلامي في سلوكاته وممارسته بأنواعها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأسرية والعقدية، وذلك بنقلها من أصالتها الإسلامية إلى تبني الأنماط الغربية في الحياة، وهي المستمدة من خلفية دينية نصرانية، وفي هذا الصدد يقول سيرج لاتوش في كتابه. تغريب العالم: "إن تغريب العالم عملية تنصيرية، إن تكريس الغرب نفسه للتبشير بالمسيحية يتضح تماما قبل الحروب الصليبية الأولى...". القضاء على العربية والهوية لأهداف استعمارية من بين الغايات التي تحمل في طابعها الجانب الاستعماري القضاء على اللغة العربية بحكم أنها الواجهة الثانية للإسلام، فإذا قويت قوي عطاء القرآن والسنة، وإذا ضعفت ضعف العطاء. ومع هذا العمل على تهيئة الأرضية الصالحة للتنصير وإعادة النصرانية بقوة مما كانت عليه قبل الإسلام، وبناء الكنائس للنصرانيين القاطنين بين المسلمين. 11 التنصير الذاتي، وهو يعمل به المتنصرون الذين دخلوا النصرانية على الدعوة إليها بين أهاليهم وذويهم. ومن أهدافهم أيضا، تكوين نخبة موالية للصلبيين حتى تحافظ على بناء هذه الديانة تحت البحث والتعليم، والعمل على تغيير عقلية الرجل المسلم تجاه النصراني حتى يأمن جنبه وبذلك يسهل العمل وتكثر ثماره. قلت: هذا وغيره من الدوافع والغايات التي سعى المنصرون إلى بلوغها، لكن والحمد لله كانت صخرة الإسلام قوية وكانت تركيبته نية مركزة لا تستطيع أي قوى زعزتها لتوفره على عامل العقيدة الإسلامية.