ونحن نتكلم عن مزايا الاستشراق لا بد ان نمر بتقسيم هذا الباب الى ثلاث نقاط، اذا أردنا أن نكون منصفين، وهي الاستشراق وخدمة التراث، والاستشراق وسرقة التراث، وأخيرا مواقف العرب والمسلمين من المستشرقين. تراث لا وجود له في بلاد الاسلام إزداد شعور الأوروبيين بمعرفة الشرق العربي، والإطلاع على ثقافته ودراسة علومه في مدة لاحقة للفتح العربي للأندلس "القرن الثامن الميلادي"، ولقد كرس عدد كبير من الباحثين الأوروبيين إهتماماتهم للكشف عن ذخائر التراث العربي وتحقيقها، ونشرها في مطابعهم التي أسسوها لذلك الغرض، فأخذ المستشرقون يقلبون البحث في الآداب العربية ولغتها وتاريخية، وساعدوا على تحقيق عدد من المخطوطات التي نقلوها إلى مكتبات بلادهم أو استنسخوها، فقامت من أجل ذلك صناعة نشر التراث العربي الإسلامي وطبعة في عدد من العواصم والمدن الكبرى في أوروبا كفرنسا وإيطاليا وإسبانيا . ايطاليا .. أولى المحاولات وكان هذا لغايات وأهداف دينية وتعليمية بهذه البلدان، وكذا رصد الحركة العلمية بها وأولى هذه المحاولات لطبع الكتب العربية بأحرف عربية كانت بإيطاليا في مدينة البندقية سنة 1499 بطبع المصحف الشريف ثم أسست مطبعة خاصة في مدينة "فانو" الإيطالية، وقد لعبت هذه المدينة دورا مهما في نشر الكتب العربية، وكان كتاب "صلاة السواعي" الذي طبع سنة 1514 ، والذي ترجمه إلى العربية عبد الله بن الفضل الانتاكي نموذجا لدراسة ظهور الحرف العربي المطبوع في أوربا. وفي "جنوة" طبع "سفر المزايد" سنة 1516 ، وفي باريس نشر المستشرق نحو يوم بوستيل سنة :1538 مبادئ إثنتي عشرة لغة شرقية بحروفها الأصلية، ومنها العربية، ثم طبع كتاب "القواعد العربية". وفي جنوة أيضا تم طبع كتاب "مزامير عبراني يوناني عربي قصداني بترجمة لاتيني وتفسيرهم " سنة 1516، كما أعيد طبع القرآن الكريم بالبندقية سنة 1518 كما شهدت سنة 1585 طبع أول كتاب جغرافي عربي "البستان في عجائب الأرض والبلدان" للصالحي كما ظهر عام 1592 كتاب " قواعد اللغة العربية " لعثمان بن عمر بن الحاجب. وفي سنة 1593طبع الكتاب الذائع الصيت " نزهة المشتاق بإختراق الآفاق" للشريف الإدريسي، وكتاب "القانون في الطب" لإبن سينا سنة:1593 تلاه كتاب "النحاة"، ثم كتاب الزنجاني "التصريف"سنة :1610. ومن الكتب العربية المهمة، والتي ظهرت في وقت مبكر كتاب "زهر الأفاكار" لأحمد بن يوسف التيفاشي سنة 1818، ثم كتاب "الألفية العربية " بألمانيا سنة:1582. وفي روما أخرجت المطابع العربية مجموعة نادرة من المصنفات كان أهمها "فرامير داود" 1614 و"أصول اللغة العربية " سنة 1620. مرحلة دراسة ونشر المعاجم والقواميس وبعد تلك الحقبة التاريخية بدأ الإتجاه في الطباعة يسير نحو كتب أكثر حيوية، وأهمية في الثقافة العربية، فظهرت كتاب "القاموس المحيط" للفيروز آبادي في مجلدات كبيرة سنة 1632، وقد تميزت تلك الفترة بإخراج الكتاب بصورة متطورة نسبيا. وقد شهدت نهايات القرن السابع عشر في إيطاليا نهضة طباعية ذات إتجاه ديني، وكرمت العديد من المطابع على إصدار طبعات متميزة في القرآن الكريم مع ترجمات لاتينية . وفي مدينة ليدن في هولندا ظهرت طبعات لكتب عربية عديدة مثل كتاب " أمثال لقمان" سنة 1615 وكتاب "قصة يوسف ." وفي باريس ظهر كتاب "في صناعة النحو" سنة 1613 وفي لندن صدرت طبعة جديدة لجزء من كتاب " المختصر في أخبار البشر" لأبي الفدا سنة 1650 وكتاب "الأفادة والإعتبار" للبغدادي سنة 1800. وهكذا أصبحت المكتبة العربية التراثية تضم عددا ضخما من الكتب التي لعبت دورا متميزا في تاريخ الحركة الفكرية العربية، كما لعبت دورها الحاسم في الفكر الأوربي، والتراث العربي تراثنا موسوعيا يدل على سعة إطلاع المفكرين العرب. المطابع الأوربية، كيف دخلت في اللعبة؟ إيطاليا : تعتبر مؤسسة مطبعة بافاناني paganani في مدينة البندقية من أوائل المطابع التي أنتجت طبعة خاصة بالقرآن الكريم سنة 1518 وقد أسس البابا غريغوريوس الثالث عشر (1572-1587) المعهد اليوناني سنة 1576 وألحق به مطبعة لنشر الكتب العربية. وفي سنة 1564 أسست مطبعة معهد روما ، ثم في سنة: 1584 تأسست مطبعة الميدتشي في روما، وقد أوكلت إدارتها في المستشرق ريموندي (1540-1614) وفي روما أيضا تأسست مطبعة: سافاي "سنة 1613 ، ومطبعة المعهد الروما في :1620 ومطبعة : مجمع الأيمال :1626 وفي إيطاليا (ميلانو) أنشأت المطبعة الأمبروزية :1632وفي مدينة بادوا تأسست مطبعة السينار سنة :1687 فرنسا: تعتبر مؤسسة سافاوي savary de brre من المؤسسات الطباعية الاستشراقية القليلة في فرنسا، وقد أنشئت سنة 1616 وقد تطورت الطباعة العربية في فرنسا سنة في عهد لويس الثالث عشر. هولندا: تأسست أول مطبعة استشراقية في هولندا ، وكانت قد تأسست في جامعات ليدن سنة : 1575 ، وقد تطورت الطباعة العربية في فرنس، وقد نشر كتباعربية مهمة، وفي سنة 1613 تأسست مطبعة أربنيوس نسبة إلى مؤسسها المستشرق أربيونس، ثم فتحت مؤسسة الزفير مطبعتها عام 1658 وهي الأخرى قامت بنشر نفائس من التراث العربي. ألمانيا : في ألمانيا أنشأ المستشرقون عددا من المؤسسات الطباعية ألحق بعضها بالجامعات الألمانية المعروفة بقدمها، أما أشهر تلك المؤسسات فقد كانت فرانكفورت وتوبنجن وبرام وغيرها، وقد تم نشر أمهات الكتب العربية بها. بريطانيا : تعتبر لندن وأكسفورد أقدم مدينتين بريطانيتين، كما شهدت بواكير الطبع بالعربية، ويعود الفضل في ذلك إلى المستشرقين الأوائل الذين عملوا في جامعتي لندن وأكسفورد ، وكانت الكتب العربية وخاصة في الأدب والتاريخ والجغرافيا تحقق وتطبع بصورة أكثر دقة من غيرها في المطابع الأوربية.