يصف العديد من المواطنين "حملة التخفيضات" التي أقرتها المساحات التجارية الكبرى والمحلات والأروقة المتخصصة في أنواع معينة من التجارة، بكونها "أكذوبة تجارية" لا غير، على اعتبار أن الأسعار في الحقيقة لا تخفض لتصل سقف قدراتهم الشرائية، بل يعمدون قبل انطلاق الموسم إلى رفعها لتصل مستويات خيالية، ثم يشرعون في التخفيض بنسب تتراوح ما بين 20 و60 بالمائة لتوازي في النهاية مستوياتها الأولى قبل حملة التخفيضات، الأمر الذي يدفع المواطنين إلى الإحجام عن تخفيضات المساحات التجارية الكبرى ويلجأون إلى "الصولد" السنوي المعتمد في الأسواق الموازية على مدار أيام السنة. وفي جولة قادنتا، بحر الأسبوع الماضي، إلى مركز الأعمال والتسوق الجديد بباب الزوار ومساحات "أونو" التجارية في الرويبة وببئر مراد رايس بالعاصمة، ومركز "فاميلي شوب" بولاية البليدة، قبل 8 أيام فقط من انتهاء الآجال القانونية لموسم التخفيضات الشتوي، كشفنا حجم الهجر واللامبالاة التي تلاقيها الحملة رغم اللافتات العملاقة التي نصبت عند مداخل المحلات ومخارجها وعبر كافة المحلات ونقاط البيع في الفضاء المفتوح خارج مقرات "السوبر" و"الهيبر ماركت"، والتي تحمل شعرات في الحقيقة مغرية تقرن كل شراء مخفض بنسب تتراوح ما بين 20 و80 بالمائة، وفي بعض الحالات 100 بالمائة بالعديد من الهدايا، لكن رغم ذلك العزوف عن الشراء هو سيد الموقف. "الصولد" النظامي.. ليس في مستوى القدرة الشرائية لشرائح اجتماعية واسعة ولاستطلاع آراء المواطنين حول الوضع والأسباب الحقيقية التي تحول دون إقبالهم على الشراء، قال "محمد.ط"، وهو موظف بسيط في قطاع عمومي "في الحقيقة، الهالة الإعلامية والترويج الذكي للحملة يدفع المواطن إلى الشراء، لكن عندما تستطلع نسب التخفيض من سعر المنتوج، تجد أن الأسعار ما تزال بعيدة عن متناول العديد من الشرائح الاجتماعية متوسطة ومحدودة الدخل. أنا برأيي، هذا نوع من الإشهار الكاذب والدعاية غير الحقيقية، الهدف هو رفع المبيعات بأقل تكلفة وخسائر بالنسبة لهذه المساحات التجارية". أما "فريدة.ل"، وهي أستاذة في طور التعليم المتوسط قالت: "نسب التخفيض مغرية وتجذبك عند الوهلة الأولى، لكن عندما تتقدم من صناديق الدفع يفاجئك بالسعر المرجعي للمنتج المرتفع جدا، حتى ولو يدرج في خانة المنتجات التي طالها التخفيض بنسبة مائة بالمائة". من جهته، قال "بوعلام.ي" وهو إطار في سلك الإدارة العمومية قال: "المواطن وبحكم التجربة، أصبح لا يثق في مواسم التخفيضات ويلجأ في الغالب الأعم إلى "الصولد" المعتمد على مدار أيام السنة في الأسواق الموازية، طبعا الأسواق الموازية متخمة بالمنتجات المقلدة أوما يعرف بمنتجات طايوان أو الخيار الثالث، إلا أنها أي الأسواق الفوضوية تبقى المتنفس الوحيد للمواطن الجزائري في ظل الغلاء الفاحش في الأسواق النظامية. ثقافة تجارة التجزئة ضعيفة رغم الإمكانيات الكبيرة لإنعاشها وكان مدير عام شركة المراكز التجارية للجزائر ومسير المركز التجاري والترفيه بباب الزوار، آلان رولان، قد أكد في وقت سابق أن نشاط التجزئة في الجزائر بات يتوفر على قدرات هامة، ويمكن أيضا أن يستقبل مساحات تجارية كبرى، لكن المشكل يكمن في الأسواق الموازية التي ما تزال حجر عثرة أمام النشاط التجاري النظامي. كما أوضح أن كل الظروف التي من شأنها تشجيع الاستثمارات في التوزيع الواسع بالجزائر متوفرة، ومنها المزايا التي تمنحها الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار "أندي". وحسب مسؤولي أجنحة في مراكز التسوق "أنو" التابعة لمجمع "سيفيتال"، فإن ثقافة المساحات التجارية الكبرى ما تزال ضعيفة في الجزائر مقارنة بالدول الجارة وعدد من الدول العربية الأخرى والعمل ما يزال طويلا من أجل التأسيس لهذه الثقافة وبلوغ التنافسية المرجوة والتي تقتضي إنجاز مساحات تجارية جديدة. أما بعض مسؤولي مركز التسوق "فاميلي شوب" الذي دشن في سنة 2009 بالبليدة، فإن المركز حقق موازنات تجارية مربحة وهو ما يزال يستقطب أعدادا كبيرة من الولايات المجاورة، خصوصا من المدية وعين الدفلى وأيضا تيبازة، لكن تكتموا عن الحديث عن حملة التخفيضات برغم إلحاحنا الشديد. وفي انتظار أن تتدخل مصالح وزارة التجار للتحقيق ومراقبة حملة التخفيضات والطريقة التي اعتمدت بها في الميدان يبقى المواطن المنشط الرئيسي للأسواق الموازية، في ظل الأسعار المغرية التي تعتمدها.