كانت الهجرات تحمل دعوة دينية وقد أحدثت هذه الدعوة تغيرات كبيرة في العالم الإسلامي، عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن يهاجروا إلى الحبشة من أجل حمايتهم والدين من ظلم قريش لأنه كان فيها ملك عادل لا يظلم عنده أحد، فكانت الهجرة الإسلامية الأولى التي عرفها المسلمون على يد جعفر بن أبي طالب ابن عم الرسول عندما هاجر إلى الحبشة ومكثوا فيها حوالي 14 عاما، حيث كان هذا التزاوج العربي الإفريقي بداية العلاقات الدينية بين الإسلام والمسيحية. أبرز ما كتب عن التواجد والتزاوج العربي الإفريقي، هو كتاب "الكشاف البحري" لمؤلف ورحالة إغريقي مجهول كتبه في القرن الأول الميلادي، رسم فيه طريقة التعامل الاقتصادي بينهم وقوافلهم الراسية عبر السفن، من شرق المنطقة إلى المنطقة التي تعرف بالقرن الأفريقي التي تضم الصومال وإرتريا وأثيوبيا، وعن طريق البر عبر سيناء إلى مصر في شمال شرق القارة الإفريقية، وهذا يدل على قدرة العرب على التكيف مع كل أنواع البيئات، ونظرا لامتزاج الدم بينهم وتوالي الهجرات ظهر العربي الإفريقي. وفي نفس الوقت، لم يكن البحر الأحمر الفاصل بين الشاطئ الغربي للجزيرة العربية والشاطئ الشرقي الإفريقي يمثل عقبة أمام الاتصال الواقعي بين العرب والأفارقة، ولكون اليمن كانت مصدرا لهجرات عديدة كما يقول المؤرخون فقد أقرت تأثيرا مباشرا في الهضبة الحبشية وأعالي النيل ألأزرق وارتريا وسواحل السودان الشرقية، كما كان سكان الحجاز مصدر هجرات منذ فجر الإسلام كانوا على اتصال بالحبشة ومزنها كانت الهجرة الإسلامية الأولى عندنا خرج إليها جعفر بن أبي طالب وصحبه هروبا بالإسلام منم بطش قريش في بداية الدعوة المحمدية، كانت مصر كما تقول الكتابات البوابة التي يمر منها العرب نحوالحبشة والصومال عن طريق وادي النسل والسودان، كما لعب البحر الأحمر دورا كبيرا في جمع العرب بالعالم الأفريقي، وتشير الكتابات التاريخية أن مكتشف إفريقيا من الشرق هوالفرعون المصري نكاي، كذلك رحلة الملاح الفينيقي "هانو" التي تمت في عام 425 ق.م ورافقه في رحلته 30 ألف شخص عبر 60 سفينة، دار بها إفريقيا غربا إلى أن وصل الكاميرون. وبفضل اختلاطهم بالعرب، أصبح للزنوج ثقافة عربية بكل فنونها وبفضلها أصبحت لهم لغة، سماها المؤرخون باللغة "السواحيلية" التي هي مزيج بين "العربية" و"البانتو" الإفريقية القديمة، ويعود التهجين بين العرب بالأفارقة إلى هجرة قبيلة "حبش" العربية القديمة واستقرارها بشمال القرن الأفريقي يقودهم الملك منليك الأول ابن سليمان الحكيم وبلقيس مكلة سبأ أوماكيدا في التاريخ الحبشي القديم، وأسسوا مملكة " أكسوم " التي عرفت باسم الحبشة. كانت الهجرات تحمل دعوة دينية وقد أحدثت هذه الدعوة تغيرات كبيرة في العالم الإسلامي، عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن يهاجروا إلى الحبشة من أجل حمايتهم والدين من ظلم قريش لأنه كان فيها ملك عادل لا يظلم عنده أحد، فكانت الهجرة الإسلامية الأولى التي عرفها المسلمون على يد جعفر بن أبي طالب ابن عم الرسول عندما هاجر إلى الحبشة ومكثوا فيها حوالي 14 عاما، حيث كان هذا التزاوج العربي الإفريقي بداية العلاقات بين الإسلام والمسيحية، وجاء تأكيد الثناء عليهم في قوله تعالى في سورة المائدة: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون، وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع، مما عرفوا من الحق)، صدق الله العظيم. وبهذا يكون الإسلام قد زرع أول بذرته في بيئة مسيحية (الحبشة) وكل المناطق التي تعرف بالقرن الإفريقي، ثم بدأت الهجرات تتولى بداية من العهد الأموي، وفي العهد العلوي (علي بن أبي طالب).
التصوف والمتصوفون في القرن إفريقي
هذا، وقد كان للطرق الصوفية دور كذلك في نشر الدين الإسلامي وتوسيع رقعته، فالدولة الصومالية كنموذج شهدت انتشارا كبيرا للطرق الصوفية، فكان وجودها في الصومال إيجابيا، حيث أنها ساعدت على إضعاف التركيب القبلي للمجتمع وللتوجه به إلى وحدة قومية ينذر وجودها في الدول الإفريقية جنوب الصحراء، كما لعبت دورا اقتصاديا فعالا كذلك، حيث كانت الطريقة القادرية مثلما جاء في كتاب الدكتور إبراهيم أحمد نصر الدين وإجلال محمود رأفت من معهد البحوث والدراسات الإفريقية جامعة القاهرة بعنوان القرن الإفريقي أقدم الطرق الصوفية التي دخلت الصومال، وقد قوى تأثيرها في البلاد في القرن ال 19 وتنوعت إلى قسمين كبيرين أحدهما بزعامة الشيخ عبد الرحمن سيلا في الشمال والغرب، والآخر بزعامة الشيخ عويس محمد في الغرب. وللإشارة، فإن شيخ الطريقة القادرية عبد القادر الجيلالي من أصول إيرانية، حيث ولد في جيلان العربية سنة 470 ه الموافق ل 1077 م الواقعة شمال غيران على ضفاف بحر قزوين ويقال في جبل العراق وهي قرية قرب المدائن جنوب بغداد، وطلبا للعلم رحل إلى بغداد وعمره 18 سنة في عهد الحليفة العباسي، وانتسب إلى مدرسة الشيخ أبو سعيد المخزومي، وتفقه على يد شيوخ الحنابلة. كما سمع الحديث على أيدي كبار المحدثين، حيث عاش 30 سنة من عمره يدرس العلوم الشرعية وتكلم في 13 علما من علوم اللغة والشريعة، فكان موضع إقبال الطلبة والتلاميذ عليه منهم القطب الرباني الغوث سيدي أبي مدين شعيب الاشبيلي المتوفي سنة 1198 والموجود ضريحه في تلمسان. والطريقة الثانية الأحمدية التي أسسها سيدي أحمد البدوي، وقد دخلت الصومال في القرن19 ونافست القادرية في عدد مريديها الذين تركزوا في المناطق الخصبة من وادي اشبيلي وجوبا، وآخر الطرق الصوفية التي أدخلت إلى الصومال هي الطريقة الصالحية التي أسسها الشيخ محمد صالح، وجدير بالذكر أن محمد عبد الله حسن كان يتبع الطريقة الصالحية وقد فضلها على سواها، لما عرفت من اتجاه إصلاحي ورغبة في الزهد والتقشف، وأصبح عبد الله حسن زعيم هذه الطائفة. بدأ الشيخ محمد صالح كفاحه ضد الاستعمار تحت لوائها فأسس قرى سموها "الجيامية" وجمعوا فيها مريديهم من مختلف القبائل، وكان الهدف من ذلك نشر تعاليم الإسلام من خلال الطريقة الصالحية وتجميع الصوماليين للنضال ضد الاستعمار، كما أن العامل الرئيسي الذي جعل الطريقة الصالحية تكسب صفوف الجماهير الصومالية هي استعمال شيخها اللغة الصومالية بدلا من العربية التي اعتاد رجال الدين استعمالها، مما ساعد على انتشار أفكاره، وهي أسباب التي جعلت شيوخ الطريقتين يدخلون في صراع، حسب ما أجمعت عليه بعض المصادر، لاسيما فيما تعلق بمناقشة الدستور الصومالي، الذي أهمل بندا مهما وهوعدم ذكره أن دين الدولة هوالإسلام، وإنما ذكر أن الأمة الصومالية مسلمة، وذلك لإبعاد شبهة التعصب عن النظام، وإهمال هذا البند أثار غضب الطريقة القادرية، فالمسؤلون في الحزب الاشتراكي الثوري الصومالي PSRS (الحزب الحاكم) لا يرفضون الإسلام كعقيدة ولكنهم يرفضون بعض تفسيرات النصوص التي تشكل عائقا للتقدم، وقد ساهم النضال السياسي الذي قاده رجال الدين في القضاء على التعصب القبلي ولكن بشكل نسبي، لأن الناس في الصومال لا يزالون يتهامسون سرا بأسماء قبائلهم وعاداتها وتاريخها. الصومال والبحث عن "الهوية" الإفريقية ولدت الجمهورية الصومالية في عام 1960، وينتمي 95 بالمائة من الشعب الصومالي إلى السلالة الصومالية وهي فرع خاص من الجنس القوقازي، منتشرة في عدة مناطق (جيبوتي، إريتريا وشمال كينيا)، وتعتبر قبائل الدارود أكثر القبائل انتشارا في الصومال يعيشون في شرق البلاد وفي الأوجادين وفي الإقليم الشمالي الكيني، وقبائل أخرى (الهاوين، عيسى، الدير، الرهانوين والديجل). فرغم تعدد هذه القبائل، فهي تدين بدين واحد هوالإسلام وتتكلم بلغة مستقلة هي اللغة الصومالية. ومع بداية القرن ال 16، عرف الصومال أزمات حادة من طرف الاستعمار الأوروبي، ولكن تمزق العرب وانشقاقاتهم كان له الأكثر الكبير في تفوق العرق الأوروبي على العربي، ومن هنا انقسم العالم، ونلك هي الحالة السائدة التي تسمى بالعالم الثالث (آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وفي مقدمتها الوطن العربي) وزاد الوضع تأزما بعد ظهور النظم والمنظمات السياسية التي نتج عنها تقسيمات بين العالم الفرانكفوني في غرب إفريقيا، والإنجلوفون في وسط وشرق إفريقيا، والعربوفون في شرق وشمال إفريقيا. وللعلم، فإن محاولات عديدة سبقت الحكومة الصومالية في كتابة اللغة الصومالية بالحروف العربية منذ القرن التاسع عشر على يد الشيخ يوسف الكوناني، وفي القرن العشرين على يد الشيخ عبد الله حسن ومحمد عبد المولى.. ومحاولات أخرى بالحروف العثمانية، لكن المحاولات جميعها فشلت بسبب التركيب اللغوي، وعدم قدرة الحروف العربية على ترجمة كل الأصوات التي تصدر عن اللغة الصومالية. المجتمع الصومالي ينقسم إلى طبقات وينقسم المجتمع الصومالي مثلما جاء في الدراسة إلى طبقات، ففي سنة 1971 كان (الرعاة يمثلون 80 بالمائة من نسبة السكان وفي السنة التي عرفت فيها الصومال القحط، لجأ فيها السكان إلى العمل كمزارعين بنسبة 20 بالمائة، أو كأيدي عمالة في المدن أي أجراء وذلك بنسبة 0.7 بالمائة. أما العمال الصناعيون، فهم يمثلون نسبة 01 بالمائة كون العمل الصناعي محدود ومحصور في بعض الصناعات الغذائية الاستهلاكية البسيطة. فالتطور الذي بلغته الصومال في فترة معينة الفضل فيه يرجع إلى اختلاط عرقي بالعرب والزنوج عن طريق التزاوج والاستقرار، وادخلوا الثقافة العربية بفنها وفكرها، كما ادخلوا كثيرا من الزراعة والصناعة والتجارة التي نقلوها وهذا التزاوج الطويل أنتج عبر قرون لغة مميزة جديدة هي " السواحيلية" التي تضم مزيجا من العربية والبانتوالإفريقية القديمة، وهكذا عاش العرب والأفارقة في شرق إفريقيا في ظل تزاوج بشري وحضاري مثمر. وحسب ذات الدراسة فإن عدد المصانع الصومالية لا يزيد عن 07 مصانع ومنهم (مصنع تكرير السكر وآخر للنسيج في جوهرة، مصنع حفظ اللحوم في قسمايو، الألبان في مقديشيو، مصنع حفظ الأسماك، مصنع عصير فاكهة في أفجوي، ومصنع للسجائر أنشأته الصين الشعبية)، وعلى غرار الدول الأخرى وضعت الحكومة الصومالية برامج خماسية لنمواقتصادها، باعتمادها على القروض والمعونات الأجنبية في كل مجالاتها، مركزة في ذلك على الزراعة بنسبة 41 بالمائة. وإلى غاية نهاية السبعينيات حددت الحكومة الصومالية في خطتها الخماسية عدة مشاريع صناعية منها (مصنع الإسمنت في بربرة حيث المواد الأولية اللازمة متوفرة في هذه المنطقة، مصنع الدقيق ومعمل للأدوية في مقديشيو)، فضلا عن مشاريع إنجاز السدود للري الزراعي وغرس الأشجار لإيقاف زحف الرمال، كما عملت الحكومة الصومالية في سياستها على توطين البدولمواجهة كارثة الجفاف التي تعرضت لها في منتصف السبعينيات (من 73 إلى 1975) باعتمادها على التجربة الاشتراكية. وبالاعتماد على نفس الدراسة، فإن مجموع القروض والمعونات الأجنبية للصومال تساوي تقريبا عائد الصادرات الصومالية إلى الخارج، وزاد عدد الصادرات في عام 1974 حتى بلغ 150 بالمائة من مجموع القروض والمعونات، وهذا يؤكد أن مؤشرات السياسة الاستثمارية الصومالية تسير في طريقها الصحيح رغما أنها كانت تعاني الحرب بينها وبين إثيوبيا وكينيا بسبب قضية أوجادين، وتوجه هذه الحرب بمفردها بعد انضمام الإتحاد السوفيتي إلى إثيوبيا في هذا الصراع.
من الصعود إلى الهبوط.. وموقف الجزائر تجاه الصومال أثناء الأزمة
لم يمنع هذا النجاح الذي حققته الحكومة الصومالية في جانب التنمية من انهيارها وتعرض شعبها للمجاعة، وربما هذا راجع إلى الصراعات التي شهدتها على كل المستويات وفي كل الاتجاهات (الصراع بين الطرق الصوفية، والصراع السياسي بين الحزب الحاكم والحزب المعارض، كذلك الثورات الشعبية وانقلاب الجماهير على الحكم القائم والدعوة إلى تغيير النظام)، ورغم العداء التي تكنه الحكومة الصومالية للجزائر في دعمها لحركات التحرر الإفريقية وفي مقدمتهم قضية الصحراء الغربية، التي أعلنت الحكومة الصومالية رفضها في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإفريقية في أديس أبابا في فيفري 1982، ومقاطعتها جلسات المؤتمر احتجاجا على قبول عضوية الجمهورية العربية الصحراوية داخل منظمة الوحدة الإفريقية، وموقف الجزائر في تأييدها للقضية، إلا أن موقف الجزائر ما يزال قائما تجاه الحكومة الصومالية في الوقوف إلى جانبها في أزمتها الحالية من خلال إرسال معونات للتخفيف عن الذين يكابدون الجوع هناك، وللإشارة فإن المساعدات بلغت 350' مليون دولار حسب ما كشفته منظمة التعاون الإسلامي في اجتماع طارئ لأعضائها لإنقاذ أزيد من 03 مليون شخص مهدد بالموت جوعا كمرحلة أولى في انتظار الوصول إلى جمع 500 مليون دولار. المصادر - صراع القوى العظمى حوّل القرن الإفريقي للدكتور: صلاح الدين حافظ عن عالم المعرفة عدد 49 - القرن الإفريقي.. المتغيرات الداخلية والصراعات الدولية دراسة مشتركة بين الدكتور إبراهيم أحمد نصر الدين والدكتورة إجلال محمد رأفت من جامعة القاهرة - الإخوان دراسة إثنولوجية حول الجماعات الدينية: تأليف إدوارد دونوغوترجمة وتحقيق كمال فيلالي جامعة قسنطينة