يعتبر حي مكاوي الواقع غرب مدينة العلمة بسطيف من المناطق السكنية الكثيفة، والذي أنشئ من قبل سكان قدموا من مناطق مختلفة بعد شرائهم قطع أرضية من الخواص بعقود عرفية، وبناء سكنات حديثة بطريقة فوضوية تأوي عائلاتهم منذ سنة 1982 ليتنامى عددها بداية التسعينيات متجاوزا 250 مسكن، يعتبر صورة حقيقية شاهدة على مأساة عمّرت طويلا. ورغم ربط الحي بشبكة الصرف الصحي للقضاء على مجاري وسواقي المياه القذرة وسط السكنات وكذلك ربط الجهة الجنوبية للحي بشبكة الكهرباء الصيف الماضي بعد معاناة مع القناديل والمولدات الكهربائية وجلب الكهرباء من البيوت المجاورة مشكلة شبكة عنكبوت أحيانا تشكل خطرا على مستعمليها..إلا أن شوارع الحي الضيقة والمتداخلة أحيانا. لا تزال أرضيتها أتربة تتحول بعد سقوط الأمطار إلى برك مائية وأكوام من الأوحال تعيق حركة تنقل السكان خاصة الأطفال. وما زاد الوضع تأزما أشغال عملية الصرف الصحي وعدم وجود بالوعات مائية، فيما تستمر معاناة السكان مع ماء الشرب، حيث يلجأ السكان إلى الآبار المنزلية والتي يصعب على الزائر أن يتذوق ماءها لتغير طعمه، لكن السكان تعودوا عليه، أما البعض الآخر فيلجأ إلى جلب هذه المادة عبر صهاريج وشراء الصهريج الواحد ب 800 دج. المعاناة لم تقتصر على الكبار بل امتدت لتشمل تلاميذ المدارس بمختلف أطوارها، حيث يزاول تلاميذ الطور الابتدائي دراستهم بمدرسة دايخ حمو بحي بورفرف فيما يزاول تلاميذ الطور المتوسط دراستهم بمتوسطة بربوح بحي بورفرف بمركز المدينة ويقطعون يوميا مسافة 3 كلم مشيا على الأقدام، وبمعدل أربع مرات في اليوم، ليقطع بذلك تلميذ بالسنة أولى ابتدائي مسافة 12 كلم يوميا، وعبر مسلك ترابي يزيد من معاناتهم في فصل الشتاء بعد سقوط الأمطار حيث يتحول إلى سلسلة لامتناهية من الأوحال. وهذا لانعدام الإطعام المدرسي، وسائل النقل وعدم توفير النقل المدرسي الذي تخصص له الدولة أموالا باهظة وفي بلدية تحسد على مداخليها، مما يجعل حياة التلاميذ أكثر عرضة لخطر الطرقات أثناء عبور طريق الوزن الثقيل للطريق الوطني رقم 5 الذي يعجّ بحركة كثيفة من المركبات وبمعدل أربع مرات في اليوم، حيث أكد لنا الأولياء والتلاميذ أنهم يضطرون في العديد من المرات للتريث أكثر من 10 دقائق خاصة أيام الأسواق الأسبوعية لمدينة العلمة وتاجنانت. ورغم وجود ممهلات وإشارات مرور بمختلف أنواعها لم يمنع من خطر الحوادث، وحسب إحصائيات السكان الذين تحدثوا للجريدة وقلوبهم تتحسر على من فقدوهم أن مجموع الحوادث التي تعرض لها السكان والتلاميذ 32 حادث مرور منذ إنجاز هذا الطريق سنة 1992، آخرها حادث سجل الأسبوع الماضي عندما صدمت سيارة فتاة تبلغ من العمر 25 سنة عندما كانت تحاول عبور الطريق لا تزال ترقد بغرفة العناية المركزة بمستشفى العلمة. وخلفت هذه الحوادث 7 وفيات و3 تلاميذ لا يزالون يعانون إعاقات حركية وعشرات الجرحى هذا إلى جانب العديد من الصدمات النفسية التي تعرض لها التلاميذ عند مشاهدة المركبات تصدم أصدقاءهم، حيث لا تزال العديد من قضايا حوادث المرور في أروقة العدالة على حد تأكيدهم. التلاميذ الذين تحدثنا معهم وهم عائدون من الدراسة راحوا يسردون قصصهم مع حوادث المرور. فالتلميذ "غ.شاكر" 11 سنة يقول "منذ ثلاث سنوات عندما كنت تلميذا بالسنة الثانية ابتدائي كنت أحاول عبور الطريق ورغم أني انتبهت يمينا ويسارا وما إن توسطت الطريق حتى فاجأتني سيارة وصدمتني فمكثت 15 يوما بالمستشفى وكانت إصابتي خطيرة حيث أعاني حاليا من إعاقة حركية في رجلي اليمنى". أما التلميذ "م.منير" 11 سنة فيقول "كنت أحاول العبور وأنا تلميذ بالسنة الرابعة ابتدائي وإذ بسيارة من نوع كونغو ظهرت فجأة وصدمتني، حيث مكثت بالعناية المركزة بالمستشفى لأني تعرضت إلى إصابة على مستوى الرأس ما زلت أعاني من آثارها إلى يومنا الحالي بسبب علامة أثرت على جمالي كما أحس أحيانا بآلام في رأسي ودواران يلزمني الفراش". أما التلميذة "ش.سلمى" سنة رابعة ابتدائي فراحت تقص علينا مشاهد من حادث مرور لم نر مثله إلا في أفلام الرعب، "كنت أن وأصدقائي في رمضان لسنة 2008 عائدين من المدرسة وعندما وصلنا إلى الطريق وجدنا عمي رابح البالغ من العمر 50 سنة ينتظرنا وهو أحد أعيان الحي ليؤمّن لنا الطريق لنعبره بسلام وإذ بشاحنة تجر مقطورة صدمته أمامنا وكانت دماؤه غيّرت لون الطريق فتركنا محافظنا وأخذنا نجري نحو منازلنا وقد دوى صراخنا الذي اختلط مع آذان العصر الحي. بعدها لازمت المنزل ولم أخرج منه أبدا وتوقفت عن الدراسة وأصبحت صورة ذلك الحادث لا تفارق مخيلتي كما تفزعني وأنا في المنام، لكن أمي أصرت على إعادتي إلى المدرسة بقوة فأصبحت ترافقني ذهابا وإيابا إلى المدرسة حتى تعودت على ذلك من جديد". أما تلميذة أخرى أبت الكشف عن هويتها قالت "قولوا لوزير التضامن يعطينا حافلة صفراء" .. ويناشد التلاميذ وزير التضامن منحهم حافلة للنقل المدرسي عاجلا وتوفير الإطعام المدرسي التي اعتبرها التلاميذ من حقوقهم في الحياة لوضع حد لمعاناتهم. غادرنا التلاميذ والفرحة تشع من عيونهم وأصواتهم دوت الطريق بأناشيد وأدعية وصرخات مختلفة لرفع الجريدة لانشغالاتهم لعلهم يجدون آذانا صاغية لتحقيق آمالهم. وأمام هذا الوضع المزري يطالب سكان الحي من الجهات المسؤولة التي طالما راسلوها بتوفير النقل المدرسي لأبنائهم للمحافظة على حياتهم والتقليل من معاناة التنقل في انتظار إنجاز مدرسة ابتدائية نظرا للعدد الهائل للتلاميذ الذي يفوق 300 تلميذ على حد تأكيدهم ووقف بعض حالات التسرب المدرسي وبناء جسر عبور للمحافظة على أرواح السكان والأطفال، وكذلك تهيئة شوارع الحي وتعبيدها للتخلص من الأوحال والبرك، وتزويد الحي بالمياه الصالحة للشرب وتهيئة المسلك الرابط بين الحي ومركز المدينة مع توفير خط للنقل الحضري. فيما يأمل شباب الحي بملعب جواري ينسيهم شبح الحوادث.