لقد كانت قضية الصحراء الغربية جوهر الاختلافات الإيديولوجية والسياسية، وحتى الإستراتيجية، بين بلدان المنطقة (الجزائر والمغرب) وعرقل تحقيق حلم "المغرب الكبير". ورغم مرور الوقت، ما زالت المغرب تتهم الجزائر وتشن حملات إعلامية ضدها بإنشاء دويلة تابعة لها في الساقية الحمراء ووادي الذهب، وتأمين منفذ لها على المحيط الأطلسي لتصدير حديد تندوف. ويبدو أن غياب "الصُلَحَاء" المحايدين والمسلمين بحسب النظرية الانقسامية الذين يقفون فوق كل النزاعات، ويقومون بدور الوساطة في توحيد الشعوب المغاربية غائب أو مغيب، لأن سياسة "التقسيم" كانت وما تزال مطمعا استعماريا لاستغلال ثروات المغرب العربي الطبيعية (الحديد، النحاس، الفوسفات، الأورانيوم، الغاز الطبيعي والبترول..)، حيث كان حجر عثرة في إقناع المغرب بالاعتراف بحق الشعب الصحراوي في بناء دولته وتقرير مصيره، ومن ثم بناء مشروع وحدة المغرب العربي، لاسيما والشعب الصحراوي أطفأ منذ الأحد 26 فيفري 2012 الشمعة ال 36 لميلاد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، أحياها إعلان قيام الجمهورية العربية الصحراوية، وتزامنت هذه الذكرى مع تنظيم الجولة التاسعة للمفاوضات بين الطرفين. ومما لا شك فيه، فإن رفض المغرب الإعتراف بالصحراء الغربية ناتج عن تأثره بادعاءات الاستعمار الإسباني الذي كان يقول إن الشعب الصحراوي ليس له كيان وأن الصحراء الغربية أرض بدون سيد، ذلك من أجل الاستيلاء على خيراتها الطبيعية.. وأصدر في ذلك مرسوما في 10 جانفي 1958، وأعلنت فيه أن الصحراء مقاطعة إسبانية. ولأن الاستعمار الإسباني كان ضعيفا تقنيا، فقد قام باتفاقيات مع أمريكا وفرنسا للتنقيب عن البترول والفوسفات، وغيره من الثروات، وبدأت بتهجير أبناء الصحراء الغربية إلى إسبانيا وجعلهم مرتزقة. وتحت ضغوط لوائح الأممالمتحدة، وافق المستعمر على تقرير المصير للشعب الصحراوي وادعى أن هذا التقرير يتطلب وقتا لتحضيره. وقد لقيت القضية الصحراوية دعما قويا من طرف الحكومة الجزائرية أيام الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي كان له لقاءات مع الملك الحسن الثاني، ومنها لقاء "إيفران" في سنة 1969 والذي بمقتضاه تعترف الجزائر والمغرب بحق تقرير المصير للشعب الصحراوي كحل وحيد وسليم. ومنذ طرح هذه القضية أمام المجتمع الدولي، اتخذت الجزائر موقفا واحدا وطبيعيا؛ وهو تصفية الاستعمار.. وأكدت تضامنها مع جميع الشعوب المطالبة بحقها في تقرير المصير والاستقلال الدائم، وكانت تتحرك دائما على مستوى المغرب العربي أو الإفريقي أو الدولي. وقد أكد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وزير الشؤون الخارجية آنذاك، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الجزائر ليس لها مطالب في ذلك القطر، ولكنها متمسكة بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وتصفية الاستعمار، وهو ما لم يعجب المغرب، وهو الذي كان يطالب بالساقية الحمراء ووادي الذهب كجزء من أراضيه المغربية. بل تعدى إلى أكثر من ذلك، طالب بضم موريتانيا كلها إلى أراضيه وجزء كبير من الأراضي الجزائرية، وهذا ما يطلق عليه ب "المغرب الكبير"، وظلت المغرب متمسكة بأطماعها الترابية في الصحراء الغربية وإلحاق هذا الإقليم بالمغرب. ولم يكتف بذلك، بل أعلن عن تنفيذ عملية "المسيرة الخضراء" لغزو الصحراء الغربية في 05 نوفمبر 1975، وهو ما لم يرض الجزائر التي وقفت في وجه المغرب من أجل السلام واحترام مبادئ الأممالمتحدة. رسائل أحمد بن بلة والحسن الثاني في مخبر التاريخ إن نظرة جديدة على تجارب الماضي وظروف الحاضر، من شأنها أن تدفع السير إلى المستقبل في توازن صحيح يراعي الشكل والمحتوى، ويضمن المبدأ والواقع، وبذلك تتفتح آفاق المغرب العربي على حياة حرية كفيلة بمطامح شعوب المغرب العربي، فسير الأقطار العربية نحو الوحدة والتقدم سيلتقي بطبيعة الحال مع حركة الوحدة القومية المندفعة التي تطبع اليوم العالم العربي الذي يشكل منه المغرب العربي جزءًا لا يتجزأ، كما يشكل جزءا لا يتجزأ من القارة الإفريقية، ولهذا يتعين عليه السير في الوحدة مع بقية أجزاء الوطن العربي. المطلع على مذكرات الملك المغربي الحسن الثاني تحت عنوان: "انبعاث أمة" يقف على مساعي الرئيس الأسبق أحمد بن بلة عندما كان على راس الجمهورية الجزائرية عشية الاستقلال في توحيد دول المغرب العربي وبناء صرح الإتحاد المغاربي، وتكريس العلاقة بين الأشقاء في أقطار المغرب العربي وتحقيق الآمال التي كانت تصبو إليها الشعوب المغاربية، فقد كان بن بلة في رسائله يشيد بتجربة الثورة الجزائرية التي خاضها الشعب الجزائري والتي برهنت على عمق الصداقة والأخوة التي تربط بين الجارتين تونس والمغرب. ورغم المشاكل التي برزت بعد الاستقلال، فقد كان الشغل الشاغل بالنسبة للحكومة الجزائرية العمل على إزالة جميع العقبات والحواجز الموروثة عن الاستعمار، والاحتفاظ بالعلاقات الطيبة مع كافة الشعوب المحبة للسلام، وخاصة منها الشعوب العربية الشقيقة. وكان أحمد بن بلة يرى أنه من التجني على الواقع ان تتحول المشاكل الطارئة إلى خلافات لأن حلها متوفر إذا ما نوقشت على أساس الصراحة والواقعية والتفاهم، حيث كان يقول: "إن الصراحة يجب أن تكون حجر الزاوية لبناء وحدة المغرب العربي وفي سبيل تحقيق هذه الفكرة يجب أن نتذرع بالصبر ونتطلع بتفاؤل إلى المستقبل، كما كان يرى أحمد بن بلة أن "الوحدة" المتينة التي تجعل من بلدان المغرب العربي شعبا واحدا هي شيء فوق الحدود وفوق اختلاف الأوضاع والتجارب وإن بناء المغرب العربي في إطاره الطبيعي إطار القومية العربية هورسالة أجيال في الكفاح، وهو مجهود مشترك يقتضي وعيا وشعورا بالحقائق الموضوعية، كما هو عمل متواصل ومسؤولية في مستوى الإمكانيات والوسائل، وبحكم أن المغرب العربي الذي يشكل جزءًا لا يتجزأ من القارة الإفريقية يتعين عليه وهويسير في الوحدة مع بقية أجزاء الوطن العربي أن يكون عامل اتزان داخل هذه المجموعة الواسعة "الوطن العربي" التي تربط بين أعضائها ظروفا واحدة. وكان أحمد بن بلة يؤكد في رسائله التي كان يرسلها إلى الملك الحسن الثاني وخطاباته، أن الاتفاقيات التي حصل عليها الشعبان خطوة للسير بصفة جدية تحقيق المغرب العربي، وتكون نقطة انطلاق لمحادثات كبرى جدية لبناء المغرب العربي، كانت فعلا رغبة من الشعب المغربي والجزائري ورغبة الشعب التونسي أيضا بناء دار واحدة اسمها المغرب العربي والتي هي مقدمة لبناء اكبر هو "وحدة العروبة الشاملة"، لأن بناء المغرب العربي يعتبر خطوة أولى للوحدة الشاملة وحدة العرب كلهم لتحقيق الأهداف السامة للعرب. وبالمقابل، نقف على مواقف الحسن الثاني في رسائله إلى أحمد بن بلة وخطاباته كذلك، بأنه "جدير بالمغاربة أن يكونوا أكثر ابتهاجا، لأن في تحرير الجزائر تحقيق هدف من أهدافنا المشتركة، وهو تشييد وحدة المغرب العربي وأننا آخذون بأسباب تحقيق هذه الوحدة، وقال الحسن الثاني في زيارة قادته إلى الجزائر: "إن هذين الشعبين الشقيقين هما في الحقيقة نتيجة لماض مشترك وسوف يكونون إن شاء الله عاملا من عوامل المستقبل المشترك بحكم الجوار الجغرافي وروابط الدم واللحم واللغة والسيادة التي تجمع بين الشعبين، وهو يذكر حلم والده في تحقيق وحدة المغرب العربي. وبحثه عن سبيل يختط به طريق الديمقراطية، كان كلام الحسن الثاني ردا على دولاري رئيس جمعية الصحافة الدبلوماسية الفرنسية في الفتح من جويلية 1963، وهو يشير إلى ان المتطلبات التاريخية واللغوية وحدها ستؤدي إلى تحقيق وحدة المغرب العربي وسيضطر القادة إلى التعبير عن إرادة الشعوب التي ترغب في وضع الأسس الأولى للمغرب العربي. نص الاتفاقية الجزائرية المغربية بشأن الحدود لعل ما أزم الوضع بين البلدين الشقيقين الجزائر والمغرب، أحداث حاسي بيضاء وحاسي تبنجوب وتبادل النار بين المركزين والهجوم كذلك على مركز إيش، في الوقت الذي كان فيه الوفدان الجزائري والمغربي يعملان لإيجاد حل لمشكلة الحدود، وسط هذه الأحداث حذر الملك الحسن الثاني بن بلة من العواقب الوخيمة التي سوف تترتب عن هذه التصرفات، وأن يتجنب الجزائريون كمل انفعالات ليس من أجل التعايش السلمي فقط بل من أجل التعاون الأخوي لبناء المستقبل المشترك. ولعل مرحلة من مراحل الحدود جاءت بعد وفاة الملك محمد الخامس واعتلاء الحسن الثاني العرش، وقد وجد هذا الأخير نفسه في وضع حرج كون الجزائر كانت في مفاوضات مع الحكومة الفرنسية للتوصل إلى اتفاقيات إيفيان والمغرب في البحث عن حل للقواعد الأمريكية الفرنسية التي كانت تقوم فوق أراضيه، واحتراما لروح مؤتمر "طنجة" المنعقد في أفريل 1958 فإن الحكومتين قررتا تشييد وحدة المغرب العربي، وتم خلالها إنشاء لجنة مغربية جزائرية لدراسة مشكلة الحدود وكان ذلك في إطار اتفاقية أبرمت بين الحسن الثاني وفرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة وتعهد أحمد بن بلة باحترام سائر الاتفاقيات التي وقعتها حكومة الجزائر المؤقتة عندما أصبح رئيسا، ولكنه ما لبث أن تراجع عن وعوده بحجة أنه لا يعلم شيئا عن هذه الاتفاقية. وكان لقاء جمع بين الحسن الثاني وبن بلة بناء على دعوة محمد خميستي وزير الخارجية نيابة عن بن بلة لبحث قضية الحدود، وبالأخص قضية تندوف، ووعده أحمد بن بلة أن يسلم له تندوف، لكن عليه أن يمهله إلى حين يتسنى له إقامة المؤسسات الجزائرية ويتولى زمام الأمور في البلاد ويأخذ في قبضته المعارضة والحزب، جاء هذا التصريح أو الإعتراف من الحسن الثاني في الصفحة 290 من مذكراته الشخصية، وإن كان هذا الأخير لم يعد له وجود في الحياة، فعلى الرئيس الأسبق أحمد بن بلة أن يؤكد هذه التصريحات أمام التاريخ أو ينفيها وموقفه من المذبحة. جمال عبد الناصر يقف إلى جانب الجزائر في قضية الحدود شهادة أدلى به الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قبل وفاته في رده على سؤال أحد الضباط المصريين الذين أسروا في الأراضي المغربية، حيث قال: "إن الجزائر لا تعمل على صعيد وطني بل على صعيد آخر، هذا في حين أن المغاربة يعملون وحدهم وكمغاربة فحسب، وهذا هو الفارق بين الموقفين". كان جمال عبد الناصر متأثرا للوضع القائم بين الجزائر والمغرب، وهذا موقف ينبع من قاد عربي يطفح بتقدير مسؤوليات الظروف الدقيقة التي يجتازها العالم العربي والتي تستدعي المزيد من التضامن والتساند لترقية أواصر التعاون بين الأقطار العربية، حيث حسّس جمال عبد النصر في خطاب له إلى الملك الحسن الثاني بتاريخ 20 أكتوبر 1963، موضحا له بأن الموقف على الحدود بين الجزائر والمغرب يتدهور بسرعة، وأكد له حرصه الكبير على العلاقات بين العرب بحكم العلاقة التي كانت تربطه بوالده محمد الخامس، وهذا تقديرا للنضال الوطني آملا منه أن لا تستمر المأساة التي شهدتها حدود الجزائر والمغرب وختم خطابه بالقول: "تكفي الأمة العربية آلامها مما جرى هناك حتى الآن وما تعانيه غيره من جراح النضال المستمر الصابر، وذكره بأنه لا يريد أن يتصور أحد أن حكومة المغرب استغلت ظروفا داخلية معقدة في الجزائر بفعل طليعة المرحلة الثورية، ثم وجهت إلى حدود الجزائر ضربة، كما نصحه بأن يسمع صوت الواجب المنبعث من ضمير الأمة العربية، واقترح عليه الإلقاء بالرئيس أحمد بن بلة وأن يرفع الاجتماع إلى مستوى أعلى يحضره رؤساء الدول، وكتب جمال عبد الناصر خطابا إلى الرئيس التونسي لحبيب بورڤيبة لكي تكون تونس مقرا لهذا الاجتماع. ومن جهته كذلك، كان الرئيس لحبيب بورڤيبة راسل الملك الحسن الثاني قال فيها: "حاولنا عديد المرات بدون جدوى، أن تسوى المشاكل بالحسنى فنتابع السير متضامنين متكاتفين لخير شعبنا ومصلحة شعوب المغرب العربي الكبير ولا يتأتى أن نقيم صرحه ما لم تكن الثقة والاحترام المتبادل بيننا، وهي عوامل لابد من توفرها لتتوفر أساسيات النجاح فيما نحن مقدمون عليه من أعمال جبارة"، وهاهو خليفته المرزوقي يعيد فتح الملف من جديد ويأمل في بناء الإتحاد المغرب العربي، ويحقق بذلك حلم الشيخ الفضيل الورتلاني الطي كان همه الوحيد هو بناء وحدة المغرب العربي. الرئيس هواري بومدين: مغرب الشعوب سيقام لطالما أكد الرئيس هواري بومدين أن الصحراء الغربية ليست أرضا مغربية ولا أرضا موريتانية، وأكد أن الجزائر ليست لديها أية نية عدوانية ضد المغرب، لأنه ليس هناك سبب للعدوان، ومهما كانت المشاكل الأنية فقد كان حلم الرئيس هواري بومدين أن يقام مغرب الشعوب، وأن الذين يعتبرون اليوم أعداء الجزائر قد يصبحون غدا أصدقاء، وكان بومدين يرى أن المجتمع بصدد البناء هومحصلة ثورة شعبية تحققها إرادة الرجال، وكان يقول: "إن شعوب المغرب العربي هي شعب واحد بتاريخه ودينه ولغته وحضارته ومطامحه، وستلتقي هذه الشعوب بلا شك لبناء المستقبل المزدهر". وطالما تساءل الرئيس هواري بومدين لصالح من هذا الصراع؟ ويرد بالقول: إن حربا إبادية تشم اليوم على شعب الساقية الحمراء، وتساءل عن السكوت المطبق في المناطق العربية وهي ترى أن الذين يذبحون في هذه المنطقة هم عرب مسلمون يشهدون لا إله إلا الله... وكانت مواقف الرئيس هواري بومدين واضحة ومشرفة، بأن بلد المليون ونصف مليون شهيد لا يمكنه أن يسكت عن الحق أويشارك بالصمت في هذه الجريمة النكراء، ويضيف قائلا: "وإذا كان هناك اليوم نوع من لحلف المقدس ضد الصحراويين، فسيدرك الشعب المغربي في يوم من الأيام أن حليفه الحقيقي والموضوعي والتاريخي هو الشعب الجزائر وبقية شعوب المنطقة، كما كان يعتقد أن تشديد الحصار على الصحراء الغربية الهدف منه ضرب الثورة الجزائرية. الدكتور مومن العمري باحث في التاريخ: بناء الإتحاد المغاربي مرهون بحل النزاع في الصحراء الغربية شكلت قضية الصحراء الغربية، القضية الأساسية والمحورية التي تحكمت في مجمل القضايا، خاصة تلك التوترات الحادة والخطيرة التي شهدتها منطقة المغرب العربي والتي كانت وثيقة الارتباط بقضية الصحراء الغربية، فما هي طبيعة هذه القضية؟ وكيف تطورت؟ هده التساؤلات وغيرها، كانت موضوع مناقشة ملف تأهيل جامعي من طرف الدكتور مومن العمري بجامعة منتوري قسنطينة تطرق فيها إلى جذور القضية الصحراوية والنزاع القائم حولها، بمعنى مطامع المغرب الأقصى في إقليم الصحراء الغربية وانعكاساتها على دول المغرب العربي. لقد تكالبت الدول الأوربية الاستعمارية على القارة الإفريقية خاصة مع نهاية القرن 19، انتهى الأمر بعقد مؤتمر برلين (1884 1885) الذي تم فيه تقسيم مناطق النفوذ في القارة وكأنها ممتلكات أو غنائم وليست دولا وشعوبا. وفي هذا يرى الدكتور مومن العمري، باحث في التاريخ بجامعة منتوري قسنطينة، أن النزاع في الصحراء الغربية ليس وليد اليوم، بل هو مدرج في اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار على مستوى الأممالمتحدة منذ 1963.. وتعد قضية الصحراء الغربية، آخر قضية لتصفية الاستعمار في القارة السمراء وأقدمها في الوقت ذاته، وكل لوائح وقرارات الأممالمتحدة أكدت على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، إلى جانب لوائح الاتحاد الإفريقي، الذي تعد الجمهورية العربية الصحراوية أحد مؤسسيه. ويوضح الدكتور مومن العمري المراحل الثلاث التي مر بها إقليم الصحراء الغربية منذ مجيء البرتغاليين في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، ورؤيتهم لإقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب كموقع استراتيجي هام لسوق الذهب والعبيد، وكذلك للتصدي لانتشار الإسلام بالمنطقة وما حولها. ولهذا الغرض، رست سفنهم لأول مرة عند رأس بوجادور، وكانت البرتغال في نهاية هذا القرن قد شاركت إسبانيا في إنشاء بعض المراكز التجارية على السواحل الصحراوية، وقد تمكنت اسبانيا من سلخ العديد من المناطق (مليلية، سبتة، طرفاية، أفني والساقية الحمراء ووادي الذهب)، وهكذا أعلنت حمايتها على إقليم الصحراء الغربية عام 1884 بمقتضى الأمر الملكي الصادر بتاريخ 26 ديسمبر 1884 وتأسيس ما عرف ب "لجنة ريجيا للصحراء"، ثم قامت بإنشاء مراكز لها في مدينة الدخلة التي أطلقت عليها "فيلا سيزينروس" واتخذتها عاصمة للإقليم، وكانت نتيجة هذه الشراكة دخول البرتغال واسبانيا في خلافات مع فرنسا، انتهى بعقد سلسلة من الاتفاقيات لرسم الحدود بين مستعمراتها، وبموجبها رسمت الحدود الشرقية والجنوبيةلإقليم الساقية الحمراء وادي الذهب بصورة نهائية، أصبح فيها إقليم الصحراء الغربية من مناطق نفوذ إسبانيا بلا منازع. ولتهدئة مقاومة القبائل الصحراوية عندها، قامت إسبانيا بعقد سلسلة أخرى من الاتفاقيات والمعاهدات مع رؤساء هذه القبائل مكنتها من فرض قوانينها على سكان المنطقة وهذا منذ عام 1961 الذي عرف توسع كبير لظاهرة الهجرة نحوالأقاليم المجاورة إلى ما وراء البحار، وزاد الوضع تأزما عندما شكلت الحكومة الإسبانية مجلسا عموميا هو مجلس "الجماعة" يتألف من 32 عضوا وتعيين مدينة "العيون" عاصمة الإقليم. وفي 14 نوفمبر 1975، قامت اسبانيا بإجراء مفاجئ تمثل في توقيع "اتفاقية مدريد الثلاثية بين اسبانيا والمغرب وموريتانيا"، والتي تم بموجبها تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا. هذا، ونشير إلى أن الاحتلال الاسباني لإقليم الصحراء الغربية واجهته مقاومة شعبية عبر مراحل تاريخية مختلفة، كانت أشهر مقاومة تلك التي قادها الشيخ "ماء العينين وابنيه" مع بداية القرن 20، وهو ما أدى إلى رد فعل عنيف من قبل الأسبان وحتى الفرنسيين الذي تمثل في عمليتين مشهورتين هما عملية "إيكوفيون" وعملية "أوراقان"، كما عرفت هذه المرحلة بداية ظهور النشاط والوعي السياسي بتشكيل بعض التنظيمات البسيطة التي تطورت إلى تكوين ما يعرف ب "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" (جبهة البوليساريو) عام 1973 والتي أعلنت الحرب على الاحتلال الإسباني في يوم 20 ماي 1973. مطامع المغرب الأقصى في إقليم الصحراء الغربية تعود فكرة مطالبة المغرب بإقليم الصحراء الغربية بالتحديد إلى شهر نوفمبر من عام 1955 عندما أعد حزب الاستقلال المغربي ما عرف ب "الكتاب الأبيض" الذي تبنته ونشرته الحكومة المغربية سنة 1960 والذي أكد على إدعاءات الحقوق التاريخية في بلاد "شنقيط" (موريتانيا). وحسب هذا الكتاب، فإن مطالب المغرب تشمل جزءا من تراب الجزائر "بشار وتندوف" وجزء من مالي والسينغال والكيان الموريتاني كله وإقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب، بالإضافة إلى المطالبة باسترجاع المناطق التي تحتلها إسبانيا والمتمثلة في "مليلية وسبتنة وطرفاية وأفني"، وهو ما يسميه المغرب ب "المغرب الكبير". يذكر صاحب البحث تصريحات رئيس حزب الاستقلال علال الفاسي، حيث قال: "ما دام النظام الدولي قائما في منطقة "طنجة" والصحاري الإسبانية في الجنوب من تندوف إلى عطار والأقاصي الجزائريةالمغربية، لم تنح عنها الوصاية، فاستقلالنا يبقى أبترا وواجبنا الأول هو متابعة العمل من أجل تحرير البلاد وتوحيدها، كما قام الحزب بحملة إعلامية تهدف إلى نشر الإدعاءات المغربية في إقليم الصحراء الغربية وكذلك المناطق الحدودية الجزائرية، بأن حدود المغرب يجب أن تمتد لغاية ما وراء نهر السينغال، ولاقت هذه الحملات الإعلامية نجاحا بفضل الدعم الكبير الذي قدمه النظام الملكي المغربي، وقد عبّر عن هذا التوجيه الملك المغربي محمد الخامس في خطاب له بتاريخ 25 فيفري 1958، أكد فيه عن رغبته في العمل بهدف استرجاع الصحراء الغربية إلى المغرب، مستعملا في ذلك القوى العسكرية التي قامت باختراق إقليم الصحراء الغربية. انعكاسات النزاع على إتحاد المغرب العربي انعكس هذا النزاع سلبا على المنطقة المغاربية وخاصة على العلاقات الجزائرية المغاربية، بسبب إدعاءات النظام المغربي واتهاماته المتكررة للجزائر بأنها وراء النزاع في إقليم الصحراء الغربية، مما دفع بالأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد "بطرس غالي" إلى القول إن حل النزاع الصحراوي مرهون بإرادة الجزائر والمغرب "بعدما عبر عن فشله في إقناع الجارتين الجزائر والمغرب في الجلوس وجها لوجه لإيجاد حل لمشكلة الصحراء الغربية، خلال تواجده على رأس الأمانة العامة للمنظمة الأممية ولعبه دور الوسيط بين الجزائر والمغرب. لقد أكدت القرارات الصادرة عن الأممالمتحدة أن القضية الصحراوية هي قضية تصفية استعمار، مما يدل على أن الأممالمتحدة لا تعترف لا بالتقسيم ولا بدمج الإقليم الناتج عن المعاهدة المغربية الموريتانية لسنة 1976، وتشير العديد من الوثائق والشهادات بأن المغرب يتحمّل مسؤولية تعطيل مسار المفاوضات وبالتالي مسألة الاستفتاء التي كان هومن طالب بها، موضحا أن هذا الهروب يؤثر على مشروع بناء إتحاد المغرب العربي، وهو السؤال الذي ينبغي أن يطرح وهو لماذا يطرح المغرب مسألة الحكم الذاتي إذا كانت الصحراء الغربية مغربية فعلا؟ ولماذا وافق على اقتسام الصحراء الغربية مع موريتانيا إذا كانت فعلا أرضا مغربية؟ ويجيب الدكتور مومن العمري أن هذه التساؤلات الموضوعية تؤكد أن إدعاءات النظام المغربي في مغربية الصحراء الغربية لا أساس لها من الصحة وأنها مفتعلة حتى يجد النظام المغربي حجة أخرى لتهربه من مشروع بناء مغرب عربي موحد، وكان دائما يفتعل الخلافات والمشاكل لوضع العراقيل أمام قاطرة المشروع. والدليل على ذلك الوثيقة التي أصدرتها اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال على شكل بيان بتاريخ 2 مارس 1958، حللت فيه الوضع في مجموع الشمال الإفريقي، على اثر حوادث جنوب المغرب وساقية سيدي يوسف، وتعبر فيه عن رفضها خلق منطقة تدعى الآن (منطقة الموت) في التراب الجزائري وعلى طول الحدود التونسية، يطرد منها السكان الجزائريون، وكانت تونس من الدول المؤيدة للجنة التنفيذية فيما تبذله من مساعي في المجال الدولي لإيقاف تنفيذ هذا التدبير الجائر المنافي للإنسانية. وفي هذا يطرح الباحث بعض الحلول، وهو اقتراح ضرورة تجاوز النزاع في الصحراء الغربية والعمل على بناء مشروع الاتحاد المغاربي، وإيجاد كذلك حل مناسب للقضية الصحراوية. وهذا الطرح يتطلب توفر إرادة سياسية من جميع الأطراف لنجاحه، باستعمال جميع وسائل الضغط القانونية والإنسانية من قبل المنظمة الأممية والرأي العام العالمي على النظام المغربي، لإرغامه على الاعتراف بحق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال بعيدا عن أي سيطرة مغربية، مع تقديم تنازلات من قبل جميع أطراف النزاع حتى يتم التوصل إلى حلول ترضي هذه الأطراف، وهذه الشروط حسبه من شأنها الوصول بالقضية الصحراوية إلى شاطئ الأمان وتخلص المنطقة من أكبر عائق يقف حجر عشرة في طريق إقلاع عملية التكامل الاقتصادي المغاربي ومن ثمة بناء اتحاد المغرب العربي. بوجمعة غشير.. المطالبة ببناء اتحاد المغرب العربي وراءه أطماع اقتصادية قال رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، المحامي بوجمعة غشير، إن قضية الشعب الصحراوي في تقرير مصيره هو مبدأ متفق عليه دوليا وتضمنه ميثاق الأممالمتحدة، وبالتالي فإن الصحراويين من حقهم التمسك بهذا الحق والمطالبة بتقرير مصيرهم، وما يجري حاليا داخل الأراضي المحتلة أضاف رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بتسم بانتهاكات ضد الشعب الصحراوي، وخاصة منهم من يتمسك باستقلال الصحراء الغربية عن المملكة المغربية. وأوضح المتحدث أن المجتمع الدولي سجل في قضية الصحراء الغربية تقاعسا كبيرا، مما أدى إلى إطالة الأزمة. كما أن السلطات المغربية لا تكتفي بقمع الصحراويين، لكنها قامت ببناء جدار يشبه الجدار الذي أقامته إسرائيل على ضفاف قناة السويس في مصر، مما أدى إلى العزلة التامة للصحراويين المتواجدين في المناطق المحتلة. وبخصوص بناء اتحاد مغاربي وفتح الحدود بين الجزائر والمغرب، يرى بوجمعة غشير أنه في الظرف الراهن تطلبته ظروف اقتصادية تتعلق ببعض الدول المغاربية لمجالات تفتح العزلة عنها اقتصاديا، ومحاولة إيجاد فرص عمل لمواطنيها. وبصرف النظر عن النوايا الظاهرة والتي في مظهرها تتسم بالنبل قال رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان فإن المساعي الحالية كلها مرتبطة بظروف تعيشها بعض الدول المغاربية، وليس رغبة في بناء مغرب عربي حسب متطلبات الشعوب. وعلى حد قول رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، فإن ربط قضية الصحراء الغربية بما يسمى بالربيع العربي ربط غير موفق، كما أنه لا ينسجم مع رغبات الشعب الصحراوي في تأسيس دولة مستقلة. نبذة عن تأسيس "البوليزاريو" ظهرت البوليزاريو، أو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، على الساحة الصحراوية في 20 ماي 1973، وهي امتداد لحركات شعبية سابقة وميلادها، كما تقول الكتابات مرتبط بالظروف الداخلية للصحراء الغربية، وتعكس مطامح الشعب الصحراوي لربط الثورة بحلفائها على الصعيد القومي، الإفريقي والعالمي، من أجل تحرير الشعب الصحراوي من كل أشكال الاستعمار وتحقيق الاستقلال الكامل وبناء نظام جمهوري وطني، وعمل الشعب الصحراوي الكثير من أجل الإعتراف بسيادته وحماية استقلاله، إلى أن جاءت اللحظة التاريخية واعترفت الأممالمتحدة في الجمعية العامة رقم 1514 في دورتها الخامسة عشر بوضع حد للاستعمار والإعلان عن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كدولة وذلك في 27 فيفري من سنة 1976.