تعتبر احتفالا تقليديا مرتبطا بتاريخ القصور تعد التظاهرة الثقافية "السبيبا" التي تم الاحتفال بها مؤخرا بمدينة جانت بولاية إيليزي، واحدة من المشاهد العريقة لفسيفساء الفنون الثقافية المتنوعة التي تزخر بها منطقة الطاسيلي آزجر بجنوب الوطن. ويجمع المهتمون بالتراث الثقافي اللامادي بهذه المنطقة، على أن عيد "السبيبا" الذي يحتفل به سكان الطاسيلي وبالتحديد بمدينة جانت في عاشوراء، هو بمثابة "شعيرة" تقليدية مرتبطة بتاريخ كل من قصر "الميهان" وقصر "زلواز". وتتجلى مظاهر هذا الاحتفال في الأغنية والقصيدة المتنوعة من هجاء ومدح في قالب أدبي يعكس بكل عمق الزخم التراثي الذي تحتويه منطقة الطاسيلي آزجر. ويرى رئيس جمعية "السبيبا" لمدينة جانت، السيد قاسم تقابو الذي التقينا به بموقع الإحتفال بهذه المناسبة، أن مدينة جانت كانت منطقة مرور "فرعون" مستدلا بالرسومات الصخرية الموجودة بهضبة الطاسيلي التي تظهر عربات تجرها حيوانات، حيث كان "فرعون" يقضي الفترة الصيفية بإفريقيا ليعود في الشتاء إلى أرض الكنانة مصر. وكان "فرعون" أو "رمسيس الثاني" "طاغية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذ كان يفرض إتاوات على المجتمع ويعذب الناس كما يوضح السيد تقابو مضيفا أن أهالي المنطقة سمعوا بخبر غرق فرعون، مما أثلج صدورهم، حيث خرج سكان جانت للإحتفال بهذا النصر العظيم وحجوا إلى مكان يسمى "دوغيا" الموقع الذي يقام به حاليا عيد "السبيبا". وتتنوع القصائد والأشعار المعروفة ب"تيسيواي" والمستمدة من الحياة اليومية لسكان القصرين بين "المدح" و"الهجاء"، حيث تعمل النساء على ترديدها خلال إحياء "السبيبا" ويتجاوب معها الرجال من مختلف الفئات العمرية في لوحة فسيفسائية رائعة يطبعها الزي التقليدي المستمد من الحقب الزمنية المختلفة ل "الرجل الأزرق"، إضافة إلى حركات فلكلورية ذات دلالات عميقة. ويتمثل المدح في تنظيم أشعار وقصائد تمدح رجالا مشاهير كبار، سواء من ناحية التباهي والتفاخر باللباس التقليدي الأنيق، أو ببنيتهم الجسمانية القوية وما إلى ذلك. أما من ناحية الهجاء، فكانت متبادلة بين القصرين أثناء ملاحظة أي نقائص أو تعثرات لكلاهما. ويتوارث شباب مدينة جانت عيد "السبيبا" أبا عن جد، رغم مختلف التحولات التي تفرضها العولمة في العصر الحالي. فعزيمة الشباب الذين يشاركون في تظاهرة "السبيبا"، حالت دون اندثار هذه الثقافة الشعبية الغنية، وخير دليل على ذلك تواجد أطفال صغار السن في حلقات هذا الاحتفال خلال التحضيرات أو ما يعرف ب "تيمولاوين"، حيث يقلدون الكبار في حركاتهم ولباسهم وإحاءاتهم، وهذا دليل على أن "السبيبا" ستظل راسخة في سجل المناسبات التراثية لسكان المنطقة، كما يؤكد السيد قاسم. وتعكف جمعية "السبيبا" بجانت على تكوين الفئة الشبانية لرقص "السبيبا"، سواءا من حيث الحركات أو اللباس وكذا نظم القصائد والأشعار الخاصة بها. كما تسعى الجمعية للمحافظة على ديمومة هذا التراث غير المادي بكل الوسائل، باعتبار أن السبيبا "ليست فولكلورا" فحسب كما يضيف السيد تقابو بل هي "أكبر من ذلك بكثير"، إذ تعبّر عن "فن أدبي" يخضع لقواعد الوزن والقافية في كل القصائد، إضافة إلى أنها فنا وثقافة ترمز إلى كل الجوانب المتعلقة بسكان عروس الطاسيلي. وتقوم مختلف الجمعيات الناشطة في الحقل الثقافي على المحافظة على موقع احتضان السبيبا (دوغيا)، كما تركه الأجداد دون إدخال أي رتوشات أو إضافات عصرية عليه، رغم مساعي السلطات المحلية لولاية إيليزي لإقامة منصة به خصيصا للوفود الرسمية. وقد حال إصرار نشطاء "سبيبا"، دون تحقيق ذلك في تأكيد منهم على أهمية المحافظة على ديكور وبساطة المناسبة. ويطمح سكان مدينة جانت والطاسيلي بصفة عامة إلى تصنيف "السبيبا" ضمن "التراث العالمي اللامادي"، حيث عمدت "جمعية السبيبا" إلى تقديم ملف يحمل كل الجوانب الخاصة ب"السبيبا" إلى الجهات الرسمية، كما اوضح رئيس الجمعية. وبالمناسبة، نوه تقابو بالدور "الفعال" الذي تقوم به وزارة الثقافة بخصوص المحافظة على الموروث الثقافي لكل الطبوع التراثية على المستوى الوطني.