يعرف الطريق الوطني رقم 212 الرابط بين ولايتي تيبازة والعاصمة، والمسمى ب "مڤطع خيرة"، توافدا كبيرا للمواطنين من أجل اقتناء اللحوم مختلفة الأنواع، والتي تباع هناك بأرخس الأثمان، رغم الفوضى وغياب النظافة الذي يميز المنطقة، حيث يضطر المواطن الجزائري بمختلف مستوياته ومن مختلف المناطق، أن يركن سيارته في هذه المنطقة التي تتميز بطرق غابية، من أجل شراء اللحوم حتى ولو كان ذلك على حساب صحته لتفادي الالتهاب الذي يميز أسعار اللحوم في المحلات المخصصة لها، والتي يصل سقف سعرها إلى 900 دج، ولا نبالغ إذا قلنا إنه وصل في بعض المناطق إلى 1200 دج للكولغرام الواحد. من أجل مشاهدة طرق ذبح الماشية وبيعها للمواطنين عن قرب، والأجواء بصفة عامة التي تميز المكان، أرادت "الأمة العربية" أن تخوض هذه المغامرة وانطلقنا على الساعة التاسعة صباحا من يوم الجمعة، حيث يخصص هذا الوقت لذبح أكبر عدد ممكن من الماشية. للوصول إلى هذه المنطقة التي ذاع صيتها واشتهرت باللحوم المختلفة وغير المكلفة التي يبيعها شباب وجدوا من هذه المهنة الوجه الآخر لحياة بعيدة عن البطالة، خاصة وأن غالية شباب هذه المنطقة يسكنون "الأحواش" التي تتوسط الغابات التي كانت في وقت سابق وكرا للجماعات الإرهابية . قبل وصولنا إلى منطقة "مڤطع خيرة"، وقبله بأمتار، لاحظنا على طول الطريق الوطني رقم 212 عددا كبيرا من الأطفال بمختلف الأعمار حاملين بيدهم "خبزة مطلوع"، ومرتدين ملابس بالية والحرارة تلسع أجسامهم النحيلة. ورغم هذا، فهم غير مبالين بذلك، فالمهم لديهم هو كسب قوتهم. لم نستطع أن نفوت الفرصة وقررنا أن ننزل للدردشة قليلا مع أحد الأطفال، فالتقينا بفتيحة التي فرحت كثيرا بمجرد لمحها لنا، لأنها كانت تظن أنها استطاعت أن توقف أحد المارة لتبيع له "خبزة المطلوع"، فكان لها ذلك وقالت لنا "أنا منذ الساعة السابعة في هذا المكان وأحمل 50 خبزة حضرتها لي والدتي قبل صلاة الفجر". سألناها أين تسكن، فأشارت بيدها وقالت "هناك"، في الحقيقة لم نلمح أي بيت. ثم قالت "إن بيتنا وراء تلك الأشجار". وبعدما سألناها عن سبب بيعها للخبز تحت هذه الحرارة المرتفعة، قالت بعفوية البراءة ".. إن والدها هرب من البيت وأمها لا تستطيع أن تلبي كل الحاجيات، رغم أنها تعمل منظفة بإحدى المدارس المتواجدة في تيبازة، علما أن العائلة تتكون من 7 أفراد..". تركنا فتيحة ببراءتها وخبزها، لنكمل الطريق إلى وجهتنا "مڤطع خيرة". من منا لم يسمع عن شهرة "مڤطع خيرة"، لكن لم نتخيل أنه بهذه الشهرة، فالطوابير الكبيرة التي كانت على اللحم لا تتوقّع. أضف إلى هذا، كثرة السيارات المرقمة من مختلف الولايات، العاصمة، البليدة وبومرداس وتيبازة وحتى من المدية والجلفة. حاولنا التقرب قليلا من الطوابير التي كانت على لحم الخروف، رغم المنظر المقزز والذي يصيبك بالغثيان، خاصة وأنك ترى الزوائد مرمية وكميات الدم التي اختلطت بالتراب،بالإضافة إلى الحالة التي كان عليها البائع والرائحة الكريهة المنبعثة من مكان الذبح. أضف إلى هذا، وجود رؤوس الكباش معلقة وتقطر دما، بجنبها الفضلات ومجموعة من الدلاء ملطخة بالدماء. ومن أجل مغادرة المكان بسرعة، استغللت جنسي للتقرب من البائع من أجل أن يبيع لي قبل غالبية المتواجدين الذين كانوا من الرجال، فاقتربت من البائع الذي كان يحمل معه سكينا كبيرا، يتكلم به وقال لي كم تريدين، قلت له: أريد كم يبلغ سعر الكيلوغرام، قال لي 500 دج، فحاولت استفزازه، قلت: هل هو مراقب من طرف البياطرة؟ فأجابني بغضب كبير ".. إذا أردت أن تأكلي لحم البياطرة، اشتريه ب 1000 دينار"، ثم قلت له: هل هذا كبش أم نعجة، وهل هو مريض: "قال لي إنها نعجة وهي ليست مريضة، وإذا لا تريدين أن تشتري لا تضيّعي لنا الوقت، فالناس ينتظرون". اشتهر "مڤطع خيرة" في بداياته ببيع اللحوم البيضاء، وبصفة أخص لحم الديك الرومي. وبعدما راجت وشهدت هي الأخرى نوعا من الفوضى وقلة النظافة، تم تقنينها ليخصص لها مكان محدد. ورغم التقنين، فإن الفوضى لازالت تميز تجارة لحم الديك الرومي، الذي يباع مذبوحا ب 300 دج ومنزوعا من الريش، هذا الأخير الذي يظهر على أنه جبل محاط بمجموعة من الأطفال، يقومون بهذه المهمة، في حين أن المكلفين بالذبح لا يبسملون ولا يكبّرون ولا يستخدمون الشروط المعمول بها عند ذبح الحيوانات. تركنا هذا البائع، لنحاول مساءلة المواطنين حول سبب توافدهم بكثرة إلى هذا المكان، فأكد معظهم أن السبب يعود إلى السعر المعقول الذي يطبع اللحوم مقارنة بالأسعار المرتفعة التي تميز معظم المحلات. من جهته، قال محمد من ولاية المدية، إن سعر اللحم في هذه المنطقة جد معقول، وقال إنه في العديد من المرات يحضر أغناما ليبيعها. مرة أخرى وبعد إلحاح، اعترف محمد أنه مرة أحضر رأسين من الغنم مريضين، وباعهما ب 5000 دج لأحد التجار، وقام هذا الأخير مباشرة بذبحها ليبيعها للناس. كما أكد أنه رأى بأم عينيه ماشية ميتة ذبحت بعد يوم من موتها، وبيع لحمها للمواطنين، وهنا نطرح علامة استفهام كبرى، عن الغياب الفادح والمسجل من طرف مصالح قمع الغش والمراقبة وغياب البياطرة في هذه المنطقة؟ قال مصدر من الاتحاد الوطني للتجار والحرفيين الجزائريين، إن "مڤطع خيرة" يعتبر نقطة سوداء تسجل ضد الاقتصاد الوطني، بالنظر إلى الفوضى التي يتميز بها هذا السوق والغياب التام للرقابة، وقد أكد المصدر أن المواطنين يمثلون نسبة كبيرة في انتشار هذا السوق الفوضوي، الذي يكبد الدولة خسائر فادحة، وأشار المصدر إلى أن "مڤطع خيرة" من بين المناطق التي تشكّل نقطة سوداء، والتي تحتوي على تجار غير مقننين، كما قال إن غالبية ممولي المنطقة من الولايات المجاورة، التي اتخذت من المكان مصدرا للربح السريع. وفيما يخص الماشية المريضة التي تباع، أكد المصدر أن هذا الأمر حاصل ويعرفه الجميع، مؤكدا أنه عندما لا يجد التجار الرقابة، فحتما سيفعلون ما يشاءون.