محتالون يستهدفون المسنين لسلب أموالهم    مستحضرات التجميل تهدد سلامة الغدة الدرقية    الشروع في إنجاز سكنات "عدل 3" قريبا    الرئيس تبون جعل السكن حقّا لكل مواطن    مجلس الأمن: مجموعة "أ3+" تؤكد على ضرورة احترام سيادة سوريا وتدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار    الرابطة الأولى موبيليس - تسوية الرزنامة: شبيبة القبائل ينفرد مؤقتا بالصدارة وشباب بلوزداد يواصل سلسلة النتائج الايجابية    الوضع العالمي مؤسف.. والجزائر لا تريد زعامة ولا نفوذا في إفريقيا    تتويج مشروع إقامة 169 سكن ترقوي بتيبازة    افتتاح الملتقى الكشفي العربي السادس للأشبال بالجزائر العاصمة    عناية رئاسية لجعل المدرسة منهلا للعلوم والفكر المتوازن    شياخة: هذا ما قاله لي بيتكوفيتش واللعب مع محرز حلم تحقق    "الكاف" تواصل حقدها على كل ما هو جزائريٌّ    صيود يسجل رقما وطنيا جديدا في حوض 25 متر    رفع مذكرات إلى رئيس الجمهورية حول قضايا وطنية هامة    حملة "تخوين" شرسة ضد الحقوقي المغربي عزيز غالي    "حماس" تؤكد إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار    "الوزيعة"عادة متجذّرة بين سكان قرى سكيكدة    لقاء السنطور الفارسي بالكمان القسنطيني.. سحر الموسيقى يجمع الثقافات    تأسيس اتحاد الكاتبات الإفريقيات    حكايات عن الأمير عبد القادر ولوحاتٌ بألوان الحياة    5 مصابين في حادث مرور    دبلوماسي صحراوي: "دمقرطة المغرب" أصبحت مرتبطة بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية    نجاح الانتخابات البلدية في ليبيا خطوة نحو استقرارها    الإطاحة بعصابة تروِّج المهلوسات والكوكايين    اليوم العالمي للغة العربية: افتتاح المعرض الوطني للخط العربي بالمتحف الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط بالعاصمة    الجزائر تتسلم رئاسة الدورة الجديدة لمجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب    سوناطراك: استلام مركب استخراج غاز البترول المسال بغرد الباقل خلال السداسي الأول من 2025    "اللغة العربية والتنمية" محور ملتقى دولي بالجزائر العاصمة    المالوف.. جسر نحو العالمية    مشروع جزائري يظفر بجائزة مجلس وزراء الاسكان والتعمير العرب لسنة 2024    المحكمة الدستورية تكرم الفائزين في المسابقة الوطنية لأحسن الأعمال المدرسية حول الدستور والمواطنة    هيئة وسيط الجمهورية ستباشر مطلع سنة 2025 عملية استطلاع آراء المواطنين لتقييم خدماتها    ربيقة يواصل سلسة اللقاءات الدورية مع الأسرة الثورية وفعاليات المجتمع المدني    ترشيح الجزائر للسفيرة حدادي لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يهدف لخدمة الاتحاد بكل جد وإخلاص    آفاق واعدة لتطوير العاصمة    مولوجي: علينا العمل سويا لحماية أطفالنا    95 بالمائة من المغاربة ضد التطبيع    إلغاء عدّة رحلات مِن وإلى فرنسا    عطّاف يلتقي نظيره الإثيوبي    مولى: الرئيس كان صارماً    برنامج الأغذية العالمي يعلن أن مليوني شخص في غزة يعانون من جوع حاد    الاتحاد يسحق ميموزا    حرمان النساء من الميراث حتى "لا يذهب المال إلى الغريب" !    انطلاق فعاليات "المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الوهرانية" : وزير الثقافة يدعو إلى ضرورة التمسك بالثقافة والهوية والترويج لهما    تصفيات مونديال 2026 : بيتكوفيتش يشرع في التحضير لتربص مارس    اتفاقية تعاون بين كلية الصيدلة ونقابة المخابر    وفاة الفنان التشكيلي رزقي زرارتي    سوريا بين الاعتداءات الإسرائيلية والابتزاز الأمريكي    جزائريان بين أفضل الهدافين    خطيب المسجد الحرام: احذروا الاغترار بكرم الله وإمهاله    المولودية تنهزم    90 بالمائة من أطفال الجزائر مُلقّحون    الجوية الجزائرية تعلن عن تخفيضات    التوقيع على اتفاقيات مع مؤسّسات للتعليم العالي والبحث العلمي    باتنة : تنظيم يوم تحسيسي حول الداء المزمن    الصلاة تقي من المحرّمات وتحفظ الدماء والأعراض    كيف نحبب الصلاة إلى أبنائنا؟    أمنا عائشة رضي الله عنها..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ماسينيسا".. مدينة سياحية تبحث عن "أوكسجين" للتنفس
ويبقى مشروع القرية النوميدية حلم المواطن القسنطيني
نشر في الأمة العربية يوم 31 - 08 - 2009

تتطلب التنمية الاجتماعية والاقتصادية وضع خطة محكمة وسياسة متكاملة ناجحة، ولا تتحقق هذه السياسة أو الخطة إلا إذا وفرت كل وسائل النقل الكافية باعتبارها الجسر الذي يربط العلاقات الاقتصادية بين الأطراف، بحيث لا يكفي التليفريك أوالترامواي المبرمج وحدهما لتنظيم المدينة، بل تساهم الوسائل الأخرى للنقل الصغيرة مثل الحافلات وسيارات الأجرة، في فك الخناق عن المدن الكبرى والمناطق ذات الكثافة السكانية.
يعتبر ماسينيسا Masinissa المازيلي من أهم ملوك دولة نوميديا الأمازيغية وهو من مواليد قسنطينة الجزائرية التي حوّلها إلى سيرتا، فاتخذها عاصمة لحكمه في منطقة مسيلة. وقد كرس حياته الطويلة لخدمة الأمازيغيين الذين زرع فيهم حب الوفاء والعمل والإخلاص. ويعد ماسينيسا من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية الذين عملوا على توحيد الممالك الأمازيغية، إلى جانب صيفاقس ويوغرطة ومازيبا وإدمون، تمهيدا لمقاومة الاحتلال الروماني القادم إلى إفريقيا الشمالية لاحتلالها والاستيلاء على ربوعها ونهب ثرواتها واستغلال ممتلكاتها وإذلالها وتشويه حضارتها والقضاء على ثقافتها. بيد أن الأمازيغيين استطاعوا بكل ما لديهم من قوة طرد الرومان والتنكيل بهم في عدة وقائع ومعارك يشهد بها تاريخ الرومان قبل تاريخ الأمازيغيين. ولقد شكل الملك ماسينيسا جيشا أمازيغيا قويا بعد أن وحّد كل قبائل شمال إفريقيا الموجودة في القسم الأوسط ضمن مملكة أمازيغية موحدة، وهي مملكة نوميديا. ويعرف على سياسة ماسينيسا أنها تعتمد في جوهرها على الحنكة والتجربة والذكاء والخبرة في التعامل الدبلوماسي مع الدول القوية، وبقي على هذا الحال إلى أن توفي في ال: 148 قبل الميلاد عن سن تتجاوز 90 سنة بعد أن بقي في عرشه مدة طويلة، ما يقرب من ستين سنة ويوجد ضريحه إلى اليوم في قرية الخروب في ضواحي قسنطينة (سيرتا Cirta).
تقع مدينة "ماسينيسا" على بعد 24 كيلومتر عن ولاية قسنطينة، تأسست منذ 05 سنوات في إطار برنامج إنشاء المدن الجديدة لتخفيف الضغط عن المدينة "الأم" قسنطينة، وهي تتبع إداريا دائرة الخروب، يسكنها ما يزيد عن 30 ألف ساكن تم ترحيلهم من مختلف المناطق الموجودة بوسط مدينة قسنطينة، وتتميز بموقع استراتيجي لا مثيل له، يتوسطه ضريح الملك الروماني "ماسينيسا" الواقع أعلى المنطقة، وهو من شأنه أن يجعلها مدينة سياحية بمعنى الكلمة نظرا لما تقدمه من خدمات لو دعمت بالمرافق الضرورية لذلك. لكن غلب السكون والغبن عليها وجعلها مدينة "ميتة"، فلا تنمية ولا مشاريع تعود بالفائدة على سكانها الذين يعيشون العزلة والتهميش لأسباب ما تزال مجهولة، رغم ما استفادت منه باقي البلديات، والمدينة الجديدة علي منجلي على الخصوص، وصبت فيها كل المشاريع التنموية (الثقافية، الرياضية، الإدارية وحتى مشاريع النقل وغير ذلك...)، ربما لأن الرجل بربري، وهذا يعني تغليب الفكر الجهوي حتى لا نقول العنصري على مدينة العلم والعلماء قسنطينة التي كانت قبلة لكل الزوار مهما اختلفت أجناسهم وأديانهم.
مع التزايد السكاني والعمراني الذي شهدته مدينة قسنطينة، تولّد عنها ميلاد مدينتين جديدتين هما علي منجلي وماسينيسا، وربما أصبح ضروريا أن تخضع المدينتان الجديدتان إلى الاستقلالية في التسيير، لكن هاتين المدينتين ماتزالان تخضعان وتابعتان إداريا إلى دائرة الخروب التي تكاد هي الأخرى أن تتحوّل إلى مدينة، ومن غير المعقول أن نجد دائرة تسيّر مدينة، وهو السؤال الذي يطرحه المواطن: كيف لدائرة أن تسير مدينة بأكملها؟ وقد عجزت هذه الدائرة عن تسيير شؤونها وحل مشاكل مواطنيها الغارقة.
رغم المشاريع الكبرى التي نلاحظها في ولاية قسنطينة، غير أنها تخدم فئة معينة من سكان المدينة. فبالنظر إلى مشروع التليفريك الذي يخدم فئة معينة من سكان المدينة، وهم سكان "الفوبور"، نجد جل المشاريع تمركزت في المدينة الجديدة علي منجلي، ماعدا المدينة الجديدة "ماسينيسا" التي تفتقر إلى كل وسائل التنمية والمرافق التي تعود بالمنفعة على سكانها. وللعلم، فإن سكان "ماسينيسا" يصل عددهم اليوم إلى أزيد من 30 ألف نسمة، إلا أنه ومنذ 05 سنوات من تأسيسها ما تزال كما هي، مجرد عمارات، أو كما وصفها أهلها "مراقد" للمبيت، الأمر الذي يجعلها تخرج عن نطاق الحي كونها تتوفر على فروع إدارية مثل فرع بريدي، مكتب بريدي، ثانوية، إكماليتان ومدرستان، وكذلك مقر الأمن الخارجي ومقر الحرس البلدي، فضلا عن السوق التجاري في الجهة العليا من المدينة ومحلات تجارية أخرى مغلقة هي الأخرى، وبالتالي لا يمكن لأي كان أن يعتقد أن تظل مدينة "ماسينيسا" وسكانها بعيدين كل البعد عن الدعم الحركي لافتقارها إلى مستوصف، مراكز ثقافية، حدائق للعب الأطفال، كذلك تفتقر إلى مرافق رياضية للشباب مثل ملعب لكرة القدم، ملعب ماتيكو... الخ..
ورغم جهود مديرية النقل بدعم السكان بالنقل الداخلي، وهو الخط الرابط بين "ماسينيسا" والخروب والمرور عبر كل المناطق، لكن يبقى مشكل النقل الخارجي الذي يربط بين "ماسينيسا" وقسنطينة، لاسيما وأن جل السكان يعملون بوسط مدينة قسنطينة وجلهم كانوا يقطنون المدينة الأم. وعندما رحلوا وجدوا أنفسهم معزولين عن العالم، فلا يوجد بالمدينة سوى 06 حافلات تابعة للقطاع الخاص. وأمام غياب محطة خاصة بسيارات الأجرة، أصبح سائقو "الكلانديستان" يتحكمون في الأسعار وبموافقة السكان الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على دفع رسوم النقل وهم يرددون بقولهم: "المهم نوصلو للخدمة"، وتجدهم أحيانا مجبرين على دفع 250 أو 300 دينار حق "الكورسَا".
أمام هذه الأزمة، تحوّلت مدينة "ماسينيسا" إلى "منفى" وأصبحت تسمى بمدينة "المراقد"، وهو الاسم الذي أطلقه سكان وزوار هذه المدينة التي لا تصلح حسبهم إلا للمسنين أو المصابين بالأمراض العقلية للحصول على "الهدوء le calme"، لأنها لم تلق أية التفاتة من والي قسنطينة عبد المالك بوضياف رغم إلحاح المنتخبين عليه، بإلقاء التفاتة قصيرة على هذه المدينة ومعاناة سكانها اليومية، لكن لا حياة لمن تنادي، وهو السؤال الذي لم نجد له جوابا شافيا، لماذا "ماسينيسا" بالذات؟ هل لكون المدينة تحمل اسما "بربريا" أمام الصراع الموجود في الولاية بين السكان ومجموعة ال 9+9، وهذا يعني طغيان "الجهوية" في الولاية وأثرت هذه الظاهرة بشكل سلبي جدا على السكان، وأصبح الأمازيغي منبوذا في ولاية قسنطينة في كل مجالات الحياة، وهذا بشهادة الجميع. ما يثير الانتباه، هو التناقض الكبير الواقع في هذه المنطقة من جانبها الإداري، ففي حين تؤكد الوثائق الإدارية (وصل الإيجار) بأن "ماسينيسا" هي عبارة عن "حيّ" لا غير وليس مدينة، يلاحظ القادم عليها لافتة كبيرة كتب عليها بالخط العريض عبارة "المدينة الجديدة ماسينيسا"، ورسم على هذه اللوحة الإشهارية صورة لضريح "ماسينيسا".
قد لا تغدو وسائل النقل المتوفرة بالكافية، ناهيك عن أنها تخدم فئة معينة من المواطنين الذين لهم علاقة بين بداية ونهاية الخط الذي تشغله هذه الوسيلة، ونقصد بذلك الترامواي والتليفريك، أما بقية المناطق الأخرى ف: "بارونات" النقل وهي ربما الظاهرة الوحيدة التي تعرفها مدينة قسنطينة حيث تتحكم هذه الأخيرة في وسائل النقل ووقفت حاجزا مانعا لتنقل المواطن وفي وجه وسائل النقل العمومية الأخرى.
تعمل هذه البارونات دون وازع ودون ضمير تحت حصانة من أطراف أخرى، وهي أطراف أصبحت تستعمل أموالها ونفوذها من أجل التحكم في حركة المرور، فكثيرة هي المناطق التي لها كثافة سكانية تحتاج إلى وسائل نقل عديدة وكافية، وقد عملت السلطات الولائية على تحسين خدمات النقل بهذه المناطق في إطار مؤسسة النقل الحضري ETC، وخففت نوعا ما من الضغط الموجود على مستوى معظم أحياء المدينة مثل حي جبل الوحش، سيدي مبروك، حي بوصوف، المدينة الجديدة علي منجلي، ماعدا الخروب والمدينة الجديدة "ماسينيسا"، وأصبح سكان المنطقتين الخروب و"ماسينيسا" يرددون تعبيرا عن تذمرهم بالقول "لقد سيطر الخطّابي على الدولة ولم تستطع مواجهته".
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مؤسسة النقل الحضري حسب المواطنين خصصت لسكان "ماسينيسا" 05 حافلات المعروفة بالحافلات "الزرقاء"، وهي تابعة للقطاع العمومي، وبرمجت عملية انطلاقها خلال الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى ولاية قسنطينة السنة الماضية، لكن وما إن أجلت الزيارة حتى أوقفت العملية لأسباب ما تزال مجهولة إلى اليوم، الأمر الذي جعل سكان الخروب و"ماسينيسا" يتساءلون: لماذا لم تضع المؤسسة نظاما محددا لتوفير النقل لهؤلاء السكان؟ ومن هي الأطراف التي هددت بعدم دخول الحافلات الزرقاء إلى الخروب و"ماسينيسا" والتركيز سوى على الحافلات التابعة للخواص؟
هذه الظواهر قد تؤدي إلى هدر الطاقات المادية والمعنوية للمواطنين الذين يسكنون هذه المناطق، وبالتالي تزداد العلاقات سوء وتوترا بين هذه المناطق التي تتوفر على وسائل نقل حديثة ومريحة وتزداد قوة وتمتص هذه القوة من المناطق الضعيفة التي بدورها تزداد ضعفا وهشاشة حتى لا نقول "تبعية"، فبارونات النقل أصبحوا اليوم يستغلون هذه الفئات لزيادة أرباحهم وثرواتهم على حساب الجماهير، وبذلك يعجز المواطن أو الموظف البسيط ذو الدخل المحدود من ادخار المال اللازم كي يشتري به سيارة، لأن جزء كبيرا من راتبه الشهري يستهلكه في النقل.
مشروع جديد دخل مدينة قسنطينة من أجل التنظيم المحكم في حركة المواطن وتسهيل له الخدمات، بحيث عملت بعض المؤسسات الخاصة على إنجاز هذا المشروع، وهو ما يسمى ب "راديوتاكسي"، وهي سيارات مريحة خفيفة التنقل لا يشعر المتنقل بحركتها، مزودة بهاتف للسائق خصصته الشركة المنجزة، ومدون على ظهر السيارة رقم هاتف السيارة لتسهل على المتنقل الاتصال بالسائق ونقله إلى المكان المقصود، ويكفي الاتصال بالرقم وتحدد للسائق مكان وموعد الالتقاء لينقلك حيث ما تشاء. وتبقى الميزة الوحيدة التي تميز راديوتاكسي، هي سهولة الحصول عليها والعمل بطريقة منظمة وقانونية، وهي كلها ميزات إيجابية، إلا أن هذه الأخيرة لا تخلو بدورها من مساوئ، وهي أن التسعيرة التي تحددها راديوتاكسي هي نفسها عن التسعيرة التي يحددها سائق سيارة الأجرة أو "الكلانديستان" وهي ما بين 250 و300 دينار حسب مسافة الطريق خاصة بالنسبة للخطوط الرابطة بين المدن الجديدة ومدينة قسنطينة.
غياب مخطط خاص للنقل ساهم بشكل مباشر في إحداث الفوضى ويهدد حياة المواطن وهو يقطع المسافات الطويلة للوصول الى موقف الحافلات، خاصة بالنسبة لسكان المنطقة "ج C" الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على قطع مسافة تزيد عن 500 متر من منطقتهم إلى غاية المنطقة "ب B" لركوب الحافلة، خاصة الأطفال المتمدرسين والمسنين بالدرجة الأولى، كون تنقل حافلات النقل الخارجي يتحدد من الموقف الرئيسي للحافلات مرورا بالمنطقة "ب" ذهابا الى مدينة قسنطينة، كما يتحدد تنقلها عند العودة من قسنطينة إلى "ماسينيسا" مباشرة باتجاه الموقف الرئيسي لها دون المرور على المنطقة "ج" أو "ب"، وهنا يصعب على السكان استغلال هذه الوسيلة من نقطة الإنطلاق المركزية، أمام الخطر الذي يمكن أن يحدث في أية لحظة لاصطدام المركبات مع بعضهم بعد غلق الطريق ووضع الحاجز الأمني، وربما هذا الرسم يوضح واقع النقل في مدينة "ماسينيسا" ويحدد النقاط السوداء، لعل الجهات المعنية وعلى راسها مديرية النقل. أمام هذه الأزمة، يتساءل سكان "ماسينيسا" عن سر رفض والي قسنطينة زيارة هذه المدينة السياسية المغبونة؟ فمنذ تنصيبه على رأس الولاية لم يقم بزيارتها سوى مرتين: مرة مع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، ومرة أخرى عند تفقده مشروع السكنات التساهمية الموجودة على الرسم، وقد سبب هذا المخطط أزمة كبيرة بالنسبة لسيارات الأجرة أو الفرود عند توصيلهم السكان والصراع كبير بين سكان المنطقتين (ب وج) حول من له الأحقية في اختيار الطريق المناسب.
كانت ظاهرة "الفرود" دخيلة على سكان المدن الكبرى المتطورة، وكانت المرأة أو الفتاة التي تركب مع "الفرود" تنعت على أنها ليست من بنات العائلات. ولكن مع التزايد السكاني وكثرة انشغالات المواطن وترحيل السكان إلى مناطق معزولة عن المدينة، أمام غياب وسائل النقل، أجبر السكان على استعمال هذه الوسيلة وأصبح كل شرائح المجتمع يتعاملون مع "الكلانديستان"، بما فيهم بنات "الفاميليا"، وتطورت هذه الوسيلة بحيث أصبح سائقو الفرود يعملون بطريقة متطورة جدا، وذلك ب "الرانديفو" وحجز مكان داخل السيارة عن طريق الهاتف الجوال، وأصبح لكل "فرودور" زبائنه، وانتشرت هذه الظاهرة في الخطوط التي تربط (قسنطينة الخروب، قسنطينة المدينة الجديدة علي منجلي، وقسنطينة "ماسينيسا")، ما يلاحظ أن معظم سائقي "الكلانديستان" هم إطارات جامعية وبعضهم متقاعدون وآخرون موظفون عند الدولة والبعض منهم بطالون، وقد كان لنا معهم لقاء وطرحوا علينا مشاكلهم، كانت في مجملها قلة الراتب الشهري، خاصة بالنسبة لأرباب الأسر، وعمله بهذه الطريقة يساعد في مدخوله وتنقله إلى العمل، أو كما عبّروا بقولهم: "توفير حق المازوت". أما السكان، فقد تأسفوا لما يلحق بهم من متاعب بسبب النقل وضياع حلمهم في كسب سيارة يتنقلون بها، وعبّر بعضهم بالقول: "كيف نكسب سيارة، والشهرية تذهب كلها في النقل؟". إنه بالفعل واقع مأساوي يعيشه سكان هذه المدينة، ولعل أنه بات من الضروري البحث عن أي طريق للتنمية تسلكه الجهات المختصة وقدرتها على المساهمة في بناء المجتمع الحديث والارتقاء به إلى مستوى العصر، أمام طغيان هذه المظاهر والسلوكات اللاإنسانية التي تسلكها بارونات النقل التي تعمل على قتل الانسجام المادي والمعنوي الروحي للمجتمع، وقد ينتهي هذا الأخير إلى التمزق والثورة والخروج إلى الشارع، إن لم تضع الجهة المختصة والمسؤولة الحلول اللازمة لتفادي مثل هذه الأزمات وإدخال المدينة في متاهات.
وقد سبق وأن قررت وزيرة الثقافة خليدة تومي في إحدى زياراتها ولاية قسنطينة وأعجبت بالمنطقة، لدرجة أنها اقترحت إنشاء قرية نوميدية بمحاذاة الموقع، وكان رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قد قرر في زياراته إلى هذه المدينة النوميدية أن تكون أحد المرافق السياحية والثقافية بالناحية الشرقية وشدد على إتمام هذا المشروع، خاصة وأن الغلاف المالي موجود.
وكان من المنتظر أن يجمع مشروع المدينة النوميدية متحفا نوميديا وقاعة للعروض ومسرحا في الهواء الطلق وفضاء للصناعات التقليدية، تضاف هذه المشاريع إلى ضريح الملك النوميدي "ماسينيسا" الذي امتد حكمه لأزيد من 50 سنة، والذي دافع بقوة عن سيرتا، غير أن هذه المشاريع بقيت محل جدل كبير بين القائمين على شؤون الثقافة وبين مسؤولي قطاع التعمير والبناء، خاصة الصراع الذي ما زال قائما بين وزيرة الثقافة خليدة تومي ووالي قسنطينة عبد المالك بوضياف إلى اليوم، جعل المدينة تعرف نوعا من التهميش وإبعادها عن كل ما يتعلق بالتنمية، علما أن وزيرة الثقافة كانت قد صرحت أن خبراء من اليونيسكو سيحلون بقسنطينة بغرض تصنيف ضريح "ماسينيسا" كإرث عالمي لا يمكن المساس به أبدا. لكن واقع هذه المنطقة لا يعكس ذلك، بحيث تحوّلت هذه البقعة السياحية إلى مأوى للشواذ والمنحرفين بانتشار زجاجات الخمر، رغم وجود أعوان الحرس البلدي. لكن ولكون عددهم قليل جدا، فمن الصعب السيطرة على المنطقة وهي غير محمية بسياج، أدى ذلك إلى تعرض الآثار إلى الخدش والتخريب والسرقة، أمام تواجد مقبرة أسفل الضريح والتي من المفروض أن تكون بعيدة عن هذا الموقع السياحي.
ربما واقع النقل بمدينة "ماسينيسا" يجرنا إلى التطرق إلى العديد من الظواهر التي تؤدي إلى الكثير من الحوادث المرورية المميتة التي تحدث في غياب الرقابة من قبل الجهة الأمنية، التي مهمتها الأساسية التنظيم والتحكم في سير المركبات. فإلى جانب التجاوز الخطير، حتى في الطرق السريعة، والسرعة في السياقة، ظاهرة جديدة نشاهدها يوميا، تمارس من العديد من سائقي المركبات الذين يكونون عادة في حالة عجلة من أمرهم، ألا وهي تعرض الطرقات إلى السرقة أو ما يسمى ب 2em position أو الخط الثالث، وكثيرا ما تحدث المناوشات بين سائقي المركبات وارتفاع أصواتهم وهم يخاطبون خصومهم بعبارة "أنت سرقت طريقي"، وخلقت هذه الظاهرة من الطرق المزدوجة خطوطا أخرى وتحولت الطرق المزدوجة إلى طرق ثلاثية، وهذا يعني اتخاذ صفين في اتجاه واحد مقابل الصف الموجود في الاتجاه المعاكس، وكم هي الحالات الإستعجالية التي تنقلها سيارات الإسعاف أو رجال الحماية المدنية وهم ينقلون الضحايا إلى المستشفى ويعجزون من عبور الطريق بسبب هذا المشكل، قد تنتهي بحالات وفاة قبل وصولهم إلى المستشفى. ومن الطرق التي تشهد هذه الظاهرة، نجد الطريق الواقع بمحطة المسافرين الشرقية (القديمة)، كذلك الطريق الواقع بحي التوت، وانتقلت عدوى سرقة الطرقات إلى جسر سيدي راشد وغيرها من الأماكن التي تعيش حركة مرور كثيفة.
قد يكون الانتظار الطويل الذي يكلف ضياع كميات كبيرة من الوقود، أحد الأسباب التي تؤدي بسائقي المركبات وحتى الحافلات في بعض الأحيان، إلى استعمال ال 2em position ، وعادة ما تكون الخسارة قاسما مشتركا بين المواطن أي المتنقل وسائق السيارة، وكلاهما يشكل ضحية لأزمة المواصلات وغياب وسائل النقل في الوسط الحضري، أين أصبح المواطن مجبرا على استعمال سيارات "الكلانديستان" أي "الفرود"، وكانت هذه الأخيرة المنقذ الوحيد للموظف أو الطالب الذي يقطن بمسافات بعيدة عن مقر عمله من أجل الوصول في موعده وحتى لا يتعرض لتأنيب مسؤوله في العمل أو أستاذه في المؤسسة التي يدرس بها، إلا أن العديد من الأخطار التي تواجه سائقي سيارات الكلانديستان وهي إحدى الخسائر التي تكبل هذه الشريحة التي تعمل هي الأخرى تحت الضغط والخوف وإرهاق الأعصاب.
هكذا سماها سائقو المركبات، فقد تحوّلت محاشر البلدية إلى فنادق بخمس نجوم، باعتبارها المكان الذي يتم فيه حجز المركبات من قبل أعوان الأمن في حالة مخالفات تخص النظام العام للمرور، مثل عدم وضع الحزام الأمني والتجاوز الخطير، فمبيت السيارة في المحشر تكلف صاحبها 500 دينار لليلة الواحدة، حسب المدة التي تحددها الجهة المختصة، أحيانا تكون أسبوعا وأخرى تكون لأسبوعين، وقد تبقى المركبة داخل المحشر لمدة شهر أو أكثر حسب نوع المخالفة، وهذا يعني أن المدة التي تحجز فيها السيارة قد تكلف صاحبها ما يفوق عن ال 10 آلاف دينار. وفضلا عن ذلك، فالعديد من المركبات المحجوزة تتعرض قطع غيارها إلى السرقة، وهو ما أكده لنا العديد من سائقي سيارات الأجرة أو حتى الكلانديستان، الأمر الذي أدى بالبعض وأمام الضغوطات، إلى التوسط إلى الحراس في حراسة سياراتهم مقابل 200 إلى 1000 دينار حسب ماركة كل سيارة، خاصة إذا كانت جديدة.
غياب المرافق التثقيفية والترفيهية بالمدينة الجديدة "ماسينيسا"، جعل شبابها وأطفالها يعيشون العزلة بكل معانيها، فلا يتوفر بالمدينة الجديدة "ماسينيسا" سوى دار للشباب، وهي تفتقر إلى وسائل الترفيه والتثقيف. كما يفتقر شباب المنطقة إلى ملعب لكرة القدم، إلى جانب غياب المراكز الثقافية، ماعدا دار للشباب التي لا تتوفر على وسائل الترفيه والتثقيف سوى ممارسة نوعين من الرياضة، لاسيما وشبح البطالة يطاردهم، رغم مشروع ال 100 محل المنجز من قبل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، ما تزال جل هذه المحلات مغلقة وبقي شباب المنطقة يقف يوميا بجوارها يتأملها وهو يحلم باليوم الذي يصبح فيه تاجرا يعمل بحلال طيب، بدلا من الركون إلى السلبية والاتكاء على جدران المدينة والتعرض للآخر نتيجة الفراغ الرهيب. إذا قلنا إن نسبة كبيرة من الشباب والمراهقين هم شريحة من مستهم ظاهرة التسرب المدرسي، وتجدهم يوميا يطرحون نفس الأسئلةك متى يفرج عن هذه المحلات ومن هم المحظوظين بالإستفادة منها؟
ورغم توفر المساحات الخضراء، غير أن جلها ما يزال غير مهيأ وتغمره الأوساخ والنفايات، وفي مناطق أخرى ما تزال الصخور كما هي بمحاذاة العمارات مثلما هو مبين في الصورة. حول هذه العمارة، يؤكد معظم سكان المدينة القدامى أنها منذ 04 سنوات من بنائها لم تستغل شقق هذه العمارة من قبل المستفيدين منها، الذين عجزوا عن التأقلم مع هذه المنطقة الصخرية، دون أن تتحرك السلطات البلدية في إزالة هذه الصخور وبقايا الأتربة أمام السكنات المنتهية الإنجاز، في حين لا يجد الأطفال الصغار الذين لم يصلوا سن التمدرس فضاء يلعبون فيه كالحدائق وأرجوحات وأشياء من هذا القبيل، وبهذه الصورة يمكن أن نقول عن المدينة الجديدة "ماسينيسا" مدينة أهلها "منسيون" بكل معنى الكلمة، وإنها مدينة تنعدم فيها روح الحياة الحضرية والمدنية، بخلاف المدينة الجديدة علي منجلي التي صبت فيها السلطات المحلية كل المشاريع التنموية، وهنا يبدو الفرق جيدا بين مدينتين جديدتين نشأتا تقريبا في تاريخ واحد، غير أن هذه المدينة المغبونة وضعت على الهامش، وهذا ما يدل على تغليب الفكر "الجهوي" حتى في توزيع المشاريع، وأن ترك هذه المدينة تعيش الضياع لا لشيء إلا لأن صاحبها الذي سميت على اسمه شخص "بربري"، رغم أنها المدينة الوحيدة التي يمكن أن تدر على الولاية مداخيل كثيرة تقدر بالملايير بفضل الضريح الموجود في موقعها، وهو ضريح الملك النوميدي "ماسينيسا" الذي يعتبر موقعا استراتيجيا، وبالتالي تكون مدينة "ماسينيسا" مدينة سياحية بكل فخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.