قال الخبير والباحث في المركز العالمي للدراسات الدولية ببرشلونة "CIDOB" فرنسيس جيلاس، إن زهاء 40 ألف باحث ومهندس جزائري يعملون حاليا لحساب كبريات مختبرات ومراكز البحث التابعة للمجمعات والشركات الاقتصادية العالمية في أوروبا، وقد تمكنوا خلال على امتداد العقود الثلاثة الماضية من تفعيل العديد من البرامج المستجدة وغير المسبوقة في قطاعات الطب وتكنولوجيات الاتصال والفلاحة والطاقة والبيولوجيا العضوية، في وقت ما تزال سلطات بلادهم في الجزائر متقاعسة ومتهاونة في تحفيزهم للعودة والمساهمة في المخططات والبرامج التنموية المحلية. ونقل فرنسيس جيلاس تصريح أدلى به مؤخرا مسؤول جزائري سام وصفه بالمؤثر والغريب أيضا عندما قال "هذا المسؤول"، إن الجزائر ليست بحاجة إلى أدمغتها، بل إلى مجموعة أساتذة فقط لتدعيم البرامج البيداغوجية لمؤسسات التعليم العالي والمعاهد العليا الأخرى، وأضاف فرنسيس جيلاس خلال مداخلة له أمس في أشغال ملتقى حول راهن وآفاق التعاون المغاربي نظم بمقر المدرسة العليا الجزائرية للأعمال "ESAA" بمبادرة من منتدى التفكير من أجل المؤسسة "CARE" بالتنسيق مع مؤسسة فريديريش نيومان، إن الكفاءات الجزائرية التي تنشط عمليا في كل القطاعات الاقتصادية الحيوية والاستراتيجية في أوروبا، أثبتت جدارتها وبامتياز في تحقيق العديد من المشاريع وتفعيل تكنولوجيات غير مسبوقة في العديد من القطاعات، مؤكدا أن عودتهم إلى موطنهم الأم سيختزل على الدولة أموالا كبيرة تنفق سنويا من أجل "نقل التكنولوجيا"، مؤكدا أن المتعامل الأجنبي لا يمنح كل تكنولوجياته، بل يحتفظ بألغازها وخباياها ويكتفي بنقل المعادلات السطحية فقط، لأن الأمر حسب فرجيس هو قضية "بزنس"، بمعنى "إدفع أكثر تنال أكثر"، موضحا أن الجزائر لديها فرص كبيرة لاستغلال طاقاتها البشرية الكفؤة في أوروبا من أجل تدعيم برامجها التنموية، وقد استدل ذات المتحدث بتجربتين رائدتين في مجال تحفيز الكفاءات للعودة إلى بلدانها الأم، الأولى في القارة الآسيوية "الصين"، والثانية في القارة الإفريقية "جنوب إفريقيا"، حيث شرعت الصين منذ منتصف ستينيات القرن الماضي في برنامج وطني لتحفيز الكفاءات للعودة، وقد استرجعت الصين أكثر من 200 ألف مهندس خلال عقد السبعينيات للمساهمة في تنمية البلاد، وفعلا حققت الصين ما عجزت عنه العديد من بلدان جنوب شرق آسيا عن تحقيقه على صعيد نقل التكنولوجيا التي اعتمد عليها لاحقا لتحقيق الطفرة الاقتصادية. أما جنوب إفريقيا وبمجرد إعلان سقوط نظام "الأبرتايد" في بداية تسعينيات القرن الماضي واعتلاء الحزب الوطني ANC الحكم، قامت السلطات المركزية في جوهانسبورغ باستدعاء الآلاف من خبرائها وعلمائها الذين أرغمتهم الحرب الأهلية على هجر الوطن، وفعلا تم استرداد العديد منهم بتحفيزهم وتشجيعهم وضمان البيئة والمحيط الملائم لمباشرة أعمالهم. وقال فرجيس إن ما يحدث في الجزائر من تعطيل أو تأجيل لاستقدام الكفاءات المهاجرة، مشابه أيضا لما يحدث في المغرب وبدرجة أقل تونس، مؤكدا أن الاتحاد المغاربي الذي تحول بفعل العديد من الأسباب إلى "لا اتحاد مغاربي"، موضحا أنه لا يمكن انتظار الوثبة في ظل استمرار هذا التعنت، لأن الإقلاع الاقتصادي للمنطقة مرهون بعودة الكفاءات المحلية وإقحامها في المشاريع الوطنية. قال مصدر في مكتب التوظيف الدولي ميكايل باج إنترناسيونال، وهو من أكبر مكاتب التوظيف الدولية، إن الشركات الأجنبية تضع كل الثقة في توظيف الكفاءات الجزائرية للإشراف وتسيير أعمالها بالجزائر نظرا لمستواها العالي، إذ نادرا ما تلجأ إلى عقد شراكة مع شركاء من خارج الجزائر لتسيير المشاريع التي تتابعها. ومعلوم أن الجزائر والصين هما نموذجان عالميان لإنتاج الكفاءات بالمواصفات الدولية، خاصة في ميادين الهندسة المعمارية والتكنولوجيات الميكانيكية والطب والاتصالات. وحسب ذات المصدر، فإنه لا يمكن للشركات متعددة الجنسيات توظيف إطارات محلية، خصوصا تلك الناشطة في مصر وبعض من دول الخليج العربي والشرق الأوسط عموما، حيث تفتقر وبشكل كبير للكفاءات، وفي هذه الحالة تلجأ تلك الشركات إلى توظيف مهندسين من أوروبا وتصدرها لإدارة المشاريع هناك، عكس الجزائر تماما، حيث تجد الشركات حاجاتها من الإطارات والكفاءات وبالقدر الكافي.