رغم ما يضفيه رمضان من سكينة ورضا في النفس على اعتبار أنه شهر التوبة والمغفرة، فإن هناك ظاهرة تسود بشكل كبير، وهي العصبية الزائدة، أو ما يسمى "الترمضينة" خلال نهار الصيام وكثرة المشاحنات بين الناس حتى لأتفه الأسباب وعندما تسأل عن السبب يردونه إلى الصيام رغم أن الصيام براء مما هم فيه من مزاج سيء وحالة عصبية والحقيقة أن الاعتياد على ممارسة بعض العادات الخاطئة خارج أيام رمضان، كالإفراط في شرب المنبهات، كالشاي والقهوة والتدخين وعدم تنظيم الأكل والإفراط فيه كلها عادات خاطئة نمارسها طيلة العام، وقد تستمر معنا في رمضان وننسى أنها من أهم الأسباب التي تؤدي إلى حالة «الترمضين»، فمن اعتادوا التدخين أو شرب المنبهات بكثرة، من قهوة أو شاي، غالباً ما يكونون سيئي المزاج أثناء فترة الصيام، فالمدخن الذي يواظب على التدخين يوميا ولمدة طويلة عندما ينقطع عن ذلك لبضع ساعات، تبدأ أعراض الحرمان في الظهور، حيث اعتادت عليه خلايا دماغه، فيشعر بالقلق وبالعصبية وبسرعة الغضب وبألم في الرأس وبعدم القدرة على التركيز وبانخفاض المزاج وبضعف الذاكرة وبمشاكل في النوم كما أن هناك إدمانا آخر بين الناس يتسبب، هو الآخر، في العصبية وسوء المزاج، وهو الإدمان على الكافيين، وهي المادة المنبِّهة في القهوة والشاي والكولا، ويتسبب الانقطاع المفاجئ عن الكافيين، مع طول ساعات الانقطاع، إلى الشعور بالكسل والخمول والعصبية وعدم الرغبة في العمل، وكلما زادت ساعات الانقطاع عن «الكافيين» إلى ساعات طويلة، كلما زادت حدة الألم، وكلها أعراض ناتجة عن الإدمان على التبغ والكافيين، وليست ناتجة عن الصيام إطلاقا، ذلك أن أثر الصيام على الأشخاص الطبيعيين الذين لا يعانون أي نوع من الإدمان يكون حصول هدوء نفسي وسكينة يؤثر السهر، بدوره، سلبا على المزاج نتيجة السهر لمتابعة البرامج والمسلسلات التي تتنافس في عرضها الفضائيات في هذا الشهر الكريم، مما يقلل ساعات الراحة والنوم التي يحتاجها الإنسان عادة لاستعادة نشاطه، فيأتي عليه النهار بمسؤوليات العمل والبيت مرهقا، لتكون ساعات النهار شاقة ومزعجة، لنقص النوم والراحة وليس بسبب الصيام، أما النوم مبكرا بعد صلاة التراويح والحرص على قيام الليل في الأسحار فيعطي نتيجة إيجابية في تحسين المزاج، ويؤدي ترك السحور إلى الإحساس بالجوع والعطش وإلى هبوط مستوى السكري في الدم بشكل يؤثر على مزاج الصائم، والحل هو بالتعجيل بالفطور والحرص على تناول وجبة السحور، كما جاء في السنة النبوية الشريفة، مع الحرص على اختيار غذاء متوازن للسحور والإفطار، حيث تساهم نوعية الأكل في تحديد مزاجه، فتناول وجبة غنية بالدهون صعبة الهضم يسبب اضطراب النوم ومزاجا سيئا عند الصباح، في حين أن تناول الأغذية النشوية، كالخبز والمعجنات والبطاطس، بالإضافة إلى الخضر والسكريات الموجودة في الفواكه، يساعد النوم الهادئ والمحافظة على مزاج معتدل خلال ساعات النوم وفي الصباح لتجنب حالة «الترمضينة» خلال أيام الصيام، يجب تجنب مسبباتها سابقة الذكر، وأولها التدخين، حيث يعتبر الصيام فرصة ذهبية لمن أرادوا الإقلاع عن التدخين أما من أدمنوا على الكافيين فيجب أن يخففوا تدريجيا من تناول القهوة والشاي والكولا، قبل حلول شهر رمضان، استعدادا للصيام، فهذا يقلل من نسبة الكافيين في الدم بشكل تدريجي، والذي يؤثر انخفاضه المفاجئ على الحالة المزاجية أثناء الصيام ويسبب وجع الرأس والعصبية، كما يجب الحرص على النوم مبكرا بعد صلاة التراويح، لأخذ القسط الكافي من الراحة ومن أجل الاستيقاظ قبل صلاة الفجر بمدة كافية لتناول وجبة السحور، مع اختيار مكوناتها بعناية، كأن تحتوي على نشويات وتمر وحليب أو خضر وفاكهة، لأنها تساعد على بقاء مستوى السكر في الدم عند النسبة الطبيعية لأطول فترة ممكنة، مما يساعد على إكمال اليوم بهمة ونشاط، مع تفادي سوء الحالة المزاجية والشعور بالجوع والعطش في وقت مبكر من نهار رمضان لقد أصبح من الواضح والجلي أن السبب في سوء المزاج والعصبية في رمضان هو العادات السيئة المتبَعَة خارج أيام الصيام، وأذكّر بأن امتلاك إرادة تغيير عاداتنا السيئة هو الحل الأمثل للحفاظ على سكينة وهدوء النفس طيلة أيام رمضان، هذا الشهر الكريم الذي تكون أجواؤه الروحانية مناسبة للتخلي عن عاداتنا السيئة يُلاحظ أن بعض الناس يستاؤون ويغضبون إذا دخل رمضان، وكم يتمنون مرور ساعاته وأيامه بسرعة، ويترقبون خروجه بتلهّف، لأنهم يرون أن فيه حرمانًا لأنفسهم من شهواتها وملذاتها، وقطعًا لمألوفاتها وكبحًا لرغباتها، ولأنهم يرون أن الصيام يسبب لهم التعب والإعياء والعطش، مما يقلل من عطائهم، ويُضعف جهدهم في أعمالهم، فترى أنفسهم قلقة، وصدورهم حرجة ضيقة، ووجوههم عابسة مُكْفَهِرَّة، يشكون ويتألمون، ولا يصومونه إلا مجاراة وتقليدًا للناس، وخوفًا من الفضيحة والعار، ولذا فهم يفضلون عليه غيره من الشهور، ويرونه كضيف ثقيل حل بهم يتمنون رحيله سريعًا، قال الرسول: ((فلا مر بالمنافقين شهر شر لهم منه)) رواه ابن خزيمة وعلى العكس من حال هؤلاء ينبغي للمؤمن أن يفرح ويُسَرَّ بقدوم رمضان، ويستبشر بحلوله، ويسعد بأيامه العظيمة، وينعم بلياليه الكريمة، وتطيب نفسه بمنافعه الجسيمة، قال الله سبحانه: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]، ويعقدَ العزم على صيامه أحسن صيام، وإكرامِه غاية الإكرام، ويحرص أن لا تفوته فرصُه وفوائده وخيراته، ويستعد لذلك أفضل استعداد، وليجمع لذلك من الزاد ما يؤهله ليكون أحسن من استفاد، وإذا أكمل صوم رمضان تمنى حلوله بشوق وتوق بعض الصائمين يغضَبون لأتفه الأسباب، فيسبُّون ويشتمون ويقولون فُحْشًا وقُبْحًا ومُنكرًا من القول وزورًا، ويتراشقون بالكلام الساقط، ويتشاجرون ويتخاصمون، ويخرج من أفواه بعضهم كلام قد يُخرج من الملة إلى الكفر، كسبّ الدين أو الرب سبحانه، وقد ينشب العِراك، وتسيل الدماء، وتسقط الأرواح، وهذا سلوك يتنافى مع أخلاق هذا الشهر الكريم، ومع ما هو مطلوب منا فيه من إمساك للسان عن اللغو والفحش وصون له عن البذاءة والصَّخَب، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي عن الصيام: ((فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يصْخَب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)) متفق عليه، وفي رواية: ((فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم)) مرتين، فينبغي للصائم أن يمسك لسانه عن القول الذي لا يرضي الله، وليكن عفُوًّا صفوحًا حليمًا، ولا يعبأ بعبارات الطائشين، ولا يستَخِفُّه أصحاب اللسان الآثم فيهلك مع الهالكين ومن المشهور عند الناس في رمضان أنه شهر السمر والسهر إلى ساعات متأخرة من الليل، فأغلب الناس يحيون ليالي رمضان في الملاهي والمقاهي وفي الشوارع والأرصفة، وفي الغفلة والقيل والقال والغيبة والنميمة والخوض في الباطل، وأمام شاشات التلفاز لمشاهدة القنوات الفضائية والانتقال من واحدة إلى أخرى بحثًا عن أغنية أو منظر أجمل أو متعة أكمل أو مسلسل أو فيلم أفضل، أو بحثًا في شبكة الإنترنت عن المواقع الإباحية ومواقع الرذيلة، وآخرون يلجؤون إلى لعب الورق والدَّامَّة وربما القمار المحرم، الشيء الذي يجعلهم يعوِّضون سهرهم بالليل بنوم النهار، مما يُضِر بأعمالهم، خاصة الموظفين منهم، فتراهم في مكاتبهم متكاسلين، تظهر عليهم علامات الخمول والإرهاق والإعياء، مما يقلل من عطائهم في العمل وإخلاصهم فيه، الشيء الذي يجعلهم يُخِلُّون بوظائفهم ولا يؤدونها على الوجه الأكمل، ويعطلون مصالح الناس، ويغلقون أبواب المكاتب في وجوههم، ويردونهم يومًا بعد يوم بدعوى تعب الصوم وإن رمضان يعرف قلبًا لحقيقته وتشويهًا لصورته من طرف الإعلام والقائمين عليه، حيث يعملون على تضليل الناس وإخفاء حقيقته في نفوسهم، إذ يملؤون برنامج هذا الشهر بالسهرات والحفلات والمسرحيات والأفلام ومختلف الفكاهات، وكأن رمضان شرع من أجل ذلك، وتفتح المقاهي والملاهي ودور السينما أبوابها مباشرة بعد الإفطار وعلى مدار الليل لجلب الناس وإتحافهم وإمتاعهم بسهرات رمضان الغنائية المسلية الملهية طلبًا للربح الوفير، ضاربين بعرض الحائط حرمة رمضان، حيث تختلط أصوات المؤذنين والمقرئين بأصوات المطربين والفنانين، وهذا منكر وضلال عظيم وفهم سقيم، والأولى للساهرين في التوافه أن يُشغلوا أنفسهم بذكر الله والاستغفار وقراءة القرآن والاستماع لدروس الوعظ والعلم، ومجالسة العلماء في المساجد، وحضور الندوات والمحاضرات التي تكثر في رمضان، ومتابعة البرامج النافعة في القنوات الفضائية، مما يزيد من فهمهم لأحكام الدين عامة وأحكام وآداب الصيام خاصة