يعاني سكان بلدية تاجنة بولاية الشلف من ظروف معيشية صعبة بسبب عزلة المنطقة وصعوبة المسالك المؤدية إليها، الامر الذي عطل مسار التنمية بها، وقد أعابوا في ذات الشأن الغياب المستمر للقائمين على شؤونهم، وهو ما جعل بعضهم يهجرون المكان إلى المناطق الحضرية فيما لازال الباقون يكابدون مرارة الفقر والحرمان بالبلدية التي اعتبرها أهلها مقبرة منسية. بلدية تاجنة التي تعد من البلديات النائية أنشئت وفق اللتقسيم الاداري الاخير، وتبعد عن مقر الولاية بحوالي 45 كلم من الجهة الشمالية الغربية بكثافة سكانية تتجاوز ال21 ألف نسمة موزعين على 16 تجمعا سكانيا، هي عبارة عن قرى ومداشر يعاني سكانها حاليا وضعية صعبة للغاية نتيجة ما أسموه العزلة والتي دفعت ببعضهم إلى النزوح نحو عاصمة البلدية أين أقاموا بيوتا قصديرية حول نسيجها العمراني تاركين وراءهم ممتلكاتهم بعد تخليهم عن نشاطاهم الذي يعد مصدر رزقهم، خاصة في ميدان الفلاحة وتربية المواشي مما انعكس على حياتهم المعيشية حيث طالت البطالة أغلب شباب المنطقة مقابل عجز السلطات المحلية للبلدية على التكفل بهم نظرا لمحدودية إمكاناتها . في جولة استطلاعية قادتنا إلى شوارع البلدية أين كانت أنظار القاطنيين مصوبة نحونا، مما يدل على يقظة السكان استوقفتنا عدة مشاهد طبعت المنطقة وأهاليها وأثارت في نفوسنا عدة تساؤلات. تنمية بخطى السلحفاة تعرف تاجنة تأخرا واضحا في مجال التنمية على كافة المستويات وبشكل خاص بقطاع السكن أين سجلت مشاريع قليلة طيلة السنوات الماضية، إذ لم تستفد منها إلا ب 40 وحدة سكنية اجتماعية إيجارية ، وهو رقم ضعف بالنظر إلى العدد الهائل من طلبات السكن المودعة، فيما ترجع الجهات المسؤولة هذا الضعف إلى انعدام المساحات العقارية التي يمكن أن تنجز عليها مشاريع من هذا النوع باعتبار أن أغلبية أراضي البلدية ذات طابع فلاحي ، وهو ما طرح مشاكل عدة خاصة لسكان تاجنة مركز حيث يقطن أغلبها ببنايات تعود إلى العهد الاستعماري وتأوي بعضها أكثر من 10 أفراد في شقق متكونة من غرفتين حسب ما أكده بعض المواطنيين "للوطني" وهو نفس العجز المسجل بالنسبة لمشاريع السكنات الريفية التطورية أين خصصت في معظم الحالات لاعادة إسكان العائلات النازحة نحو مركز البلدية بمحو أو نسيان بعض ملامح الفقر التي تميز هذه المنطقة، لكن ظلت على نصبها –يضيف محدثونا- بل ازدات تعقيدا بمجرد عودتها والعديد من التجمعات الفوضوية بنيت دون التزويد بشبكات الماء الشروب والصرف الصحي لاسيما بدواوير ظهر المداح وسيدي عيسى، الامر الذي يعرض الكثير من القاطنين هناك إلى أخطار الامراض المستعصية ولهذا طالبت العائلات بالتفاتة السلطات قبل فوات الاوان و إحياء المنطقة عن طريق إدماجها ضمن البرامج التنموية. كما يعاني قاطنو عدد من المداشر من أزمة المياه الصالحة للشرب بالرغم من أن البلدية تزود من أربعة محطات انطلاقا من بلدية الهرانفة المجاورة والتي تتعطل باستمرار وبشكل خاص خلال فصل الصيف أين يكثر الطلب على هذا العنصر الضروري للحياة، مما يضطر سكان قرى سيدي زيان، العياشيش وياشير للجوء إلى جلب المياه عن طريق الصهاريج المحمولة بواسطة الشاحنات والتي تكلفهم أثمانا باهضة للغاية أثقلت كاهلهم على حد تصريحاتهم للجريدة. كما يشتكي السكان من الاهتراء الذي أصاب معظم الطرقات المتواجدة بالبلدية بالرغم من حداثة بعضها ما هو الحال بالنسبة للطرق المؤدية إلى البلديات المجاورة كأبوالحسن،مصدق،بوزغاية، والهرانفة باستثناء الشارع الرئيسي المؤدي إلى مكاتب مسؤولي البلدية وكذا الطريق الذي يربط هذه الاخيرة بمنطقة العياشيش المتواجد بها مسكن رئيس البلدية حسب مصادرنا بينما تفتقد بقية الدواوير والمداشر أبسط المرافق الضرورية للحياة. ومن بين المشاريع التي تحدث السكان عنها وجود غش كبير بها ما أدى إلى استنزاف أموال كبيرة من خزينة الدولة للطريق الرابط بين مقر البلدية وبلدية بوزغاية الذي أعيد تهيئته مؤخرا مع العلم أنه خضع لنفس أشغال التهيئة منذ سنوات فقط، وهو نفس الوضع المسجل على الطريق الرابط بين مقر البلدية بمقر دائرة أبو الحسن، حيث توجد به عدة نقائص في ظل تواطؤ بعض الاطراف وغيابهم عن أعين المراقبة حسب محدثينا، مما تسبب في استنزاف أموال الدولة فضلا عن إنشاء مشاريع المقاولين غير مؤهلين ولا يتوفرون على الامكانيات اللازمة لانجاز مثل هذه المشاريع في ظل تواطؤ المسؤولين بعد شراء ذممهم بمختلف الطرق والوسائل. وقد اعترف السكان في ذات السياق بمجهودات الدولة في رصد أموال إضافية لتحسين مستواهم المعيشي، غير أن سوء التسيير يصرف هذه الميزانية على نفس المشروع عدة مرات. وهوسبب فشل المشاريع التنموية بمختلف الاحياء سيما حي عباس، و حي منور بطيش، مما يساهم في استمرار فرض عزلة المناطق النائية مثل ظهر المداح، سيدي عيسى عجاب، سيدي زيان وغيرها والتي تفتقد إلى أبسط ضروريات الحياة كالمياه الصالحة للشرب والطرقات الكهرباء إضافة إلى التوزيع غيرالعادل للسكنات الريفية التي استفاد منها أقارب المسؤولين حسبما أكده محدثونا، وميسوري الحال من بينهم المهاجرين الذين شيدوا منازل ذات طوابق وقد اتهموا في هذا الاطار مسؤولي لجنة التوزيع الموجودة على مستوى دائرة أبو الحسن والتي شهدت عدة فضائح منها توقيف مؤخرا عضو بها وهوممثل بمديرية الفلاحة في حالة تلبس بتلقي الرشوة مقابل إدراج الضحية بقائمة المستفيدين من إعانات السكن الريفي . وقد شدد محدثونا على ضرورة إيفاد لجنة تحقيق لمعاينة التجاوزات الخطيرة التي يرتكبها المسؤولون سواء بالبلدية أو بدائرة أبو الحسن، مما ترتب عن هذه الوضعية انتشار كبيرا للبناءات القصديرية بمحيط البلدية وأغلبهم اضطر إلى إقامة مسكنه بالزنك والطوب تحت ضغط المشاكل الاجتماعية بفعل أزمة السكن. أزمة النقل تسببت في رسوب المتمدرسين وعن النقل المدرسي فهو ينعدم بشكل تام، مما جعل تلاميذ المداشر يقطعون كيلومترات عديدة بحثا عن التعليم كما هو الامر بالنسبة لتلاميذ منطقة عين السلطان أين يجبر الاطفال على قطع حوالي 4كلم صباحا وأخرى في المساء مشيا على الاقدام،وتتضاعف معاناتهم خلال فصل الشتاء. كما يعد هذا الغياب للنقل المدرسي من الاسباب الرئيسية التي تدفع بالاولياء إلى توقيف أبنائهم عن الدراسة، خاصة فيما يتعلق بالبنات، بالاضافة إلى انعدام التدفئة بالمدارس بهذه التجمعات السكانية المعروفة لظروفها المناخية القاسية، وعجز البلدية عن تسييرالمؤسسات التربوية حال دون الاهداف المسطرة من حيث الجانب البيداغوجي ، قال المتحدثون متسائلين في نفس الاطار كيف نوصل العلم إلى تلاميذ أنهكهم الجوع وزادتهم قساوة الطبيعة ظلما،علما أن معظم المؤسسات التربوبة لاتتوفر على مطاعم مدرسية كما هو الشأن بدوار عجاب وسيدي زيان، ما يجبر المتمدرسين الذين يقطنون بعيدا على البقاء في الشارع جائعين، ويتكررالسيناريو يوميا طيلة العام الدراسي. يظل أملهم كبير خلال هذا الدخول المدرسي الجديد بإيجاد آذان صاغية لانتشال أطفالهم المتمدريسن من الضياع. ومن جهة أخرى أثرت الظروف القاسية على مردود التلاميذ فيظل الاكتظاظ الحاصل على مستوى الاقسام بمختلف الاطوار وكذا الحالة التي توجد عليها أغلب المؤسسات التربوية بالبلدية وبالاخص أنها عبارة عن بناءات جاهزة وهي في طريق التعويض كإكمالية "محمد خلفاوي" بالاضافة إلى أنها أصبحت مهددة بعامل انجراف التربة على غرار باقي الاكماليات الاخرى التي باتت تهدد الجدار الواقي من هذه الظاهرة. القطاع الصحي مريض بتاجنة ومن جانب آخر، يعرف قطاع الصحة نقصا فادحا حيث يشتكي معظم سكان المناطق النائية بتاجنة من انعدام الخدمات الصحية الضرورية سواء باستمرار غلق قاعات العلاج أو انعدام أدنى وسائل الاستشفاء حيث لاتتوفر البلدية سوى على عيادة متعددة الخدمات تنتظر الترميم منذ سنة 1991، وبعد التشققات التي أصابت أجزاء منها مما جعل العاملين بها يرفضون مزاولة نشاطهم بها أصبحت الخدمات الصحية التي تقدم بصفة مؤقتة في مبنى ضيق موروث عن عهد الاستعمار مع عدم صلاحيته لاستقبال المرضى وعلاجهم، وهو ما طرح متاعب جمة لدى السكان تجبرهم على قطع مسافة طويلة تصل إلى 6 كلم ذهابا وإيابا لتلقي أبسط الخدمات الصحية، أما النساء الحوامل فهن معرضات لخطر الموت في كل لحظة لان الحالات المستعجلة يتطلب نقلها إلى مستشفيات الشطية أو الشلف على مسافة 40 كلم أمام العجز المسجل في القطاع ، بالاضافة إلى ضيق المكان وقلة التجهيزات كما يوجد داخل هذا المكان المخزن البلدي للاسمنت، وهو ما يتسبب في تصاعد الغبار وضجيج الشاحنات، الامر الذي بات يؤثر على المرضى. كما يعاني المركز الصحي من الاكتظاظ الخانق للوافدين إليه بالمقابل نقص في المياه الصالحة للشرب حيث تقوم البلدية بإيصال الصهاريج له، إلى جانب الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي وتعطل سيارة الاسعاف، ولم يخف محدثونا تخوفهم من تعرضهم إلى نفس المصير المأساوي الذي وقعت ضحيته عدة حالات مرضية من قبل حسب شهادات محلية. أراضي فلاحية التهمها الاسمنت المسلح وفي نفس السياق، أدت وضعية نزوح بعض سكان دواوير البلدية إلى مقرها إلى زحف الاسمنت المسلح على عشرات الهيكتارات من الاراضي الفلاحية الخصبة، كماهو الشأن بالجهة الشمالية للبلدية، حيث استولى البعض على مساحة واسعة من أراضي تابعة لمستثمرة فلاحية خاصة لتغطية الارضية المطلة على واجهة الطريق المؤدي إلى بلدية مصدق مع تواطؤ بعض أصحاب المستثمرة الذين قاموا ببيع مساحات منها بطريقة غير قانونية، كما اختنقت مساحات واسعة بالمدخل الشرقي للبلدية كانت مغروسة بالكروم التي أصبحت في طريق الانقراض في ظل تشييد مساكن عديدة خاصة مقابل الثانوية الجديدة التي أنجزت منذ أربعة سنوات. البطالة في تزايد مستمر ومنحى الانحراف في ارتفاع ومن جهة أخرى ، يعاني شباب البلدية من انعدام فرص العمل على مستوى تراب هذه الاخيرة في مختلف الانماط في ظل انعدام مشاريع خاصة بالشباب من شأنها استحداث فرص التشغيل، فلا بديل عن الفلاحة وحتى هذا النشاط يقولون أصبح محفوفا بالمشاكل التي تتصدرها قلة وسائل السقي في ظل ضعف إمكانيات المواطنين الذين حرم معظمهم من الدعم الفلاحي لاسباب إدراية بالدرجة الاولى، بالاضافة إلى افتقارها إلى مركز التكوين المهني، مما يعرض المتسربين من المدارس إلى خطر الانحراف. أمام الفراغ القاتل خاصة في ظل قلة المرافق الرياضية والترفيهية الكفيلة بسد فراغ هؤلاء الشباب هذه المشاكل وغيرها جعلت من تاجنة حبيسة التخلف والعزلة بالرغم من الامكانيات الفلاحية والطبيعية التي تتوفر عليها. وقد ناشد سكانها ممن التقينا بهم السلطات الولائية الالتفاتة إلى بلديتهم بعين الرحمة باعتبارها عانت من ويلات الارهاب الذي أجبرها على العيش في ظل مخلفاته والاخذ بانشغالات الشباب في اقرب الآجال.