حملت عملية سحب الثقة من رئيس بلدية وهران تناقضات مثيرة للجدل السياسي، فهي جاءت من غالبية المنتخبين الذين ينتمون إلى حزب جبهة التحرير الوطني، الذي ينتسب إليه مير وهران، وهذا يكرس شرخا كبيرا في تشكيلة عبد العزيز بلخادم بغرب البلاد، كما تؤكد أن الأحزاب السياسية لازالت مكتفية ببرامج القمة، في حين تنعدم لديها برامج سياسية في القاعدة. المثير أيضا أن سحب الثقة من رئيس بلدية وهران يؤكد إنعدام الجدوى من كافة التغييرات التي جرت على مستويات عدة، بدء من سلك الولاة مرورا بالأمناء العامين إلى رؤساء الدوائر كما أن تفتح سحب الثقة من رئيس بلدية وهران وهي أكبر بلديات الوطن، باب الهزات الإرتدادية في باقي بلديات الوطن، بعد أسابيع من التغييرات التي مست سلك الولاة والأمناء العامين للولايات والمدراء ورؤساء الدوائر والمصالح، مما يؤكد أن الخلل الحقيقي سيظل كامنا في الخلية الأولى، التي تتكون منها مؤسسات الدولة، ممثلة في المجالس البلدية، التي لازالت بعيدة كل البعد عن الإصلاحات العميقة، برغم الحديث الدائر بشأن تعديل قانون البلدية المرتقب عرضه أمام المجلس الشعبي الوطني، وفي غياب إصلاحات جوهرية على مستوى قانوني البلدية والإنتخابات، تبقى كرة الفساد تتدحرج على المستوى القاعدي لتستقطب كافة الإختلالات القائمة على مستويات عديدة، مما يؤثر بشكل مباشر على السير الحسن لمصالح وشؤون المواطنين. كما أن مسؤولية الأحزاب السياسية أكبر، باعتبار أن همّ قياداتها أصبح اليوم في كيفية الفوز بمقاعد البرلمان، فهي تحضر برامج للقمة وتغفل عن القاعدة. المجالس الشعبية البلدية حسب كافة التجارب السابقة، بدء من أول إنتخابات تعديدية في الجزائر سنة 1997 إلى غاية محليات 2007، ظلت تشكل القاعدة الخلفية لكافة فضائح الفساد والمفسدين، بتورط مئات المنتخبين في قضايا تحيول العقار والتلاعب بالصفقات والمال العام والنهب المقنن لأملاك الدولة، وهو ما لا يمكن حدوثه في مستويات أخرى بالقدر الذي يحدث في البلديات، كما أن حجم الفساد على مستوى المجالس الشعبية البلدية، يرتبط إرتباطا وثيقا بين السياسة والمال، وهو ما يجعل الأحزاب السياسية لدينا في موقع المتهم الرئيس، حيث إنها لا تتحرى الدقة في إنتقاء مرشحيها الذين يخضعون لقوانين غير معلنة، ترتبط بالولاء للأشخاص أو الهيئة التنفيذية والنفوذ والمال، بينما تبقى المهارة السياسية والكفاءة والقدرة على التسيير، من آخر المقاييس برغم الإهتمام الزائد بالمستوى الدراسي، وحالة رئيس بلدية وهران تؤكد صحة هذا الطرح، فهو جامعي متحصل على شهادة الدكتوراه، لكن هذا ليس مقياسا أساسيا فيما يتعلق بتسيير المجالس البلدية، التي تتطلب قدرا عاليا من المهارات السياسية .تعديل قانون الإنتخابات ووضع شروط تحمل الأحزاب السياسية وزر إنزلاقات المنتخبين، من شأنه ضبط قواعد الترشح، وإبعاد عوامل المال والنفوذ من كافة الإعتبارات في الترشح، بتحميل الأحزاب السياسية التبعات القانونية أو جزء منها، لما قد يبدر من إنزلاقات قانونية بحق منتخبيها، كل هذا من شأنه وقف النزيف الذي ينخر مؤسسات الدولة، خصوصا وأن التجارب السابقة، أكدت أن فساد المنتخبين سرطان خطير على جسد المؤسسات، برغم تغيير الولاة والأمناء العامين ورؤساء الدوائر والمسؤولين في مستويات أخرى، فان الخلل سيظل قائما، مادات الإصلاحات والتغييرات تستثني المجالس الشعبية البلدية.