مباشرة بعد احتلال العراق، بدأت أمريكا تفكّر في إنشاء دول محورية جديدة في إطار ما كانت تُسمّيه في البداية بالشرق الأوسط الكبير، وبعدها بالشرق الأوسط الجديد، فكان أن وقع الإختيار على دُويلة قطر، لتُعوّض المملكة العربية السعودية، وأقامت بها أكبر قاعدة عسكرية تضم القيادة الوسطى للقوات الأمريكية، كما راهنت الإدارة الأمريكية على الجزائر لتحوّلها إلى بلد محوري في شمال إفريقيا، من خلال اقتراح إيوائها للأفريكوم، لكن محاولات الإدارة الأمريكية باءت بالفشل، بل ولم تتمكن إلى يومنا هذا من إيجاد دولة مجاورة للجزائر لاحتضان قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا، بسبب صلابة الموقف الجزائري، ومُمانعته، واليوم نرى كيف أن هذه الدّويلة القطرية، أصبحت تستأسد على بلدان عريقة كالجزائر وسوريا وحتى مصر والسعودية وغيرها . فقطر التي أصيبت بوباء التعالي والكبرياء، ولم تُصدّق إلى يومنا هذا أن مسؤوليها أصبحوا يلاقون رؤساء أمريكا والبلدان الأوروبية وحتى كبار المسؤولين الصهاينة، جرّها الغرور إلى لعب أقذر وأوسخ الأدوار، بإسهامها عبر قناتها المُتصهينة بامتياز، لتدمير دولا عربية عديدة، وخلق القلاقل بأخرى، فكان أن زرعت الفتنة في اليمن، وركبت موجة الثورة في كل من تونس ومصر، وقادت رفقة شقيقتها الإمارات أكبر حملة صليبية ضدّ الشعب الليبي، ونجحت في ضمان السيطرة بغالبية الدول التي عصف بها الربيع العربي، لجماعات متشددة يقودها علماء الفتنة المتواجدين في الدوحة، من أمثال الفقيه -في غير شرع الله- يوسف القرضاوي، وحاولت بكلّ الوسائل إحياء بذور الفتنة في الجزائر، لكنها صُدمت بردّات فعل الجزائريين، الذين هجموا على موقع فضائيتها الجزيرة على الأنترنيت، ووجّهوا لقطر بذلك، رسالة قوية وصريحة، بأنه لا مجال للعب في الميدان الجزائري للصغار، والظاهر أن قطر التي تقزّمت في الجزائر، لا تزال تكنّ الحقد الدفين على المواقف الجزائرية، التي أخلطت حساباتها في ليبيا وعرقلة مشاريعها لتقديم سوريا على طبق من ذهب لأمريكا وحلفائها من الغربيين والصهاينة، فقد روّجت العديد من المواقع الإعلامية خبر تحذير رئيس الحكومة القطرية للمندوب الجزائري من الوقوف ضد مشروع قرار الجامعة العربية ضد سوريا، وحصلت مشادة بينه وبين الشيخ حمد، حيث قال المندوب الجزائري "إن قطر هي رأس حربة في المشاكل التي تتعرض لها الأمة العربية". فرد عليه حمد "سيأتي الدور عليكم"، هذه الحادثة كذّبها سفيرنا في لبنان، لكن البعض يرى في التكذيب مجرّد التفاف دبلوماسي من الجزائر على الحادثة، حتى لا تنفلت الأمور نحو الأسوأ، خاصة وأن همّ الجزائر آنذاك، كان يتمثل في إجهاض المسودة القطرية التي كانت تبتغي تجميد عضوية سوريا وفرض عقوبات عليها، وهذا أمر يمكن تفهمه من قبل الدبلوماسية الجزائرية، التي تنظر بعين بعيدة للأمور، وهو ما حدث فعلا، حيث بدأت مواقف العديد من الدول تُسجّل تراجعا ملحوظا بخصوص قرار الجامعة العربية، وثبت بذلك أن الموقف الجزائري قد أخلط الأوراق القطرية، وأن الجزائر التي رفضت لعب دور البلد المحوري المُقاول لأمريكا، باتت تلعب أدوارا محورية في المنطقة العربية لصالح القضايا المصيرية للشعوب العربية، وأن نظرتها للأحداث لا تنبني إلا على مصالح هذه الشعوب لا غير، فالإخوة في ليبيا، ورغم إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، لم يهتدوا إلى يومنا هذا إلى الوسائل التي تكفل إعادة بناء الدولة الليبية ووقف الإقتتال بين القبائل والجهات، كما أن تونس ومصر أصبحتا تسيران بدون بوصلة توجيه، لأن اليد القطرية عبثت في الساحة السياسية بهذين البلدين، لتمكين جهات موالية لها من التحكم في السلطة، وقد تنجح دُويلة قطر إلى حدّ بعيد في تنصيب الموالين لها في بعض البلدان العربية، لكنها لن تضمن سلامتهم على الإطلاق، كما أنها بمقاولتها وعدائها للشعوب العربية، قد تُؤلّب الجميع ضدّها، فتجد نفسها معزولة للغاية، خاصة بعد فشل مغامراتها ومؤامراتها في سوريا، وإذاك لن يبقى لأمراء قطر سوى الإستنجاد بإسرائيل وأمريكا لوضع قطر تحت حمايتهما، ونقول ذلك لأن حكام قطر، لا يعون ربّما أن ما يقومون به من تآمر سوف ينقلب عليهم كما ينقلب السحر على الساحر، وأنهم وبصفتهم القزمية، لا يمكن أن يلعبوا من دور إقليمي سوى دور البيادق، وأن التحكم في مجريات اللعب يُحدّده الكبار دائما، ونعني بالكبار، الدول الكبيرة بتاريخها وحضارتها وشعبها كالجزائر وسوريا واليمن ومصر والسعودية.. أمّا صغار قطر فالخوف أن تدوسهم أقدام الكبار وتمحيهم من الساحة.