هو شاب في مقتبل العمر، حرم منذ ولادته من حنان أمه الألمانية التي ارتبط بها والده الجزائري عندما كان في مهمة عمل، إلا أن الأقدار شاءت أن ينفصل الوالدان عن بعضهما ليكون الشاب طارق ضحية، وهو يتمنى اليوم مساعدة من السؤولين لرؤية أمه التي لم يرها منذ 22 سنة، وقد ازدادت حرارة هذه الرغبة بعد تخرجه من الجامعة، وفشله في اقتحام الحياة العملية. طارق، الذي تطرقت "النهار" إلى أسباب اعتناقه المسيحية، كشف لأول مرة عن خلفيات وجوده في الجزائر بعد أن تم تهريبه من طرف والده داخل حقيبة يدوية وعاد به إلى الجزائر على متن باخرة من مرسيليا سنة 1986 وعمره لم يتجاوز السنتين، ليبدأ حياة أخرى ظلت مرتبطة بصباه وولادته. والدي هربني إلى الجزائر في حقيبة يد يقول طارق، وهو يحاول استحضار أهم محطات قصته مع القدر، "تزوج والدي عندما كان مقيما في ألمانيا من والدتي، "ميلان لوري"، وأنجبت في أول الأمر شقيقتي "تاتيانا" سنة 1982، وعقبها عاد والدي إلى فرنسا وتحديدا إلى، سانت إتيان، لتحتضن هذه المدينة الكبيرة ولادتي سنة 1984، وبعد سنتين تقريبا، أي سنة 1986، ومع بروز خلافات حادة بين الأب والأم، التي رفضت الدخول إلى الإسلام، فهي من جنسية ألمانية وتعتنق الديانة المسيحية، وبدل لجوء والدي إلى الطلاق الذي يحرمه من حضانة الأولاد قرر مغادرة التراب الفرنسي فكانت العودة إلى أرض الوطن على متن باخرة إلى الجزائر العاصمة، حيث تم إخفائي داخل حقيبة يدوية، ومباشرة من الجزائر عاد الأب إلى مسقط رأسه بتبسة. بعد سنوات قرر والد طارق الزواج للمرة الثانية، وله حاليا ولدان، طفل وبنت، يقيمان بحي الجرف بمدينة تبسة، ورغم خوضه لظروف مهنية وعيش جديدة، وتوسع عائلته، فإنه لم يبخل عليه ولده في التكفل به قدر المستطاع، خاصة متابعة دراسته إلى غاية تخرجه من جامعة الجزائر سنة 2006 بشهادة ليسانس، لكن الحظ لم يحالفه في إيجاد منصب عمل بل وجد كل الأبواب مغلقة. البطالة، التهميش، وفوديافا.. الطريق نحو الكنيسة وبين هذا وذاك، كان طارق يحاول كسر الطوق المضروب على طموحه وآفاقه الواسعة الممتدة إلى ما وراء البحر، فكان من حين لآخر يجد في شبكة الأنترنت ملاذا نفسيا، كغيره من الشباب، الذين يئسوا من حالة الفراغ ويعيشون هوس الهجرة ولو على حساب كرامتهم أو حتى حياتهم، وإن كان طارق مخالفا لهذه الزيجات باعتباره شابا يحمل في ذاته عدة هويات بحكم جنسية أمه الألمانية، ومولده في فرنسا، ورابطة الدم الجزائرية. وبينما كان صاحبنا يخوض في البحث عن خيط رفيع يقوده إلى أمه أو أي شخص أو طرف يعرفها، تعرف على فتاة روسية تدعى "فوديا فا "، تبلغ من العمر 27 سنة، وتعمل مدرسة في روضة للأطفال بالعاصمة الروسية، موسكو، وبعد تطور العلاقة ورسوخها اشترطت عليه اعتناق المسيحية لأجل الزواج منها، وقد تزامن ذلك مع خيانة خطيبته له وحودث الطلاق منها قبل الدخول. وهو حبيس الوضعية النفسية والاجتماعية والمهنية المضطربة، واصل طارق تواصله عبر تبادل الآراء والأفكار التي تدعو إلى المسيحية، ودون وازع ديني أو من يرشده ويأخذ بيده تعمقت اتصالاته مع العديد من المراكز المسيحية في العالم، ومنها تسجيله في المركز العالمي للتبشير في بولونيا ومركز آخر بالولايات المتحدةالأمريكية عن طريق الانترنيت، حيث وجد كل الدعم والمساندة والترحيب، وطلبوا منه التوجه إلى الكنائس الموجودة بالتراب الوطني لتعلم الإنجيل، وهو ما حدث بالفعل بالكنيسة البروتستاتينية بولاية بجاية، هناك استقبل من طرف المشرفين عليها وقدموا له كل المساعدات ليحققوا له حلمه مع "فوديا فا" والتي ستزوره خلال الصائفة المقبلة قصد الزواج والتوجه معا إلى روسيا. لا ذنب لي فيما حدث.. ولن أسيء إلى الجزائر يتوقف الشاب طارق عند هذه المفارقات للحظات يحاول جمع شتات أفكاره ورزانته، في وقت تسللت دموعه بحرارة دون إذن منه، ويقول عن وضعه الحالي "ظروفنا الاجتماعية جد مزرية، والأب حاليا يشتغل في الفلاحة بإحدى مناطق تبسة، ولا يزورنا في الشهر أكثر من مرتين أو ثلاثة، حيث أصبحت المعيل والمكلف بالأسرة داخل كوخ مغطى ب "الترنيت "، يفتقر إلى أدنى متطلبات الحياة". ويضيف متحدثا عن والدته التي أضحت مجرد ذكرى وحلم فقط "لا ذنب لي في ما حدث، لقد اتصلت بقنصلية فرنسا بولاية عنابة، وفي آخر مرة تلقيت ردا بتاريخ 24 جويلية 2007 تحت رقم 9385، أكدوا من خلاله أنه لم يتم العثور على أية معلومة تخص والدتي، التي من الواضح أنها غادرت فرنسا نحو مسقط رأسها ببرلين أو دولة أخرى". الشاب طارق، أمله الوحيد اليوم وغدا العثور على والدته، ومغادرة التراب الوطني للارتماء في أحضانها الدافئة، وقال معلقا "بما أنني أحمل جنسية مزدوجة فلن اختار الحرڤة أو سلوكا يسيء للجزائر التي تبقى في القلب".