الاعتكاف هو لزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلى الله تعالى؛ وأقله لحظة، ويستحب ألا يقل عن يوم وليلة.وهو سنة في جميع الأوقات، فقد روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قد اعتكف العشر الأُوَلَ من شوال، وهو سنة مؤكدة في رمضان وفي العشر الأواخر آكد، اقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وطلباً لليلة القدر، يدل على ذلك فعله صلى الله عليه وسلم ومداومته عليه تقرباً إلى الله وطلباً لثوابه فقد كان يعتكف في رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً؛ ولقوله: “من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر” أي من شهر رمضان، ويدل على ذلك أيضاً اعتكاف أزواجه معه وبعده، ويرى الحنفية أن معنى سنة مؤكدة أي سنة كفاية في العشر الأواخر من رمضان فإذا قام بها بعض المسلمين سقط الطلب عن الباقين فلم يأثموا بالمواظبة على الترك بلا عذر؛ ولو كان فرض عين لأثموا بترك السنة المؤكدة إثماً دون إثم ترك الواجب.ويصبح الاعتكاف واجباً إذا نذره المسلم على نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم: “من نذر أن يطيع الله فليطعه” وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أوف بنذرك”.ويصح الاعتكاف من الرجل والمرأة والصبي المميز، ويشترط للمتزوجة أن يأذن لها زوجها، وأن تستتر في مكان لا يصلي فيه الرجال لفعل عائشة وحفصة وزينب في عهده صلى الله عليه وسلم؛ قال أحمد - رضي الله عنه-: يعتكفن في المساجد ويضرب لهن فيه بالخيم.والحكمة من الاعتكاف أن فيه تسليم النفس بالكلية إلى عبادة الله طلباً للزلفى وإبعاد النفس من شغل الدنيا التي هي مانعة عمل يطلبه العبد من القربى، وفي استغراق المعتكف وقته في الصلاة لأن المقصد الأصلي من مشروعية الاعتكاف هو انتظار الصلاة في الجماعات، وفيه يشبه المعتكف نفسه بالملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ويسبحون الليل ولا يفتُرون.وللمعتكف قطع اعتكافه المستحب متى شاء. ويبطل بالخروج من المسجد لغير حاجة؛ فقد روت عائشة رضي الله عنها أن النبي- صلى الله عليه وسلم - لم يكن يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً، لكن إذا طال خروجه فقد بطل الاعتكاف ولأن الاعتكاف عبادة فلا بد من تجديد النية إن عاد إلى المسجد.ويستحب للمعتكف أن يكثر من نوافل العبادات فيشغل نفسه بالصلاة وتلاوة القرآن والاستغفار والذكر والدعاء والصلاة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويستحب أيضاً اجتناب ما لا يعنيه من جدال ومراء وكثرة كلام وغيره، لقوله - صلى الله عليه وسلم - “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”ويكره له فضول القول والعمل فينبغي له ألا يتكلم إلا بخير؛ ويكره له أيضاً الانشغال بغير العبادة فإن رسول الله صلى عليه وسلم كان يعتكف ولم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادة.ولا يصح اعتكاف الرجل إلا في المسجد لقوله تعالى: “وأنتم عاكفون في المساجد”، وللاتباع فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعتكف إلا في المسجد، ويجوز للمرأة أن تعتكف في بيتها.وخير المساجد للاعتكاف فيها المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى لفضل العبادة في هذه المساجد على غيرها لقوله صلى الله عليه وسلم “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى”، وعن فضل الصلاة فيها قال صلى الله عليه وسلم “صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه”، وعن المسجد الأقصى قالت ميمونة بنت سعد رضي الله عنها: يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس، فقال: “أرض المنشر والمحشر إيتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه” قالت: أرأيت من لم يُطِق أن يتحمّل إليه أو يأتيه؟ قال: فليهدِ إليه زيتاً؛ فإن من أهدى له كان كمن صلى فيه.