الاعتكاف هو لزوم المسلم مسجداً مُباحاً لكلّ النّاس لا المهجور، بصوم، بنية العبادة، فلا يصحُّ بغير صوم، أيّ صوم كان، فرض أو نفل، من رمضان أو غيره، ويبطل بالجماع ومقدّماته، ليلاً أو نهاراً، وأقلّه يوم وليلة أو نهاراً. ويستحب عشرة أيّام لاعتكاف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في العشر الأواخر من رمضان وأكثره شهر، وتكره الزيادة عليه، بقصد العبادة. الاعتكاف قُربة ونافلة من نوافل الخير، ومندوب إليه بالشّرع أو مرغّب فيه شرعاً للرجال والنّساء، ولاسيما في العشر الأواخر من رمضان، ويجب بالنذر. وأدلة مشروعيته في الكتاب والسُنّة والإجماع: فأماّ الكتاب: قول الله تعالى: {ولا تُباشروهنّ وأنتُم عاكفون في المساجد} البقرة: 187، وقوله تعالى: {أن طهِّر بيتي للطّائفين والعاكفين} البقرة: .125 وأمّا السُنّة: ما رواه ابن عمر وأنس وعائشة رضي الله عنهم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، منذ قدم المدينة إلى أن توفّاه الله تعالى''متفق عليه. وعبارة الصّحيحين: ''أنّه صلّى الله عليه وسلّم اعتكف العشر الأواخر ولازمه حتّى توفّاه الله تعالى''، ثمّ اعتكف أزواجه من بعده. قال الإمام الزُّهري رحمه الله: عجباً من النّاس! كيف تركوا الاعتكاف ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل الشيء ويتركه، وما ترك الاعتكاف حتّى قبض. وأمّا الإجماع: فقد أجمع العلماء على أنّه مشروع. ويهدف الاعتكاف إلى صفاء القلب بمراقبة الله عزّ وجلّ، والإقبال والانقطاع إلى العبادة في أوقات الفراغ، متجرّداً لها ولله تعالى، من شواغل الدنيا وأعمالها، ومسلّماً النّفس إلى المولى بتفويض أمرها إلى عزيز جنابه، والاعتماد على كرمه والوقوف ببابه، وملازمة عبادته في بيته سبحانه وتعالى، وهو من أشرف الأعمال وأحبّها إلى الله تعالى إذا كان عن إخلاص لله سبحانه وتعالى، وأفضله في العشر الأواخر من رمضان ليتعرّض لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. ويُستحب أن يدخله المعتكف قبل غروب الشّمس من ليلة اليوم الذي بدأ فيه، وإن دخل بعد الفجر لم يجزه، وإن دخل بين المغرب والعشاء فيه قولان بالصحّة والبطلان، وأمّا الخروج فإن خرج بعد غروب الشّمس من آخر يوم أجزأه إلاّ إن اعتكف آخر رمضان فإنّه يُؤمَر في المذهب (المالكي) أن يبقى حتّى يخرج لصلاة العيد. وتُشترَط فيه النية لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّما الأعمال بالنِّيات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى''، ويشترط فيه أيضاً الصوم والاشتغال بالعبادة على قدر الاستطاعة ليلاً ونهاراً، من صلاة وذِكر وتلاوة. وللمعتكف آداب، منها: أنّه يُسن له الاشتغال ليلاً ونهاراً بالصّلاة والذِّكر والتلاوة. وأن يكون في المسجد الجامع وفي رمضان لأنّه من أفضل الشهور ولاسيما في العشر الأواخر من رمضان. ويندَبُ مكث المعتكف ليلة العيد إذا اتّصل اعتكافه بها، ليخرج منه إلى المُصلّى، فيوصل عبادة بعبادة. وأن يجتنب كلّ ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال، ولا يكثر الكلام، لأنّ مَن كثر كلامه كثر سقطه، ويجتنب الجِدال والمراء والسباب والفحش. ويُفسد الاعتكاف: الخروج من معتكفه لغير ما رخّص له الخروج إليه كالخروج لصلاة الجمعة أو حاجة طبيعية كالبول أو الغائط أو ضرورة كانهيار المسجد وواجب كالجهاد. ويفسده أيضاً الجِماع ولو كان ناسياً أو مُكرهاً ليلاً أو نهاراً، والرِّدة والسُّكر نهاراً أو ليلاً والوقوع في كبيرة كالقذف والغيبة والنّميمة.