حي معسكري أحمد أو ما يصطلح عليه البلعباسيون ''فيلاج اللفت''، تلك المنطقة المحرمة على العامة من الناس، لما فيها من أمور يندى لها الجبين، هي منطقة امتهن معظم قاطنيها الدعارة منذ عهد الاستعمار الفرنسي، فتيات في عز الشباب من ولايات مختلفة، أعمارهن لا تتجاوز العشرين سنة، أمهات عازبات تتعدى أعمارهن 60 سنة، لجأن للمنطقة للحصول على لقمة العيش على حد تعبيرهن- فهذه طلقها زوجها والأخرى هربت من المنزل لأن والدها تزوج من امرأة أخرى، وأخرى لا تملك عائلة وساقتها الأقدار لإمتهان الرذيلة. والحصيلة أكثر من 100 فتاة تمتهن الرذيلة وما يربو عن 500 عائلة تقطن المكان حسب إحصاءات قدمها السكان ... ''النهار'' وبعد اتخاذ بعض الإجراءات الأمنية للحيلولة دون تعرضنا للاعتداءات، على اعتبار أن المنطقة محرمة على الغرباء، استعنت وزميلي المصور بشخصين من أبناء المنطقة لتأمين أداء المهمة مقابل دفع مبلغ من المال، تنقلنا إلى المكان المتواجد وسط المدينة، هي بنايات تعود إلى العهد الاستعماري، أزقة ضيقة لا يمكن لاثنين المشي فيها معا، روائح كريهة تنبعث من منزل مهجور خصص لجمع النفايات على بعد عشرات الأمتار، وفي وسط الزقاق شابتان واقفتان تتبادلان أطراف الحديث، تنظر إحداهما إلينا بطريقة مريبة، ''وش تحوسوا''، أخبرناهما بأننا من الصحافة وبأننا نسعى لنقل واقعهن كفتيات في ريعان الشباب يحتجن إلى المساعدة، الأولى تركتنا وغادرت والثانية التي لم يتعد عمرها ال 21 سنة بقيت معنا. ''أمي غادرت المنزل إلى بيت جدي وأنا امتهنت صيد الرجال'' نورة، بلعباسية أبا عن جد، تروي قصتها بمرارة بعد أن ترددت عدة مرات تقول، كنت أعيش مع والدي هنا بهذه المنطقة، وعندما بلغت 15 سنة طلّق أبي والدتي وتزوج من أخرى، أمي قصدت بيت أهلها ببشار وأنا ضعت بين الأرجل ووقعت في أيد لا ترحم، تهت في الشارع وصرت أترصد الرجال، حملت وعمري 15 سنة، ابنتي الآن عمرها 6 سنوات اسمها شيماء أنجبتها في الشارع، لا وثائق لديها ولا أي نسب لذلك قررت نسبتها لإسم والدي...تسكت ثم تعود بنا إلى ذكرياتها مع ممارسة الدعارة، تقول ''منذ كنت صغيرة كنت اتبع الشاشرة''، وتضيف بلهجة بلعباسية، ''الأول الذي أنجبت معه عرفته في الشارع إلتقيته مرة واحدة ثم ذهب كل منا في طريقه، ومنذ ذلك الحين وأنا هكذا''، نستوقفها حديثينا عن طريقة عملك، ''حاليا أنا ألبس الجلابة وأخرج إلى الشارع وأول من يتوقف من أصحاب السيارات أركب معه، أذهب معه إلى حيث شاء، أقدم له خدماتي ليقدم لي المال وأعود أدراجي، أترصد آخرا وأقوم معه بنفس الشيء ثم أعود، المهم...أنني يوميا أمارس الجنس مع 5 رجال على الأقل من مختلف المستويات ومن مناطق متعددة، كل واجد يدفع قدر استطاعته، وفي بعض المرات، يكون ذلك مجانا''، تضحك....تواصل سأخبرك تجربة عشتها لن أنساها، في يوم من الأيام ترصدت كهلا ركبت معه السيارة وتوجهنا إلى البركة، هي منطقة معروفة في سيدي بلعباس.. كانت الساعة تشير إلى السادسة مساء، المهم أخذني وتوجهنا إلى البركة وبعد أن أخذ ما أراد مني تركني وفر هاربا دون أن يعيدني إلى المنزل، على الرغم من أن الظلام كان قد حل إلا أنه تركني لوحدي بالمنطقة، اضطررت حينها لترصد آخر كان هناك، ليعيدني إلى المنزل بعد أن فعل بجسدي ما فعل، أنا حاليا أسكن مع والدي، في بيت رفقة ابنتي لا أكلمه ولا يكلمني أخرج صباحا على الساعة منتصف النهار وأعود ليلا ومعي بعض المال الذي استعين به لشراء بعض الحاجيات..'' وبكل عفوية تقترح علينا نورة زيارة بعض الزميلات في المهنة، تصطحبنا إلى منزل أقل ما يقال عنه إنه أسوأ مكان رأيته في حياتي فالقذارة تملؤه والحيطان نصفها منهار والنصف الآخر على وشك الانهيار، دخلنا المنزل لنقل مشاكل العائلة المقيمة به غير أننا فوجئنا بوجود سكن بدون سقف تعيش به عائلة مكونة من 4 أفراد، هي عائلة كما يقول البلعباسيون ''أولاد حرمة''، أي عائلة شريفة أجّرت غرفة لدى مربية مهمتها تربية الأطفال غير الشرعيين، تقول المربية أن جذورها مغربية وأن والديها توفيا فصارت بدون عائلة امتهنت الرذيلة منذ كان عمرها 13 سنة لكنها لم تحمل حسبما قالت، كانت تبيت خارج المنزل، وفي كل مرة بين أحضان رجل، هذا كان في السعيدة، إلى أن استقرت في سيدي بلعباس وتمكنت من الحصول على ذلك المنزل، لتتكفل بتربية الأطفال غير الشرعيين مقابل المال. ''هناك من يقدم لي 200 دينار مقابل خدماتي وهناك من يستغلني ثم يبرحني ضربا'' أما صوريا التي أنجبت 4 أبناء لا تعرف والد أي منهم، فتقول بأنها لا تملك عائلة لأن والدها قتل أمها ثم مات هو الآخر ، ''امتهنت الرذيلة وأنا لم أبلغ ال 13سنة، كنت أبيت دائما في الشارع ..لقد أنجبت أبنائي 4 بالشارع فتاتان وولدان، البداية كانت في العلب الليلية هنا بسيدي بلعباس لأنني بلعباسية، حيث كنت أعاشرالعديد من الرجال في ليلة واحدة، من أشخاص عاديين وآخرين مسؤولين، بقيت بها ما يقارب 10 سنوات ثم تركتها بعد أن انتشرت الأمراض المعدية هناك وأصيبت زميلة لي بالسيدا...''كانوا منين ذاك يحڤروني التراريس يضربوني وما يعطوليش الدراهم والمخير فيهم يمدلي 200 دينار'' تسكت قليلا تتنهد ثم تواصل ما ادانيش ليها الخير لو كان لقيت واش ناكل ما ندناش للحرام''.... يسود صمت مريب المكان، ثم يدخل رجل قوي البنية يسأل عن هويتنا ثم ينسحب وتتبعه امرأة ثم تعود وتطلب منا أن نراسل الرئيس ونخبره بمأساتها لأن السلطات حسبها لم تقدم للحي شيئا. هي ''خضرة.ب''أم ل3 أبناء لا يتعدى عمرها 24 سنة، تقول أنها تزوجت بعقد مدني وأنها تعاني منذ سنوات رفقة زوجها.... تركنا النسوة اللواتي يبدو أنهن متفقات كثيرا حول ما يقمن به، وواصلنا سيرنا وسط الزقاق ومباشرة بعد ''المزبلة'' يقع منزل آخر تعيش فيه نسوة لوحدهن،.. ما لم أفهمه هو أنهن قريبات تقول واحدة أنها من عائلة الأخرى ولكن من أب مختلف أو من أم مختلفة وهو ما لاحظناه لدى مختلف العائلات التي زرناها، تقول عباسية ''خرجت من المنزل بعد أن توفي والداي تزوجت من ابن جارنا وعمري 15 سنة، عرفيا ثم توفي وتركني لوحدي، فلجأت إلى هذا المكان لأمتهن ''الدعارة'' للحصول على لقمة العيش، أنا أكبر وأول واحدة امتهنت الدعارة بهذه المنطقة، أذكر أن الفرنسيات كن يفعلن ذلك قبل أن نحل نحن محلهن، عمري حاليا 60 سنة، كنت أعرف يوميا أكثر من 10 رجال، كل واحد منهم يقدم لي مبلغا معينا وهناك من لا يقدم شيئا، وإضافة إلى ذلك يهينوني ويحتقرونني..لا أريد أن أتذكر أنا اليوم عجوز ومهمتي انتهت منذ 20 سنة.. لدي ابن اجتاز البكالوريا ولم يحصل عليها وأنا الآن أنتظر أن تساعده السلطات ليعيش حياة كريمة...'' تتدخل أخرى في الستينيات أيضا تقول أنا حاليا صاحبة هذا المنزل أقوم بكرائه للراغبين في ممارسة الجنس، فآخذ نصف ما تأخذه الزبونة، وكل يدفع حسب مقدوره، كنت أمارس الدعارة وبعد أن كبرت في السن توجهت للعمل بالمنازل كمنظفة ولكن حاليا ''داري تخدم عليا''... مأساة إجتماعية تضاف إلى المآسي الأخلاقية اعترافات فاجأتنا لأننا لم نكن نعلم أن كل هذا يحصل في بلد مسلم على الرغم من أن السلطات على علم بكل شيء، منطقة صعبة أغلب أصحابها من خريجي السجون، أبناء سيدي بلعباس القاطنين بها يتمنون أن تمحى هذه المنطقة ويقضى على الظاهرة المشينة بها، الكل يطمح لأن تبقى صورة الولاية بعيدة عن أي شبهة وأن يتربى أبناؤهم وبناتهم تربية دينية بعيدا عن الغرائز الحيوانية، يقول أغلب مواطنيها أن المنطقة بدأت تعرف بعض التحسن في عهد عميد الشرطة عبد ربه، حيث سعى الرجل إلى تحطيم كل المنازل التي لا تليق للسكن وتم بالتنسيق مع المصالح المحلية ترحيل أصحابها إلى سكنات لائقة غير أن العملية توقفت منذ رحيل هذا الأخير.... واصلنا سيرنا وفي كل مرة نلتقي شبابا ونساء في الزقاق ينتظرون خروجنا ليقدموا شكاواهم عن التهميش الذي يعانونه فلا مرافق عمومية ولا قنوات صرف ولا حتى حنفيات للماء الشروب، كل ما بالمكان بيوت خصص عدد كبير منها، إن لم نقل أغلبها، لممارسة الدعارة والبقية يعانون مما يقترف هؤلاء. المشاكل هناك لا تكاد تنتهي لأن المشادات بين أصحاب الحي والرجال الوافدين عليه مستمرة ليل نهار. عباسية تقول أنها لجات إلى المكان بعد وفاة زوجها وطردها من السكن الوظيفي الذي كانت تقيم به، لديها بنتان إحداهما تزوجت من أحد أبناء الحي وهي الآن تقيم لدى ابنتها، وفي بعض الأحيان تلجأ للتأجير. أما (بلعباس) الذي كان في أوج غضبه فقال أن السلطات منحت لممتهنات الدعارة سكنات وتركت أبناء الحي يعانون، حاولنا دخول المنزل الذي يقطنه رفقة إحدى قريباته واسمها سعدية، لتفاجئنا روائح كريهة أقوى من تلك التي وجدناها عند الباب، سقف متهاوِ وجدران مشققة توشك على الانهيار، تقول سعدية أنها وجدت أكثر من 3 مرات اسمها ضمن قائمة المستفيدين من السكنات غير أنها لم تحصل على واحدة منها.... الغريب في الأمر أن العائلات متعايشة مع مهنة الدعارة، وكأن المنطقة كتب لها أن تبقى لذلك على مدار السنين، شباب أغلبهم بطال وآخرون ينتظرون ما تجود به الأمهات من ممارساتهن، أشد ما شد انتباهي هي حالة سهام صاحبة 16 ربيعا، متزوجة صورتها لا توحي مطلقا بأنها صاحبة 16 سنة بل أقل من ذلك بكثير، بطنها منتفخ إنها حامل بعد زواج عرفي، لا تعرف والدها، زوجها يقول أنه لم يعقد قرانه عليها مدنيا لأنها قاصر، الأمر عادِ بالنسبة للجميع، تقول سهام تزوجنا فاتحة وزوجي لا يشتغل حاليا ها هو أمامك تشير إليه، في بعض المرات أجلب الأكل من عند والدتي وفي مرات أخرى يجلب هو من عند والدته، يتدخل الزوج أنا لا أطلب شيئا سوى أن يمنحوني عملا لأعيل إبني، لا أريده أن يعاني ما عانيت.... هي حالات لا تنتهي لعائلات جعلت من المكان مخبأ وأخرى جعلته إمبراطورية لممارسة الرذيلة، ولا أحد يحرك ساكنا، يقال أن عدد الضحايا من الأطفال غير الشرعيين بالمئات يرمون في واد قريب لأن أمهاتهم لا يرغبن فيهم، الشباب أكدوا أنهم لم يحظوا بأي زيارة للمنطقة من قبل السلطات المحلية، ولا حتى إلتفاتة للقضاء على هذه الآفات وإخراج الشباب من دوامة قد تكون مخلفاتها أزمة أخلاقية بمنطقة كانت توصف فيما سبق بباريس الصغيرة، نظرا لجمالها وبهاء مناظرها.... هو إذن فيلاج اللفت وهذه بعض الشهادات التي لا تعد سوى قطرة في بحر كبير مليء بالخبايا.