يعرف كثيرون أن حسّان حطّاب كان أوّل أمراء المناطق المنشقين عن "الجماعة الإسلامية المسلحة"، أو "الجيا"، كما تُوصف في الجزائر. إذ "استقل" في العام 1996 ب "المنطقة الثانية" (شرق العاصمة) عن إمارة عنتر زوابري (أبي طلحة) خليفة جمال زيتوني (أبي عبدالرحمن أمين) الذي قُتل في جويلية من ذلك العام في مكمن نصبه له منشقون عنه لكن قلّة يعرفون تفاصيل خروجه عن هذا التنظيم، وكيف أن حطّاب كان في الواقع قد انتهى من صوغ بيان الخروج على زيتوني ونال موافقة أمراء منطقته عليه، لكن البيان لم يُبصر النور لأن زيتوني كان قد قُتل في اليوم المحدد لإصداره. بعدما عرضت حلقة أمس إلى انضمام حطّاب إلى "الجيا" في 1994 واندلاع خلافاته مع "زيتوني وحاشيته"، تتناول حلقة اليوم قصة الإنشقاق عن "الجماعة" وتصفية عناصر "الجماعة الإسلامية المقاتلة" الليبية الذين كانوا يقاتلون مع "الجهاديين" في الجزائر والنقاشات مع الوفد الذي أرسله زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن إلى جمال زيتوني، وتفاصيل إنشاء "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" في العام 1998. يُقر حسان حطّاب (أبو حمزة) بأن قرار الخروج عن قيادة "الجماعة الإسلامية المسلحة" لم يكن هيّناً. فأمراء "الجيا" آنذاك، بين 1995 و1996، كانوا ما زالوا في أوج قوتهم، وكانوا يتصرفون مع معارضيهم – أو حتى الذين يُشتمّ منهم أنهم ربما يفكّرون في أن يكونوا معارضين – ببطش ما بعده بطش. تعرّض كثير من الدعاة وطلبة العلم والأمراء والجنود ل "محاكمات صورية" وأُرغموا على الاعتراف بذنوب ربما ما اقترفوها يوماً. وحملت نهاية العام 1995 أنباء مقلقة لكثيرين من مؤيدي "الجماعة" بعدما تبنّى أميرها جمال زيتوني قتل قياديين في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" ممن انضموا إليها في "وحدة" العام 1994 وعلى رأسهم الشيخ محمد السعيد (زعيم تيار "الجزأرة"). اتهمهم زيتوني بأنهم كانوا "يتآمرون" على "المنهج السلفي" الذي زعم أنه وحاشيته يمثّلونه في "الجماعة". سألت حطّاب في الإقامة السرية التي التقينا فيها في ضواحي العاصمة الجزائرية، عن سبب تأخره في الخروج عن قيادة "الجماعة المسلحة" ما دام كان يعرف مُبكراً بأن زيتوني وحاشيته من الأعيان والأمراء "منحرفون" ويقومون بأعمال قتل لا يبررها الشرع (كما قال في الحلقة السابقة). فردّ: "دعني أقول لك لماذا انتظرت. كُنتُ أمير منطقة وليس أمير سرية. فلو كنت أميراً على سرية أو كتيبة مثلاً لأمكنني الخروج، ولكنت فعلاً من أوائل الخارجين. لكن ما أردت أن أقوم به هو تصحيح مسار"الجيا" وليس الخروج عليها. فقد كنت أنصح زيتوني، ودخلت معه في جدال محتدم بسبب المخالفات الشرعية التي كان يرتكبها. كان يخشى أن أخرج عليه ما سيؤدي إلى "إنهيار الجماعة"، كما كان يقول. وهذا الشيء الذي كنت أحظى به (خوف زيتوني من خروجه عليه) سمح لي بأن أضغط عليه. وبصراحة، لولا تلك الضغوط التي مارستها عليه لكانت الانحرافات في "الجيا" أكبر بكثير من تلك التي ارتكبتها. كنتُ أقلل شرّهم ببقائي معهم. في البداية أعلنت قراري توقيف السمع والطاعة لزيتوني، لكنني وصلت إلى وقت وجدتُ فيه أنه لم يعد هناك من مبرر لبقائي معهم وأن لا بد لي أن آخذ موقفاً مهما كانت النتيجة". ويوضح حطّاب كيف تم اتخاذ قرار الخروج: "كان عندي طالب علم يتمتع بمستوى جيد وأثق برأيه، فاستشرته في الأمر. وعلى رغم أنه لم يكن يخشى زيتوني، إلا أنه كان يعتقد بعدم جواز الخروج عليه من الناحية الشرعية. فقلت له إنني لم أعد أرى أملاً في زيتوني، وإنه إذا كانت هناك مفسدتان (في الخروج عليه) فلنأخذ أقلهما ضرراً. في البقاء معه مفسدة عظمى، لكن في الخروج عليه مفسدة أقل ضرراً من الأولى. المهم أن نخرج. لكنه لم يوافقني على ذلك. فلجأت إلى جمع أعيان المنطقة الثانية. كانوا جميعهم من رؤساء اللجان، فطرحت عليهم ما أعرف عن خبايا "الجيا". فقد كانت لديهم فكرة عمّا يحصل، لكنهم لم يكونوا على اطلاع تام على أسرارها. كنت أعرف بتلك الخبايا بما أنني من الأعيان وأحضر اللقاءات (التي تعقدها قيادة التنظيم)، كما كانت لديّ مصادري التي تأتي لي بالأخبار عما يحصل في الخفاء. وبعدما طرحت الصورة كما هي على أعيان المنطقة تكوّنت لديهم صورة أوضح من تلك التي كانوا كوّنوها من بعيد. فوافقوني جميعهم على الخروج على زيتوني، وصغنا بياناً في تموز (يوليو) 1996 وأعددناه للخروج، فإذا بنا نسمع في اللحظة ذاتها أن زيتوني قُتل. جاءني رُسل لإبلاغي بأنه قُتل. لكنني كنت أعرف مكرهم وشرهم فقلت إن نبأ مقتله ربما يكون مكيدة، إذ ربما أشاعوا ذلك كي يتمكنوا من الوصول إليّ. ربما قالوا إن لا شيء يسمح لنا بالوصول إلى حسان سوى أن نقول له إن زيتوني قُتل فيأتي إلينا ساعياً إلى تولي الإمارة فنعتقله أو نقتله. كان زيتوني وحاشيته يعرفون أنني سأخرج عليهم، فقد أبلغت زيتوني فعلاً بأنني لن أبقى معه إذا واصل التصرفات التي يقوم بها. وهو، في الحقيقة، أرسل لي (القيادي) عبدالرزاق "البارا" (عماري صايفي) ليقنعني بأن أهدأ ولا أخرج على قيادته". ويشرح حطّاب أن زيتوني حاول كسب "البارا" (أي المظلي) إلى صفّه بغية إضعافه وإيجاد شرخ بينهما: "كان زيتوني يخشى خروجي عليه. ولو التحق "البارا" بي وخرجنا عليه كلانا في المنطقة الثانية، فقد كان الأمر سيشكل له بمثابة الضربة القاضية. ففكروا (زيتوني وحاشيته) في أن يستميلوا عبدالرزاق "البارا" إليهم، حتى إذا خرج حسان حطاب على "الجيا" يكون ضعيفاً بدونه. وفكّروا أيضاً في منحه صلاحيات على أساس أن يحصل صراع على السلطة بيننا (في المنطقة الثانية)، لكن علاقتي مع "البارا" كانت وطيدة، ولم يكن ليدخل معي في صراع. اجتمعت معه في بيت وسألني عن أسباب خلافاتي بين زيتوني. فقلت له: أنظر يا عبدالرزاق: حاشيته "بانديا"، أي"عصابة" بالعامية الجزائرية. فقد كانوا عصابة خطيرة فعلاً. قلت له إنني لا أثق بهم أصلاً، وأحذر كل الحذر من هؤلاء الأفراد، فلن يترددوا في محاولة توسيخك في جرائمهم، ولو قمت بذلك فستصبح ضعيفاً ولن تستطيع بالتالي أن تأخذ عليهم أي موقف. فإذا أخذت موقفاً وأنت متورط معهم فلن يؤيدك أحد. لذلك خذ حذرك. فرد عليّ: يا حسان، سأطلب تحويلي إلى الشرق (شرق البلاد). فقلت له: هؤلاء لا يحبونك يا عبدالرزاق، يريدون استغلالك ولن يدعوك تتحوّل إلى الشرق، وأحذر منهم كل الحذر". ويكشف حطّاب أنه قال لزيتوني قبل انشقاقه عن "الجماعة": "لو بقيت على هذه السياسة فسيقتلك جنودك. فقال لي: لماذا؟ قلت له: إقرأ التاريخ فتعرف أن القادة الذين تسير أنت على خطاهم يُقتلون دائماً على يد جنودهم. فالجنود سيرون إنك ما جئت إلا لتُحدث فساداً، وإنك دخيل عليهم والسبب في إفساد الجماعة، وبالتالي فإنهم يمكن أن يتجرّأوا عليك ويقتلوك ... وهذا ما حصل. لذلك عندما جاء الرسل ليبلغوني بمقتل أمير الجماعة سألتهم: أين قُتل تحديداً، حددوا لي المكان، إذ كنت متشككاً في أن الأمر خدعة. قلت لهم: من قتله؟ هل الجيش هو من قتله؟ فقالوا لي: الله أعلم، لا نعلم من قتله. فقلت لهم: تقولون لي إن زيتوني قُتل وهو في وسطكم ولا تعرفون من قتله! وزدت قائلاً لهم إنني على رغم بعدي بكليومترات كثيرة عن مكان مقتله، إلا أنني اعتقد انه قُتل من طرفكم (أي على يد أفراد في الجماعة نفسها). فالمنطقة وطريقة نصب المكمن تؤكد أنه قُتل من طرفكم. استأذنت الرسل وقلت لهم إن لدي بعض الناس أريد استشارتهم في الأمر. فرجعت إلى الجماعة (أعيان المنطقة الثانية) وقلت لهم إن الرسل أبلغوني بمقتل زيتوني ولكنني بحكم معرفتي بالجماعة أخشى أن يكون ذلك خدعة، لاستدراجي إلى المجيء إليهم سعياً إلى تنصيبي أميراً للجماعة (خلفاً لزيتوني). لكنني أضفت أنه يُمكن أن يكون زيتوني قد قُتل حقيقة، وإذا كان ذلك حصل فعلاً فإنني أستطيع أن أقول لكم بما لا يدع مجالاً للشك إن عنتر (زوابري) أو (رضوان) ماكادرو سيُنصّب أميراً مهما كان موقف بقية الأمراء والأعيان. فلو ذهبنا إلى هناك (اجتماع قيادة الجماعة لاختيار خلف لزيتوني) فإننا سنقع في فخ لا محالة. استشرت الأعيان فقالوا لي إنهم يؤيدون أن نُصدر رسالة (إلى اجتماع أعيان الجماعة). قلنا في الرسالة إننا لسنا ملزمين بأي شيء يصدر في غيابنا، فإذا ما عيّنتم أميراً فإننا لن نعترف به. طلبنا ثانياً ايضاح كيفية مقتل زيتوني لأنه قُتل في وسط الجماعة (منطقة نشاطها). وقلنا ثالثاً إنه ممنوع عليهم دخول المنطقة الثانية، بسبب مكرهم وخداعهم، وإنهم إذا أرسلوا لنا رسلاً فإن عدد أعضاء الوفد لا يجب أن يتجاوز ثلاثة. أعطيناهم الأمان بشرط أن لا يكونوا أكثر من ثلاثة رُسل. حمّلنا الرسالة إلى رُسل نقلوها إلى مؤيدي زيتوني. نقلوها فعلاً، لكن عنتر كان قد تأمر على الجماعة، وكان يعرف أنني أبغضه، إذ اصطدمت معه مراراً ومنعته من الإقامة في المنطقة الثانية. قلت لزيتوني إنه يجب إبعاد هذا الرجل عنه، لأن مجرد وجوده في مقر قيادة "الجماعة" سيشوّه صورتها، بل قلت له: والله، إن "الجيا" ستصير هجرة وتكفير (في ظل عنتر) وسيصير عندها غلو. فهو سفيه يتلفظ بألفاظ لا علاقة لها بالدين. وكان دائماً محيطاً بزيتوني ويرافقه". ويقدّم حطّاب روايته لملابسات كثير من القضايا التي ارتبط اسم زيتوني بها قبل مقتله، ومنها قضية الخلافات مع الليبيين من عناصر "الجماعة الإسلامية المقاتلة" الذين التحقوا بجبال الجزائر للمشاركة في ما اعتبروه "جهاداً" ضد الحكم، قبل ان يختفوا في "ظروف غامضة" ولم يظهر لكثير منهم أثر. ويوضح "أبو حمزة" قائلاً: "جوهر الخلاف الذي حصل بين قيادة الجماعة الإسلامية المسلحة والجماعة الليبية المقاتلة هو مسألة البيعة، فقد طلب زيتوني أمير الجماعة الإسلامية المسلحة البيعة من أفراد الجماعة الليبية المقاتلة والانضمام إلى الجماعة الإسلامية المسلحة، فكان موقفهم الرفض". ويتابع: "تمت تصفية عناصر الجماعة الليبية المقاتلة من طرف الجماعة الإسلامية المسلحة بإمارة زوابري بعد خروجنا منها (في 1996)، وتبرّأنا من أفعالها (آنذاك). حصلت التصفية في منطقة تابعة للجماعة الإسلامية المسلحة ولكن لم تحصل أي تصفية على مستوى منطقتنان أي المنطقة الثانية". وينفي حطّاب أن يكون احتجز أعضاء الوفد الثلاثي الذي أرسله أسامة بن لادن إلى الجزائر للبحث في قضية الخلافات بين "الجماعة" و "المقاتلة" وفي سبل التنسيق بين "الجهاديين" في داخل الجزائر وخارجها. ويقول: "أعضاء وفد بن لادن، أي عطية عبدالرحمن، عبدالحكيم وعاصم، لم يكونوا محتجزين عندنا، بل كانوا مقيمين، وفرارهم إلى منطقة الأربعاء (حيث جماعة الشيخ مصطفى كرطالي المنشقة عن قيادة زيتوني) لا يُعد فراراً بل هو تنقل، وكنا على علم بذلك. ولو أردنا بهم سوءاً لفعلنا. والدليل على ذلك أن "عاصم" بقي عندنا حتى خرج إلى خارج الجزائر بمحض إرادته. وكان زيتوني يريد لقاءهم قبل مقتله، فرفضت وامتنعت خشية أن يؤذيهم. ومكوثهم عندنا كان حماية لهم من أي مكروه قد يصيبهم من طرف زيتوني وجماعته". ومثلما هو معروف الآن، صار عطية عبدالرحمن أحد القادة البارزين في تنظيم "القاعدة" وهو من أرسل الرسالة الشهيرة إلى "ابي مصعب الزرقاوي" في العراق في نهايات العام 2005 يحذّره فيها من أن قيادة القاعدة في وزيرستان (باكستان) ليست سعيدة بتصرفاته وتطلب منه أن يشاورها قبل أن يوسّع نشاطاته خارج العراق (إثر التفجيرات "الانتحارية" في فنادق عمّان). تأسيس "الجماعة السلفية" في أي حال، كرّس تولي زوابري الإمارة شرخاً خطيراً داخل "الجماعة المسلحة" وبدأت المجموعات المختلفة تنشق عنها واحدة تلو الأخرى. وليس واضحاً لحد الساعة إن كانت تلك الإنشقاقات ساهمت في أي شكل من الأشكال في "حشر" عنتر في زاوية رأى أن ليس في إمكانه الخروج منها سوى بالسير في اتجاه مزيد من الغلو الذي تُوّجه بإصدار بيان، في 1997، يُكفّر فيه عموم الشعب الجزائري، ويتبنى سلسلة من المذابح الرهيبة التي راح ضحيتها مئات المواطنين. لكن حطّاب يقول إنه لم يستغرب أن يفعل زوابري ذلك: "عندما بلغنا خبر مقتل زيتوني خلال تحضيرنا للخروج على إمارته وتعيين زوابري أميراً رفضنا ذلك لعلمنا بهذا الرجل (زوابري) والخط الذي انتهجه مع بطانته في ما بعد، وهو خط المجازر الجماعية، وقد تبرذأنا من ذلك في بيانات عدة". كان حطاب آنذاك ما زال يعمل بصفته أميراً على "المنطقة الثانية" في "الجماعة المسلحة"، على رغم خروجه على زوابري. لكن مع حلول العام 1998 صار إسم "الجيا" مرادفاً لكل ما هو إجرامي في أعين شريحة واسعة من الجزائريين بعد سلسة المذابح الرهيبة التي شهدتها. وإزاء هذا الوضع، قرر حطّاب وقياديون آخرون منشقون عن عنتر أن الوقت قد حان لتأسيس جماعة مسلحة باسم جديد لا يرتبط في أذهان الجزائريين ب "الجيا" وجرائمها. وهكذا تأسست "الجماعة السلفية للدعوة والقتال". واستطاعت في ظرف وجيز توسيع انتشارها من شرق العاصمة الجزائرية في اتجاه حدود البلاد شرقاً، في حين بقي مؤيدو إمارة زوابري ينشطون خصوصاً في ولايات الوسط جنوب العاصمة وغربها. أما بقية البلاد فقد انتشرت فيه إلى جانب "الجيا" جماعات أخرى منشقة أبرزها الجماعة التي أطلقت على نفسها إسم "حماة الدعوة السلفية". سألت حطاب كيف تأسست "الجماعة السلفية" ولماذا؟ فأجاب: "أحببت أن أؤسس جماعة تكون مختلفة عن "الجيا" التي تشوهت سمعتها بسبب الجرائم التي ارتكبتها. أحببت أن أنشيء جماعة أخرى وأغيّر حتى الأفكار التي كان بعض الأمراء في بعض الجهات يحملها عن الجماعة الإسلامية المسلحة. أردت تصحيح المسار بعد الأخطاء التي وقعت فيها "الجيا". فجمعنا الأمراء على مستوى المناطق المختلفة - لم يتمكن ممثلو الغرب من المجيء - وأنشأنا الجماعة السلفية للدعوة والقتال" في الأول من محرّم 1420 (الموافق ل 27 نيسان/أبريل 1999). وكان بين الحاضرين ممثلون للمناطق السادسة والخامسة والثانية والتاسعة (الصحراوية)، واختير أبو مصعب عبدالمجيد (عبدالمجيد ديشو) أميراً للجماعة الجديدة التي أشارت في بيانها الأول ("الجماعة رحمة") إلى أن الاتفاق على تغيير إسم "الجماعة الإسلامية المسلحة" إلى "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" كان لأن "الإسم الأول صار شعاراً لدعاة الهجرة والتكفير"، وأعلنت "البراءة إلى الله من المجازر التي قامت على قتل عموم الشعب بإمارة زوابري". لكن البيان أضاف إلى ذلك إعلان "البراءة إلى الله من الهدنة المزعومة التي أقامها "جيش الإنقاذ"، والتي هي في حقيقتها مقاتلة أهل الإسلام وموادعة أهل الأوثان". كان ذلك مؤشراً إلى أن "الجماعة السلفية" تريد أن تميّز نفسها عن "الجيا" من خلال النأي بنفسها عن الهجمات التي تستهدف المواطن العادي، لكنها تتمسك بالقتال ضد الحكم الجزائري وترفض مسعى بعض الجماعات إلى مهادنته. كان المقصود بذلك تحديداً "جيش الإنقاذ" الذي قرر منذ صيف 1997 الدخول في هدنة قبل التخلي كلياً عن "العمل المسلح" والنزول من الجبل في نهاية 1999. كان أمير "جيش الإنقاذ" مدني مزراق هو أول المبادرين إلى هذه الخطوة، وأقنع بها عدداً من القادة الإسلاميين الذين انشقوا عن "الجماعة المسلحة" في عهد زيتوني وخليفته زوابري لكنهم آثروا عدم الإنضمام إلى حطاب و "جماعته السلفية". سالت حطّاب لماذا لم تقرر وقف القتال في تلك الفترة؟ فرد بسرعة: "لأن ذلك كان مستحيلاً. أمراء الجماعة السلفية لم يكونوا كلهم من المنطقة الثانية. كانت لدى الأمراء في المنطقة الثانية عقلية تختلف عن عقلية أمراء المناطق الأخرى. كان لدينا برنامج، وعندنا إمارة ولجان، وكل لجنة لديها أعضاء يملكون وسائل إعلام. كانت اللجان في منطقتنا منظمة. لكن لجان المناطق الأخرى كان وضعها مختلفاً. واستطيع أن اقول إن بعض اللجان في مناطق أخرى لم يكن لديها حتى هاتف تتصل منه، ولا حتى جهاز "توكي ووكي". كان وضع بعض المناطق في حال يرثى لها. وبعد التأسيس تركنا الحرية للأمراء في اقتراح القادة في الجماعة السلفية للدعوة والقتال، فاقترحوا الأشخاص أنفسهم الذين كانوا مسؤولين في الجماعة الإسلامية المسلحة. كان ذلك بمحض ارادتهم. لكننا بدأنا نغيّر في أفكار كثيرة كانت من رواسب الجماعة الإسلامية المسلحة، فبدأ يقع احتدام بيننا وبين بعض الأمراء في الجماعة الجديدة. كان هناك من خرج على الجماعة الإسلامية المسلحة ولكنه يرفض تغيير بعض الأمور التي كان مقتنعاً بها. فكيف تأتي إليه في ذلك الظرف وتحدثه عن المصالحة؟ كان من المستحيل اقناعهم بذلك. بعض الأمراء كان ما زال يعتقد انه يجب قتل نساء الدرك والشرطة، على رغم خروجه على "الجيا". كان يرى أن عليه قتل عناصر الدفاع الذاتي، ويعتقد بضرورة قتل الأجانب. كانت هناك أفكار عديدة ما زالوا مقتنعين بها، على رغم خروجهم عن الجماعة. ولكن على رغم ذلك استطعنا أن نفرض عليهم أموراً لم يكونوا راضين عنها. كان بينهم من دخل تحت إمارتنا على مضض. لكننا واصلنا عملية التغيير. وهذه العملية تتطلب وقتاً. غيّرنا أموراً كثيرة. لم يكن بالبساطة والسهولة إقناع بعض أمراء المناطق بها. لكن أن تطرح عليه هدنة أو مصالحة، فهذا لم يكن بالأمر الممكن. كان مستحيلاً طرح مثل هذه الأمور آنذاك". ويؤكد حطاب أن مدني مزراق لم يشمله آنذاك بالاتصالات التي كان يجريها من أجل إقناع أكبر عدد من المسلحين بالقاء السلاح والنزول من الجبل، إذ يقول: "لم يتصل (مزراق) أبداً. أنا من أرسل له رسولاً كي نوقف القتال. أمرت الأفراد الذين انضموا (إلى "الجماعة السلفية") من منطقة جيجل وكانوا تابعين للجيا، بوقف القتال ضد جيش الإنقاذ. هؤلاء العناصر لم يكونوا تابعين لنا في البداية. وكانت أول خطوة أخذناها (بعد انضمامهم) أننا أمرناهم بوقف القتال، على رغم أنهم كانوا مقتنعين بذلك وكانوا في صدامات مع جيش الإنقاذ. أوقفناهم عن القتال وهم التزموا بذلك حقيقة".