سهرت ذات مرة، خلال العام الماضي، مع الشاعر العراقي الدكتور عباس الجنابي، نقرأ لمشاهدي قناة المستقلة مختارات من عيون الشعر العربي. وكان مما اخترته قصيدة لنزار قباني رحمه الله، ومقطوعات أخرى قصيرة من شعره، أكثرها أسعدتني وأبكتني في آن واحد. أبكاني قوله مخاطبا أمه: صباح الخير يا قديستي الحلوة مضى عامان يا أمي على الولد الذي أبحر وخبّا في حقائبه صباح بلاده الأخضر وأنجمها، وأنهرها، وكل شقيقها الأحمر وخبأ في ملابسه طرابينا من النعناع والزعتر وقوله: أيا أمي، أنا الولد الذي أبحر ولازالت بخاطره تعيش عروسة السكر فكيف، كيف يا أمي غدوت أبا ولم أكبر؟ وثارت في نفسي عروبتي وأمجاد التاريخ الذي ولدت به وأحزانه في آن واحد، عند قوله: كتبت لي يا غالية كتبت تسألين عن اسبانية عن طارق يفتح باسم الله دنيا ثانية عن عقبة بن نافع يزرع شتل نخلة في قلب كل رابية سألت عن أمية سألت عن معاوية عن السرايا الزاهية تحمل من دمشق في ركابها حضارة.. وعافية وقرأت ايضا "لا تسألوني ما اسمه حبيبي" فترنم بها الدكتور عباس الجنابي وغنى مطلعها. أما القصيدة التي قرأتها له كاملة، فعنوانها "في مدخل الحمراء كان لقاؤنا"، وأرغب أن أهديها لكل القراء، باقة ورد، وعهد حب، ولكل غريب يسكن الشوق الغامر للوطن الغالي البعيد حنايا ضلوعه وشغاف قلبه. يقول نزار رحمه الله: في مدخل " الحمراء " كان لقاؤنا.. ما أطيب اللقيا بلا ميعاد عينان سوداوان.. في حجريهما تتوالد الأبعاد من أبعاد هل أنت إسبانية؟ .. ساءلتها قالت: وفي غرناطة ميلادي * * * غرناطة! وصحت قرون سبعة في تينك العينين.. بعد رقاد وأمية .. راياتها مرفوعة وجيادها موصولة بجياد ما أغرب التاريخ.. كيف أعادني لحفيدة سمراء.. من أحفادي وجه دمشقي .. رأيت خلاله أجفان بلقيس .. وجيد سعاد ورأيت منزلنا القديم .. وحجرة كانت بها أمي تمد وسادي والياسمينة، رصعت بنجومها والبركة الذهبية الإنشاد *** ودمشق .. أين تكون؟ قلت : ترينها في شعرك المنساب نهر سواد في وجهك العربي، في الثغر الذي ما زال مختزنا شموس بلادي في طيب " جنات العريف " ومائها في الفل ، في الريحان، في الكباد سارت معي .. والشعر يلهث خلفها كسنابل تركت بغير حصاد يتألق القرط الطويل بجيدها مثل الشموع بليلة الميلاد * * * ومشيت مثل الطفل خلف دليلتي وورائي التاريخ .. كوم رماد الزخرفات أكاد أسمع نبضها والزركشات على السقوف تنادي قالت : هنا الحمراء .. زهو جدودنا فأقرأ على جدرانها أمجادي أمجادها!! ومسحت جرحا نازفا ومسحت جرحا ثانيا بفؤادي يا ليت وارثتي الجميلة أدركت أن الذين عنتهم أجدادي عانقت فيها عندما ودعتها رجلا يسمى " طارق بن زياد "