أغلق فندق ''مزاب'' في غرداية أبوابه في وجه السياح منذ أزيد من عشرين سنة، بدعوى إجراء إصلاحات وترميمات عليه بغية إعادة تأهيله وتحسين مرافقه. وقد صبّت الدولة من أجل ذلك مبالغ طائلة، وقدّرت حسب مدير السياحة لولاية غرداية في تصريح خاص ل»ا لنهار « ب56 مليار سنتيم لفائدة الفندق المذكور، في عملية تتكفل بها مديرية البناء والتعمير، وباشرت بعض الأطراف خلال السنوات الأخيرة وبعد طول انتظار عمليات الترميم لتنتهي بفشل ذريع. مختصون يصفون الترميم بالكارثة وبرأي تقنيين مخصين، منهم باحث متقاعد عمل مع برامج الأممالمتحدة واليونسكو في مجال ترميم الآثار، فإن ما جرى من أشغال في مبنى فندق مزاب يعد كارثة، مشيرا إلى أن مشروع الترميم لم تراع فيه أبدا خصوصية المبنى وطبيعته التاريخية، وتم خلالها استعمال مواد بناء غير مطابقة. من جهة أخرى، وبخصوص المبلغ المرصود لهذه العملية، فقد أشار مسؤول في الوكالة الوطنية لتنمية السياحة، إلى أن هناك عدة مشاريع لإعادة تأهيل الفنادق ومرافق الإيواء التي تتوفر عليها مختلف مناطق الصحراء، مشيرا إلى مشاريع تأهيل عدد من الفنادق في كل من عين صالح، تمنراست وغرداية. وأوضح أن ترميم فندق مزاب يندرج في هذا الإطار، حيث خصص له غلاف مالي يقدر ب 530 مليون دينار لتأهيله، موضحا أنه قد تم تخصيص 130 مليار دينار لتأهيل كل الفنادق في مختلف مناطق الوطن مع مراعاة للأوليات، لاسيما في ولايات غرداية، بشار ، تمنراست وكذاجانت، وهي المناطق التي تشهد إقبالا سياحيا كبيرا. مشروع ''ابتلع'' الملاييربدون استغلاله ورغم تلك الترميمات، فإن استغلال فندق مزاب لا يزال مؤجلا لإشعار غير معلوم، حيث لم يجر استغلاله إلا بعد كارثة الفيضانات لإسكان الإطارات المكلفين بتسيير تلك الكارثة، في وقت يتزايد توافد عدد السياح على ولاية غرداية خلال السنوات الأخيرة بعد عودة الأمن إلى ربوع البلاد. وقد أحصت مديرية السياحة في ولاية غرداية 36420 سائح خلال السنة الماضية، من بينهم 8443 أجنبي حسب حصيلة تابعة للمديرية. واستنادا إلى نفس الحصيلة فإن السياح المعنيين قضوا 65,249 ليلة منها 15,111 لأجانب من مختلف الجنسيات، لاسيما منهم الأوروبيون والآسيويون. وأوضح متعاملون ينشطون في الميدان السياحي أن القطاع يحتل مكانة رئيسية في الإقتصاد المحلي لمنطقة غرداية. وأشار أحد ملاك واحات النخيل في قصور سهل وادي ميزاب ل''النهار''، إلى أن التدفق المتزايد للسياح على هذه المنطقة ذات القدرات والإمكانات المتنوعة دفع بمهنيي القطاع إلى الإستثمار في مجال بناء وتهيئة أماكن الإيواء، لاسيما ما تعلق منها بإنشاء السكن التقليدي والتخييم في واحات النخيل في ظل النقص الفادح للفنادق السياحية ذات النوعية، وأضاف أن السياحة أصبحت أحد العناصر الأساسية لتنظيم الفضاء في المنطقة، خصوصا وأن ذلك تزامن مع تنمية السياحة البيئية التي أضحت محل اهتمام الزوار، حيث جرى تكييف العديد من واحات النخيل وتحويلها إلى أماكن للإيواء تنبض بالحيوية والنشاط المحبذ من طرف السياح، خصوصا منهم الأجانب في ظل احترام خصوصيات المنطقة. وأبدى العديد من المتعاملين في المجال السياحي اهتمامهم بتثمين ما يعرف بالسياحة الثقافية والإيكولوجية بشكل لا يتعارض مع العادات والتقاليد المحلية. السجن الإستعماري الذي حُوّل إلى فندق ويعد فندق » مزاب « من أقدم الفنادق السياحية في المنطقة، يضم أكثر من 150 غرفة، ويحتل موقعا استراتيجيا فوق جبل يطل على قصور سهل وادي مزاب، تم بناؤه في العهد الإستعماري كملحقة عسكرية صممه المهندس المعماري الفرنسي الشهير » فيرناند بويون «. تم تحويله في السبعينات إلى فندق، أطلق عليه في البداية اسم ''الرستميين'' قبل تغيير إسمه إلى ''مزاب'' نسبة إلى اسم المنطقة بطلب من سكانها، لأن تسمية الرستميين مؤسسي أول دولة في الجزائر المعروفين بتقواهم وصلاحهم لا تليق هذه التسمية بفندق يستقبل السياح الأوروبيين.. وهكذا، يظل فندق » مزاب « الذي صرفت من أجله الدولة الملايير دون استغلال فعلي، وكان ذلك من شأنه توسيع مرافق الإيواء النوعية القليلة في ولاية غرداية التي يراعى فيها كل الشروط والمعايير المعمول بها في السياحة. وقبل إعادة فتح هذا الفندق أمام السياح، أبدى كثير من المواطنين في غرداية سخطهم من المبالغ الطائلة التي صرفت لإعادة تأهيل هذا المرفق السياحي، لما ينجر عن استغلاله من آفات اجتماعية تسيء لتراث المنطقة وتقاليدها العريقة، بينما لا زالت أحياء سكنية بكاملها في غرداية تعيش على هامش التنمية المحلية، ولم تستفد من برامج للتهيئة وتحسين المحيط وضمان عيش كريم للمواطنين.