لا تزال الكثير من العائلات الريفية بولاية خنشلة تحتفي بعيد ربيع العرب مع حلول شهر مارس من كل سنة في أجواء من العادات والتقاليد التي تختزنها الذاكرة الشعبية بهذه المنطقة من الأوراس. وتبقى كل الأيام في مارس محطة للاحتفال بهذه المناسبة الاجتماعية الموروثة عن الاسلاف منذ القدم والأفضل أن تكون في اليوم الأول من الشهر حسب السيد لعروسي الذي حضر في نفس هذا اليوم تظاهرة الاحتفاء التي نظمت بمبادرة من جمعية حماية التراث ببلدية خيران بأقصى جنوب الولاية. ويتم الاحتفاء بربيع العرب الذي يمثل سيد الفصول كما أشار نفس المتحدث بإعداد أطباق من المأكولات والحلويات التقليدية المتنوعة كالشخشوخة والزريقة والدشيشة والمرشوش والرفيس واليزراوي والبراج وغيرها من الأطباق التي تحضر بالسمن والعسل والزبيب وماء الورد والقرنفل إلى جانب عجين الخبز من القمح والشعير. ويجتمع على مائدة هذه المأكولات والحلويات التقليدية أفراد العائلة أو في شبه وليمة بين الأصدقاء والجيران والأهل والأقارب في أجواء حميمية تميزها حلقة سهر على أكواب الشاي . وتقوم ربات البيوت من جانبهن صبيحة يوم الاحتفاء قبل طهي الطعام وإعداد الحلويات إلى إخراج الأواني الجديدة من الطواجن والقدور وتنظيف الكوانين من بقايا الرماد القديم اعتقادا منهن "أنها تطرد" النحس والعين الشريرة والحسد غير أن هذه المعتقدات قد تلاشت بفعل السنين في ظل الوعي الاجتماعي . ورغم ذلك يضيف نفس المتحدث أن ربيع العرب لايزال يحظى باهتمام كموروث تقليدي عريق حتى في بعض الأوساط الحضرية بإعداد حلوة البراج بالتمر اليابس وتبادل الأطباق به مع الجيران. أما الدليل بمدى معرفة قدوم ربيع العرب فيرجعه العارفون إلى العلاقة بالوسط الطبيعي والملاحظة بالعين حيث يشار في هذا الصدد حسب الشهادات إلى التحسن التدريجي للمناخ والتعادل بين ساعات الليل والنهار إلى جانب ظاهرة ذوبان الجليد على بقع المياه وبداية اخضرار أغصان الأشجار وظهور اليرقات عليها وغيرها من الملاحظات الأخرى على الطبيعة بما في ذلك مرحلة التزاوج بين الطيور والحيوانات. كم يتم طوال أيام ربيع العرب الشروع في غراسة أصناف من الشجيرات حسب التتابع للأيام إلى غاية مرحلة الزبر وتنقية الأعشاب والأغصان الضارة وكذا العناية بتربية الماشية خاصة في مرحلة الولادة وطرق استعمال الأدوية التقليدية إلى جانب إعداد وإعادة بيوت تربية النحل حفاظا عليها من الهجرة إلى مناطق أخرى. وتبقى مظاهر الاحتفاء بربيع العرب الذي يمثل جانبا من العادات والتقاليد الشعبية جد محتشمة اليوم حتى في أرياف منطقة الأوراس في نظر الجمعيات المهتمة بالتراث التي دعت إلى ضرورة ترسيخ أصول وروافد هذه العادات والحفاظ عليها باعتبارها خزان للذاكرة الشعبية التي تستدعي تذكير الشباب بها في كل المناسبات لاسيما منها خلال العروض التي تنظم حول الصناعات والحرف والأزياء التقليدية التي تزخر بها كل مناطق البلاد.