تقع غابة "سيد علي بوناب" على بعد 25 كيلومتر غرب عاصمة ولاية تيزي وزو، كانت أثناء ثورة التحرير أحد معاقل المجاهدين لكثافة أشجارها ووعورة مسالكها الجبلية، وتحولت أثناء العشرية السوداء إلى قاعدة خلفية أساسية للإرهابيين، وأصبحت معاقل من الصعب الاستغناء عنها، تنقل "النهار" إلى هناك، جاء محاولة لاستكشاف خبايا هذه المنطقة الممنوعة، التي ارتبط اسمها بالإرهاب. هربنا من المنطقة خوفا على أبنائي من فراعنة الجماعات الإرهابية وجهتنا الأولى كانت آخر نقطة تقع بالمنطقة، وهي قرية "ايت شلمون" إذ تقع بين حدود ولاية بومرداس وهو الطريق الذي ما يزال موصدا أمام حركة المرور منذ العشرية السوداء، مرورا بقرية "اشاقالن"، وهي المناطق التي شهدت اكبر العمليات الإرهابية، وكانت أول عائلة زرناها "عائلة ب"، في بداية الأمر حسبتنا العائلة من المكلفين بإحصاء السكان، غير أننا كشفنا عن هويتنا حيث استقبلتنا 4 نسوة من عائلة واحدة، أكدت إحداهن أنها غادرت المنطقة منذ 1996، بعد أن أنهى ابنها أداء واجب الخدمة العسكرية، "لقد هربنا من المنطقة خوفا على ابني من غدر الجماعات الإرهابية التي كانت تصول وتجول بالمنطقة وأصبحت فرعون"، لتشد العائلة الرحال إلى منطقة تادميت طلبا للسلم والأمن. وردية ربة العائلة تبلغ من العمر 57 سنة، غير أن ملامحها تبدو اكبر بكثير عن سنها الحقيقية، أصيبت بمرض السكري نتيجة الصدمات والخوف الذي تجرعته مع عائلتها طيلة أيام عشرية الدم والدموع، دون أن يبادر ذهنها ولو للحظة مغادرة القرية، "إنها منطقة تربى فيها آبائي وأجدادي وأنا تحملت الخوف والرعب على أن أفارقها"، لقد كنا نسمع صوت الرصاص ودوي الطائرات التي كانت تحلق على بعد أمتار من رؤوسنا، كما كنا نسمع كل الاشتباكات التي كانت تحصل بالمنطقة بين رجال الأمن والجماعات الإرهابية"، تضيف السيدة وردية، وتؤكد أن القصف الذي كان يستهدف العناصر الإرهابية، تسبب في تشقق وتصدع الجدران، "لقد أصيب منزلنا بقذيفة تسببت سقوط جزء منه منذ حوالي شهر ولحسن الحظ أننا كنا غائبين". الاستقرار الأمني ملحوظ والخوف مازال مخيما على المنطقة وغير بعيد عن هذه العائلة التقينا عائلة "ب"، التي غادرت المنطقة منذ 1996 ، وعادت سنة 2006، وأكد لنا رب العائلة أن السبب المباشر لمغادرتهم المنطقة هي استفحال ظاهرة الاختطاف التي كانت تستهدف القرويين، "أنا لا أنكر وجود استقرار واضح مقارنة بسنوات التسعينات غير أن الخوف مازال يخيم على المنطقة". ونحن نتجول في المنطقة سيرا على الأقدام شد انتباهنا وجود بيوت تتوسط الأدغال، والبيوت المهجورة المترامية على جنبات المنطقة، رفقة الأرملة الحاجة وردية "74 سنة"، التي كانت تسرد علينا بعض المقتطفات من حياتها انطلاقا من حرب التحرير ووصولا إلى محاربة الإرهاب، وغير بعيد عن المنازل الأولى شد انتباهنا أربعة مساكن تظهر وسط الأشجار الكثيفة، حاولنا التقرب منها غير أن الحاجة وردية أقسمت بأغلظ الإيمان أن لا ادخلها، غير أننا عدنا أدراجنا بعد أن ودعناها، لنزورها. كانت الساعة تشير إلى الثالثة والنصف مساء، مشينا ما يقارب 1 كيلو متر، وكنا كلما اقتربنا من المكان يزيد شعورنا بالخوف خاصة وان المنازل كانت مهجورة منذ سنوات وكانت عرضة لزرع القنابل، من قبل العناصر الإرهابية انتقاما من أهل المنطقة، اقتربنا بحذر ولدى دخولنا المنزل، فوجئنا بقارورات الخمر وعلب السجائر، وملابس رجالية مرمية في كل قطر، أثبتت لنا أن المسكن عرف زيارة حديثة، خاصة وانه كان يحوي رمادا يتوسط أرضية القاعة، استعان أصحابه بقطع من الأجر للجلوس عليها، في غرفة تطل على منطقة تادميت وما جاورها، وبعد أن أشبعنا فضولنا، عدنا أدراجنا قاصدين وجهة أخرى. وفي طريق العودة صادفنا شابين من "عائلة.ب" اللذين أبديا ذعرهما لما عرفا أننا كنا داخل تلك المنازل المهجورة، "لقد جازفتم بحياتكم، نحن من أهل المنطقة ولم نقترب من المكان منذ ما يزيد عن 10 سنوات، أتعلمون كان من الممكن أن تلتقوا بالجماعات الإرهابية هناك"، وبدأ الشابان في سرد معاناتهما بالمنطقة المعزولة، خاصة القذائف التي تتساقط على المنازل جراء القصف الذي يصاحب عمليات التمشيط، وأوضحا أنهم عندما توجهوا إلى مصالح الأمن أكدت لهم أن المسؤول عن القصف هي الجماعات الإرهابية وليست مصالح الأمن التي مهمتها حماية المواطن وليس إرعابه. تركنا المنطقة التي لا يتعدى عدد سكانها 8 عائلات، بعد أن كانت تشهد اكبر تجمع سكاني يحوي ما يزيد عن 30 عائلة، والتي أكد مواطنوها أنها لم تشهد أي زيارة رسمية منذ سنوات وقال كل من صادفناهم انه حتى أعوان سونلغاز لا يحضرون فواتير الكهرباء والغاز إلى مقرات سكن العائلات بل تقدمها لأول شخص تلتقيه وتكلفه بتوزيعها على الزبائن المعنيين. حياة بسيطة ممزوجة بالخوف والرعب، والموت كلمة لا تفارق شفاههم تنقلنا إلى منطقة "ايت ورزيدين" الواقعة على بعد 20 كلم عن عاصمة ولاية تيزي وزو، بعد يومين من القضاء على إرهابيين في اشتباك مع عناصر الجيش ومرورا بمنعرج الموت، كما يعرف لدى أصحاب المنطقة باعتباره أفضل مكان للعناصر الإرهابية لتنفيذ عملياتهم الإجرامية، آخر عملية استهدفت عونا للحرس البلدي عشية عيد الفطر حين كان متوجها إلى عمله، ولدى وصولنا إلى قرية "بوخالد"، ذهلنا لما سمعناه فبعد أن كانت المنطقة تعج بالسكان لم تعد تجمع سوى 4 عائلات، ونزلت "النهار" ضيفة على عائلة س، المكونة من 4 بنات و4 ذكور، حيث روت لنا العائلة آخر اشتباك شهدته المنطقة يومان قبل زيارتنا حيث تم القضاء على إرهابي على بعد أمتار من مقر سكن العائلة، حيث أكدت لنا الزوجة انه خلال فترة الاشتباك كانت رفقة أبنائها بساحة المنزل، وفور سماعهم طلقات الرصاص انفجروا بكاء ومازالت الصدمة تلازمهم، العائلة قالت أنها تعيش حياة بسيطة ممزوجة بالخوف والرعب، والموت كلمة لا تفارق شفاههم، خاصة وان القصف لا ينقطع بالمنطقة، وأصبح من اليوميات، تقول اصغر الأخوات أنه خلال عمليات التمشيط تحلق الهيلكوبتر على بعد أمتار فقط من رؤوسهم مخلفة نوعا من الفزع، حيث تلجأ العائلات إلى الغرف وتوصد الأبواب والنوافذ " في كل مرة نسمع القصف لجأ إلى قراءة القران وذكر الشهادة خوفا من الموت، فكثيرا ما يتساقط الزجاج، جراء الدوي الهائل الذي يحدثه القصف". وأكد أفراد العائلات التي زرناها أنهم غالبا ما يلتقون أفرادا غرباء عن المنطقة غير أنهم لا يعلمون أن كانت تمثل الجيش أم العناصر الإرهابية، في حين قال معظم من التقيناهم أنهم لا يتعرضون للابتزاز باعتبارهم فقراء، في الوقت الذي غادر معظم الأثرياء المنطقة هربا من عمليات الابتزاز والتهديد بالتصفية التي كانوا يتعرضون لها.