يجهل الكثير من الآباء الطريقة المثلى في عقاب أبنائهم عندما يخطئون، بل منهم من كان سببا في إصابة ابنه بعاهة مستديمة في لحظة غضب. وإذا كان ديننا ينص على عقاب الأبناء في مواقف معينة وبطريقة محددة، وأخصائيو التربية لازالوا يؤكدون أن الضرب لا يأتي بأي فائدة تربوية تذكر. يجمع أغلب الآباء ممن تحدثنا إليهم أنهم ضربوا أولادهم يوما، خاصة أمام ضغوطات الحياة، يضاف إليه نكد الأبناء وتصرفاتهم التي تفقد العاقل صوابه، في حين يؤكد بعضهم أن هذا الجيل لا ينفع معه سوى أسلوب الضرب، لأن تصرفاتهم تبعث على الغضب الشديد على حد قول بعض من كانت لهم تجربة الأبوة أو الأمومة، فكان الضرب أحد أساليب التربية التي انتهجوها بعد ما استنفدوا كل الطرق الأخرى، غير أن ما يسجل على بعض الآباء أنهم لا يعرفون متى ولا كيف يعاقبون أبنائهم، فكم من طفل ضرب، لأن أباه أو أمه غاضبة، فكان من تفشي فيه غليلها، وكم من طفل عوقب بضرب مبرح كان سببا في إصابة خطيرة وهو ما حدث مع "حمزة" الذي كاد يفقد بصره بسبب غضب أمه، لأنه نزع لأخته الصغرى لعبة، فصار صوتها يدوّي في البيت صراخا، ولكن "أم حمزة" لم تشعر إلا وهي تقذف ابنها بحذاء جلدي لتصيبه على مستوى عينه وكاد يفقدها. طفل آخر فقد السمع بإحدى أذنيه على يد والده الذي كان جد متوترا بسبب خلاف بينه وبين زوجته، فكان غياب الطفل "رؤوف" عن البيت لوقت قصير بعد الغروب القطرة التي أفاضت الكأس، فلم يتمالك الوالد نفسه في لحظة غضب وصار يصفعه بقوة لعدة مرات، إلا أن الطفل وفي اليوم الموالي أفاق من النوم، وهو يؤكد أنه لا يسمع شيئا من أذنه اليمنى، وهو نفس ما أكده الطبيب المعالج للحالة، فأذن الطفل فقدت القدرة على السمع بسبب تحرك قوقعة الأذن من مكانها، وهو ما يتطلب عملية جراحية جعلت الأب يعض أصابعه ندما، لأنه ضرب ابنه، أم أخرى لم تدرك ما تفعله من شدة الغضب فراحت تغطس يد ابنتها صاحبة ثلاث سنوات في زيت ساخن مسببة لها حروقا خطيرة، فالطفلة اقتربت من الفرن التقليدي، وصارت تزيد من قوة النار حتى كادت المقلاة تشتعل، وهو ما أثار غضب الأم التي أكدّت أنها وفي لحظة لم تدرك فيها ماذا كانت تفعل، أدخلت يد الطفلة في الزيت الساخن. القصة تكاد لا تختلف كثيرا عن سابقيها، فالضحية هو الآخر طفل صغير في التاسعة من العمر، ولأنه غاب عن المدرسة لعدة مرات كان عقاب والده شديدا ولم يتمكن أحد من تخليصه هكذا تقول أم "أمين" التي أكدت أن زوجها لا يرحم عندما يغضب، حيث قام بغلق الغرفة وراح يضرب الطفل في كل أنحاء جسمه حتى تسبب في كسر أنفه وحدوث نزيف دموي حاد استدعى نقله إلى المستشفى، أما عن موقفها من الأمر، تقول أنه لم يكن باستطاعتها أن تفعل شيئا رغم أنها كانت تصرخ وتطلب منه أن يتركه، إلا أنه لم يكف إلا عندما تعب. جدة تثقب جسد حفيدها بالإبرة وأخرى تجرد ابنها من ملابسه وتطرده للشارع هي قصة جدة في السبعينيات من العمر مع حفيد لا يتجاوز سن الرابعة، ولكن هذا الأخير تغيرت تصرفاته وصار لا يطاق منذ أن أنجبت أمه أخاه الصغير فكاد يخنقه كلما انفرد به، وكان في كل مرة ينال حظه من العقاب، حيث تقول "أم سيد علي" أن طفلها أصبح عنيفا ولا يستقيم سلوكه إلا بالضرب، إلا أنها لاحظت بعد مدة ندوبا على جسده فظنت أنها إصابة ما بسبب كثرة حركته، ولكنها تفاجأت بجدته تستعمل إبرة لتغرسها في جسده كلما رأته يقترب من أخيه الصغير. أما والدة أخرى ولولا أن الجميع يشهد أنها بالفعل الأم البيولوجية للطفل "أيمن" لما صدّق كل من شهد تلك الحادثة التي قامت فيها الأم بعد أن راودتها الشكوك أن ابنها صاحب سبع سنوات قد قام بسرقة مبلغ من المال، حيث قامت بربطه وغلق فمه، بل وتجريده من كل ملابسه لتنهال عليه ضربا بأنبوب بلاستيكي وهددته أنه سيبيت خارج البيت إن لم يعترف، أين أخذ المال، وهو فعلا ما حدث، حيث أجبرته على الخروج عاريا ليلا وهي متأكدة أنه لن يستطيع الهرب مادام مجردا من ثيابه ما أثار انتباه الجيران الذين أكدوا أن الأم تعاني من اضطرابات نفسية منذ طلاقها بدليل أنها صارت تبكي عندما هدأت أعصابها. المراهقة فترة التمرد وصفعة قد تكلف الكثير ينتقد العديد من الأخصائيين النفسانيين سلوك الضرب كأسلوب في التأديب، خاصة في فترة المراهقة التي تعتبر فترة تمرد يرفض فيها الشاب كل ضغط أو تحكم، فما بالك بالضرب ما قد يفتح الباب على مشاكل أخرى وهو ما حدث مع "سليمان" صاحب ال 15 سنة والذي ترك البيت، لأن والده صفعه أمام أصدقائه بعد أن وجده يستهلك سيجارة، ولم يقبل الرجوع إلا بعد أن اعتذر منه والده، والحادث نفسه وقع مع "رانيا" 17 سنة، والتي هربت إلى بيت خالتها بعد أن ضربتها والدتها ولم تتركها تخرج من البيت رفقة صديقاتها ما جعلها تترك البيت وترفض العودة رغم محاولة أفراد العائلة الإصلاح بينها وبين والدتها. للضرب شروط والليونة أفضل الطرق وعن سلوك الضرب كأسلوب من أساليب التأديب، تقول "زهية مدني" مرشدة دينية، أن الضرب ليس طريقة مثلى في عقاب الأبناء، ولكن ديننا الحنيف نص عليه في مواقف معينة، ولكن بعد استنفاد كل طرق التربية الأخرى مثل ترك الطفل للصلاة بعد سن معين، مستدلة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر". ومن النصائح التي قدمتها المرشدة الدينية أنه يجب على الأب أو الأم التحكم في الأعصاب في معالجة الأخطاء التي يرتكبها الطفل، ويجب عليهم أن يعرفوا متى يعاقبوا ويجعلوا من العقاب هدفا من أجل تقويم سلوك الطفل وجعله لا يرتكب نفس السلوك مرة أخرى وليس الضرب من أجل الضرب وإشفاء غليل الغضب عن طريق الضرب، كما يحرص أن لا يكون العقاب على مرآى الجميع مع مراعاة عدم الضرب في مناطق حساسة كالوجه والأعضاء الظاهرة استنادا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه"، كما يجب أن يحاول المعاقب أن يجعل الطفل يشعر أنه يعاقبه من أجل مصلحته حتى لا يكره أحد والديه، هذا وشبهت المتحدثة الضرب من أجل التربية والتأديب كالملح الذي يوضع في الطعام، فقليل قد يكفي، ولكن الكثير قد يكون سببا في انحراف الطفل.تضيف خلال حديثها عن أخطار الضرب إضافة إلى المخاطر الجسمية التي تنجم عنه، يمكن أن تزيد من إمكانية أن ينشأ الطفل مضطربا نفسيا ومنحرفا وأحيانا يصبح قاسيا في محيطه، وقد يسلك نفس التصرف في عقاب أولاده عندما يصبح أبا أو أما، تضيف في هذا الخصوص "الطفل هو في الحقيقة عجينة لينة يمكن أن نصنع بها ما نشاء، وليس هناك أفضل من الأساليب اللينة والطريقة المثلى للعقاب، يجب أن تمزج بين الثواب والعقاب، فيمكن أن نستعمل الثواب بحيث يكافأ الطفل عندما يلتزم بالأوامر، ويمتنع عن النواهي".