إن غالبية الآباء والأمهات يحبون أبناءهم ويهتمون بهم ويريدون مصالحهم, وهم يريدون بشدة بالغة لو حاول أي شخص غريب حتى لو كان معلما أو جارا أو مربية ضرب ابنهم أو إلحاق الأذى به إلى جانب ذلك فإن عددا غير قليل من الآباء والأمهات يضربون أبناءهم أحيانا، أو على الأقل لا يسقطون إمكانية كهذه. من أين تنبع هذه الرسالة المزدوجة؟! من الممكن أن يكون هذا الأمر نابعا من الحيرة والبلبلة بين ما هو مسموح وما هو ممنوع, ويجوز أن نظن أن هذا الضرب لا يؤلم الولد ولا يضره, ويمكن أن تكون البيئة هي المقررة بشكل عام, وإذا كان يقصد التربية فهو ليس سيئا إلى حد كبير, ويمكن أن يكون الأمر نابعا من التجربة الشخصية, وأنا أيضا عندما كنت طفلا ضربوني وبقيت حيا. ويجوز أننا نعتقد في أعماقنا أن الولد تابع لنا على أية حال وهو ملكنا ولهذا يجوز لنا. ومن الممكن أن يكون استخدام الضرب بشكل عام شاهدا على ضيق ذرعنا وفقدان الصواب. ومهما تنوعت الأسباب من الضروري أن نضع نصب أعيننا هذه الحكمة "ما لا ترضاه لنفسك لا ترضاه لصديقك" وما بالك إذا كان الهدف أبناؤنا. إن الضرب وحده ليس تربية, والصفعة ليست عقابا أخلاقيا, والنتيجة طالما تكون قصيرة المدى وغير مؤثرة تأثيرا مباشرا على سلوك الفرد. ومن جهة أخرى ليس كل ضرب يعني تنكيل وليس كل والد أو والدة يضرب ابنه أو تضرب ابنها يعتبر تنكيلا به, ويجب التمييز بينهم. هناك أبحاثا عديدة أكدت وأثبتت مرارا أن العقاب الجسدي لا قيمة تربوية له والتأثير الوحيد له إدخال عادة العنف في طباع وسلوك الأجيال. وقد يخدم العقاب الجسدي حاجة الوالدين في تفريغ غضبهما وإحباطهما ولكن هذه الوسيلة تعلم الولد المهانة وتسبب الإيذاء النفسي والعاطفي وتراكم مشاعر الغضب. لذلك سأحاول أن أضع الحدود بلا ضرب من أجل مساعدة الآباء على التربية بدون إلحاق الأذى ومن أجل استخدام العقل بدل الأيدي, ماذا يمكن أن نعمل؟: 1- يمكن تربية الأطفال على الاستقلال والمسؤولية 2- يمكن تعويد الأطفال على الطاعة والانضباط الذاتي من خلال آرائهم وأقوالهم والإنصات لهم. 3- يمكن وضع حدود واضحة للأولاد 4- يمكن استعمال العقاب (الغير جسدي) والثواب في التربية بشرط أن يكون ملائما ومناسبا لأفعال الطفل. والآن لماذا نحتاج للطاعة في تربية الأولاد؟ المقصود في الطاعة تربية وتكوين وصياغة طباع الأطفال, والمقصود ليس الطاعة العمياء والصلاحيات المطلقة والانصياع الأعمى, فالطاعة تتطلب الثقة والممارسة خطوة بخطوة. فمثلا الطفل الذي يختار تحضير دروسه وتنظيم غرفته في حال غياب والديه ويعمل هذا قبل أن يتفرغ لأمور ممتعة أكثر فهو يتصرف بشكل مسؤول وانضباط ذاتي, والطفل الذي يكون سلوكه مماثلا في حال وجود والديه وفي حال عدم وجودهم, يعبر عن مسؤولية واستقلال وتحكم في سلوكه. لماذا يجب وضع حدود واضحة! إن الطفل بحاجة لإطار ثابت وقواعد واضحة,وهذا يساعده على التصرف حسب قواعد مقبولة. فهو يتعلم بأن يضع لنفسه الحدود وذلك عن طريق استيعاب مطالب والديه وتقليد تصرفاتهم. إن الأنظمة الثابتة تمنح الطفل الشعور بالأمان, مثل المحافظة على وقت الطعام والاغتسال واللعب وما شابه. فهذا من شأنه أن يبعد الطفل عن البلبلة والشعور بعدم الراحة والإحساس بكونه لا يعلم ما ينتظره. فهذه التوجيهات تساعدكم على وضع الحدود: 1- أصغوا للطفل وحاولوا أن تفهموا وجهة نظره,لستم ملزمين بأن توافقوه ولكن مجرد الإصغاء يعطي الطفل إحساسا بالمشاركة والاحترام. 2- الطفل يميل للانصياع للقواعد التي شارك في وضعها,ومن الواضح أن هنالك قواعد يحددها أولياء الأمور فقط. 3- امنحوا للطفل إمكانية الاختيار وأوضحوا هذا الأمر له. 4- امنحوا الطفل التعبير عن رأيه ومشاعره فيما يتعلق بالحدود التي تضعونها .إن إشراك الولد حتى لو كان صغيرا جدا يساعدكم في وضع حدود معقولة. 5- اشرحوا الأسباب لطلباتكم وكونوا واثقين بأن الطفل يفهمها حقا,وكونوا مقتنعين بها بأنفسكم. 6- من المفضل البدء بعدد محدود من القواعد,وليس الإكثار من الطلبات. 7- أعطوا الطفل توجيهات واضحة ودقيقة ومختصرة. 8- مرروا على مسامع الطفل القوانين والقواعد أكثر من مرة فالولد بحاجة للتذكير المرة تلو المرة. 9- اعدوا الطفل لمواجهة النشاط المرتقب له.فالطفل يجد صعوبة في الانتقال الفوري من نشاط إلى آخر فالتحذير قبل عدد من الدقائق يساعد الطفل لأن يستعد للنشاط الجديد. والآن! هل وضع الحدود لا يجعل طفلي يفكر بأني متصلب/ة أكثر مما ينبغي! إن وضع الحدود وتحديد القواعد لا تحول الوالدين إلى متشددين إذا تم ذلك بصورة معقولة ومرنة على حد سواء. قد يتذمر الأبناء أحيانا لكنهم يقدرون الاهتمام الذي تبدونه,فهم يتعلمون الشعور بالمسؤولية من أعمالكم,فالتربية بلا حدود تصبح نتيجتها الفوضى والانحراف والهلاك وإذا بلغ الطفل سن الرشد سيكون غاضبا على والديه لأنهما عجزا عن وضع الحدود والقيود لسلوكه وتصرفاته. 10- إن العقاب والثواب قواعد أساسية ويجب العمل على إتقانهما. فالعقاب يجب أن يكون ملائما للحدث وفوريا ومتشابها لجميع الأبناء,ويتطلب الملاحقة والمتابعة والاستمرارية,فمثلا مصادرة أغلى ما يملك الطفل لفترة قصيرة قد يكون عقابا تربويا وكذلك الحرمان من أمور قد يسبب فقدانها للطفل عاملا مقوما لسلوكه. أما الثواب فيكون الأصل مدح الطفل والإطراء عليه على سلوك لائق ومطلوب, وإعطاء الملاحظات حول الأخطاء والسلوك السلبي,والمفضل امتداح طفلكم على كل تغيير في السلوك,حتى لو كان التغيير قليلا,فالإكثار من المديح والتشجيع يساهم في تطوير صورة إيجابية للطفل عن نفسه. من المناسب إيضاح موقفكم من السلوك غير المقبول بصورة مفصلة وواضحة,ومن المطلوب الحديث عن الطفل في جو من الاحترام والتعاون,وأن يشارك في اتخاذ القرارات.من الضروري إعطاء الطفل الفرصة للإعراب عن الغضب والمرارة عندما يتعين عليه الانصياع لقواعد لا يحبها. فالامتناع عن استعمال الضرب والصياح والتهديد والنقد اللاذع والألفاظ النابية ضروري فهي ترتد عليكم أنتم الآباء وتزود الطفل بالكراهية والضغينة والتمرد. أنتم الآباء والأمهات قدوة لأطفالكم فالطفل يقلد سلوك والديه فإذا قمتم باستعمال الضرب أحيانا وعادة ما يحصل فعلى الأقل قولوا بصراحة أننا نأسف لاستعمال هذه الوسيلة كان بودي أن استعمل بديلا آخر هكذا يتعلم ابنكم أن يقول هذا عندما يسيء للآخر. ///////////////**************///////////// نعم.. توجد مراهقة أخرى لمعلوماتكم، توجد مراهقة أخرى، حيث صفات التمرد والرفض مناسبة للمراهقة الحقيقة، ولكن هذا التمرد يحصل في أحضانكم وبين أذرعكم. الأخصائية الاجتماعية إيمان خلف تحدثت عن قصة تمرد لطفل لم يخرج من قشرة البيضة. جيل "لا أريد" "لا أريد"! هل سمعتم هذه العبارة، تتكرر مرة بعد أخرى. نعم بالضبط، إنه طفلكم في جيل ما بين السنتين والثلاث سنوات. إنه في عمر "لا أريد". وهو أيضًا "جيل اللاءات"، ويطلق عليه أيضًا "جيل التمرد" أو "مراهقة الطفولة". هذه التسميات المتعددة، وهنالك غيرها، لم تُطلق عبثا، بل جاءت للتعبير عن مرحلة هامة من عمر الطفل. مميزات مراهقة الطفولة : هذه المرحلة تتميز بعدة مميزات 1- الشعور بالاستقلال: تتوفر لدى الطفل، بعمر سنتين، القدرة على الاستقلال من الناحية الجسدية وأن يعتمد على ذاته، فنراه يركض لوحده ويتحدث بطلاقه ويشعر بأنه قادر "مثل الكبار". وعمليًا فهو يطلب منا أن نعامله كما يتم التعامل مع الكبار، ابتداء من اتخاذ القرارات وحتى القيام بوظائف معينه داخل البيت. 2- طابع العناد: في هذه المرحلة يزداد عناد الطفل ويصبح متصلبًا برأيه. يرفض الانصياع لأوامر الأهل. ويطلب عمل كل شي لوحده وبقواه الذاتية. وعندما يرفض الأهل طلباته، وحتى عندما يحاولون مساعدته، فإنه يرد بنوبات من الغضب الحاد فنراه يرمي نفسه أرضًا، تارة وأحيانًا يبكي بحرقه. 3- الطقوس في هذا العمر نرى الطفل يُقيم طقوسًا لأي عمل يقوم به. وفي الوقت نفسه يطلب من الأهل تنفيذ برامج الطقوس بحذافيرها، والويل ثم الويل للأهل في حال إخفاقهم في تنفيذ المهام الموكلون بها من قبله. فنجد الطفل وقد استبد به الغضب ويثور بحدة ويطلب من الأهل أن يتّبعوا الأجندة التي وضعها بحذافيرها، وأن يتماشوا كذلك، بموجب الطقوس التي يرتئيها. ومثال على ذلك لنأخذ طقس الدخول للحمام، فنجد الطفل يحدد من هو الشخص الذي يرافقه، ويحدد كم من الوقت سيبقى في الحمام، ثم يحدد طريقة غسل يديه وتنشيفها، وما إلى ذلك من تفاصيل متناهية الدقة، تجعل الأهل أحيانا يفقدون صبرهم، بعد أعصابهم، وفي حال مخالفتهم بندًا واحدًا من بنود هذه الطقوس التي قد وضعها، فإنه يدخل في حالة الغضب. أحيانا يكون رد فعل الطفل إذا لم يتجاوب أهله معه هو الانسحاب والتراجع بتصرفاته، فنرى الطفل يتصرف بطريقه تناسب أطفالا أصغر منه، مثل الشرب من القنينة أو التبول اللاإرادي. وهذه التصرفات تنبع من عدة أسباب : 1- إدراك الذات إدراك الطفل بهذا العمر للأمور يبدأ من إدراكه لذاته. فبينما قبل جيل السنتين لا يميز الطفل بين "أنا" واسمه، نراه في هذا العمر، في عمر ما بين السنتين لثلاث سنوات، يتحدث عن نفسه بضمير "الأنا" ويبدأ بالسيطرة على صيغة المؤنث والمذكر وكذلك المفرد والجمع. 2- تذكر الأحداث وتطور الخيال في هذا العمر يبدأ الطفل بتذكر الأحداث، فهو لا يعيش اللحظة الراهنة فقط. وفي هذا العمر يتطور خياله، حيث نجده يتحدث مع ألعابه ويؤلف القصص حولها. 3- إدراك احتياجاته الجسدية يدرك الطفل في هذه المرحلة احتياجاته الجسدية ويستطيع القيام بهذه الاحتياجات مثل التبول والخروج، فيصبح من المناسب في هذا العمر أن يُفطم من الحفاظات. 4- إدراك ما يدور حوله ولكن بتجاهل وجود الآخرين: وفي هذا العمر يصبح بإمكان الطفل إدراك الأحداث التي تدور من حوله، وفقط باتجاه واحد- اتجاهه هو طبعا، وكأن للآخرين لا يوجد "أنا" يخصهم هم أنفسهم. وهذا ما نراه جليًا، مثلا، عندما يقوم الطفل باللعب لعبة الغميضة، فيغطي عينيه فقط. أو يقف وينادي الشخص الذي يبحث عنه؛ عندما يشد الآخرين من شعرهم ولا يستوعب بأنهم يتألمون مثله، تماما كما هو الحال عندما يشد أحد شعره؛ أو لدى إصراره مثلا على رأيه هو، وكأن الآخرين لا رأي لهم ولا رغبات خاصة بهم. هذه الرؤية ترافق الطفل حتى عمر أربع سنوات تقريبًا. وفي هذا العمر من المهم جدًا التوضيح، وبإسهاب، للطفل ما يقوم هو به، وفي الوقت ذاته وضع الحدود له. ولكن كل ذلك يجب أن يتم من خلال تلبية حاجة الطفل المستمرة للحب ووضع الحدود، لأن هذه الحدود تحميه من ذاته أولا ومن الآخرين لاحقا. وهنا لا بأس من إيراد مثل نواجهه جميعًا، فعندما يقوم طفل بشد شعر أخته وإيلامها، فمن المهم أن يشرح الأهل للطفل بأن شد الشعر يؤلم الأخت جدا كما يؤلمه هو عندما يشد شعره شخص ما. دور الأهل في "جيل مراهقة الطفولة"، تقع على الأهل مهمة الشرح والتوضيح والتفهم والاحتواء، الأمر الذي يحتاج الكثير من الصبر. من المهم التذكر هنا، بأن هذه الفترة عابرة، قد تستمر عدة أشهر. بعدها ينسى الطفل كل عاداته خلال هذه الفترة، وينتقل لمرحله جديدة من حياته. ومن المهم أيضًا عدم المبالغة بالممنوعات والحدود التي نحاول فرضها على الطفل، لأن ذلك يتعب الطفل جدًا، ويصعّب عليه استيعاب اللاءات كلها. عمليا بهذا النهج يستوعب الطفل ويتعلم تذويت الضوابط لأن الأهل يشرحون ويوضحون له موقفهم ورأيهم بدون إهمال مشاعره. فإذا بكى الطفل وصرخ ورمى بنفسه على الأرض، بعد أن شرح الأهل موقفهم، من المهم عدم تركه وأيضا عدم إرضائه، فالحل هنا هو بالتواجد قريبا منه حتى يفرّغ غضبه وينهي بكاءه، عندها بالإمكان التحدث معه مرة أخرى. في هذا العمر يكتسب الطفل ويذوّت القيم والأخلاق، ومن المهم جدا، كما بكل عمر أيضًا، منحه الحب ووضع الحدود له لحمايته من نفسه ومن الآخرين استمرارا بجيل المراهقة ووصولا للبلوغ.