ارتبطت مدينة تيبازة بمعلم «امرأة البحر»، وهو مكان يخلّد إحدى النساء الشهيرات في الذاكرة الجمعية المحلية، ويشكّل بنظر متخصصين نموذجا للسياحة الأثرية في منطقة تستوعب عديد المكنونات القديمة من قبر الرومية إلى أطلال الرومان وغيرها التي تستهوي آلاف الأشخاص دوريا. وبحسب الروايات المتواترة، ظلّ معلم «امرأة البحر» يلقى رواجا بفضل ما نُسب إلى صاحبته من خصلتي «الصبر والصمود»، ويجسد المعلم تمثال امرأة تضع يديها على رأسها وكأنها تنتظر عزيزا غاليا، يشبه تمثال «كليوباترة» الموجود في قلب متحف المدينة وهي زوجة الملك يوبا الثاني ابن ملك نوميديا الذي حكم المدينة عام 25 بعد الميلاد، وتقول الأسطورة التي يتداولها السكان في مدينة تيبازة، أنّ كيلوباترة كانت تنتظر يوبا كل مساء ليعود من الغزو، ولكن أملها خاب وبقيت على تلك الحال مدة طويلة حتى توفيت هناك بالقرب من شاطئ البحر، فأقيم لها تمثالا تخليدا لها وتعبيرا على الوفاء والحب الذي جمع يوبا وكيلوباترة. بيد أنّ الآراء والتأويلات تتضارب بشأن حقيقة الحكاية والمسمى الحقيق للتمثال المذكور، فهناك من اختار له من التسميات «عروس البحر» وفريق آخر أطلق عليه مسمى «امرأة البحر»، بينما ارتضى آخرون كنية «الملكة الأسطورة»، وظلت هذه التسمية الأخيرة راسخة ومحببة، حتى أنّ التمثال المذكور أصبح عنوانا لمدينة تيبازة السياحية الجميلة. وتشهد ساحة تمثال «الملكة الأسطورة» إقبالا منقطع النظير من زوار مدينة تيبازة السياحية الشهيرة بمعالمها التاريخية، بيد أنّ التمثال المذكور الذي يتوسط المدينة ويطل على البحر، ويعانق متحفا رومانيا في الهواء الطلق، يعدّ المزار الأكثر شعبية، ويختزل التمثال بحسب شهادات السكان، أسطورة إمرأة كانت تنتظر خطيبها ليعود من الميناء رفقة أصدقائه الصيادين، لكنّه لم يعد أبدا، وتقول الأسطورة أنّ حوت البحر أكله، لكنّ حبيبته ظلت تنتظره في المكان ذاته إلى أن توفيت هناك، فنٌصب لها تمثال تخليدا لذكراها. لكن الصياد المخضرم «الشيخ علي» (65 عاما) يقول إنّ التمثال يمجّد ذكرى إحدى النساء التي انتظرت رجوع ولديها من الصيد ولما علمت بفقدانهما، ماتت من شدة الحزن هناك. وفي الحالتين،، يجمع فؤاد وأيمن ونسيمة وغيرهم من أبناء المنطقة، على أنّ التمثال يبقى رمزا للوفاء ونقاء السريرة، وقيمة المرأة الأصيلة وأثر ذلك على المجتمع الأسري الكبير، لذا لا يملّ الكثيرون من البقاء بجانبه ساعات طوال، وهناك من الصيادين من يفضل ممارسة هوايته بجوار التمثال تبركا، آملين في العودة إلى ديارهم في المساء محملين بالكثير من الأسماك والحيتان. وارتضت إدارة المتحف العتيق لمدينة تيبازة، أن تعرض تمثالا يشبه نفس التمثال الموجود في المتحف ووضعته في مكان محاذي لميناء المنطقة كرمز لتاريخها وتقديسا لقيمة الحب وتخليدا لأساطير تيبازة كمدينة أثرية عانقت قدماء الرومان، وكانت مركزا للمملكة التي يحكمها الملك «بوكوس الثاني» في منتصف القرن الأول قبل الميلاد، واستنادا إلى مؤرخين، امتدت تلك المملكة من المحيط الأطلسي إلى مدينة سطيف، وقد استرجع المملكة فيما بعد «يوبا الثاني» ابن ملك نوميديا في عام 25 بعد الميلاد. والمثير فعلا، أنّ التمثال كما سائر الأضرحة ومقامات الأولياء الصالحين، تحولّ إلى ساحة كبيرة للتيمن، فالعازبات تأتين إلى هنا بحثا عن حظ العثور على فرسان الأحلام، كما أنّ المرشحين لدخول القفص الذهبي، (يحجون) إلى هناك عشية حفلات زفافهم، أين (يتبركون) على حد تعبيرهم، ويطلبون التوفيق على درب استهلال حياة زوجية موفقة، وعلى منوال ما يحدث بالضريح الشهير «سيدي عبد الرحمان الثعالبي» بأعالي العاصمة الجزائرية، يؤمّ تمثال «الملكة الأسطورة» قوافل من المصابين بأمراض مزمنة يأتون إلى هناك طالبين علّ وعسى يشفيهم الله من عللهم، وكلهم يجمعون في نغمة موحّدة على أنّ (المكان مبارك).