يطالب متعاملون في مدينة شرشال الساحلية، باستحداث السلطات لمزارع بحرية متخصصة، تصلح لعديد الأغراض من تسمين سمك التونة إلى تربية المائيات وتوابعها، وهي حتمية تفرض نفسها لتأمين الإنتاج الوطني، وتفتقر الجزائر لمثل هذه المزارع رغم أهميتها القصوى، ونتيجة لهذا الغياب، تضطر عشرات المجموعات المستثمرة في شرشال وغيرها من المدن الساحلية، إلى الاستعانة بخدمات مزارع تسمين في دول الجوار كليبيا والمغرب وليبيا، وما يترتب عن ذلك من نفقات إضافية تثقل كواهلهم. في وقت لا تزال المزارع البحرية غائبة في الجزائر، رغم ضرورتها لتأمين الإنتاج المحلي ودعم المستثمرين، يشير "يحيى زان" أحد المتعاملين في القطاع إلى ما تنطوي عليه المزارع البحرية من أهمية ومزايا مشهود لها عالميا على صعيد ترقية وتنمية هذا النشاط، والتحكم في الأدوات اللازمة للتحكم في سوق هذا المنتوج، خصوصا في ظلّ المصاعب التي تواجهها شركات الصيد الجزائرية على صعيد حفظ وتسويق المنتوج. ويعرف نشاط الصيد الاحترافي بواسطة المصيدة، مجالين تجاريين الأول جد هام وهو تغذية التونة الحية في مزارع التسمين الموجودة في البحر المتوسط (تونس، إيطاليا، إسبانيا، تركيا، مالطا وعن قريب ليبيا والمغرب)، والمجال الثاني له أهمية ضئيلة وهو موجّه نحو السوق المحلية للتونة الميّتة التي تنطوي على قيمة تجارية أقلّ. وطلب مستثمرون من وزارة الصيد البحري، إنشاء مزرعة نموذجية لتسمين التونة الحمراء، في ظلّ ما برز غداة انتهاء حملة صيد التونة للعام الحالي، إلاّ أنّ الأمور لا تزال تراوح مكانها. ولم تطلق الجهات المسؤولة أي إشارة تؤشر على اقتراب إنشاء مزارع من هذا النوع، رغم أنّ خبراء يشدّدون على أنّه حان الوقت لكي تدخل شرشال بشكل خاص وكذا الجزائر عموما في سوق التونة الحمراء، من خلال مزرعة عصرية للتسمين ذات مردودية، ويقترح "كريم يحيى" بهذا الصدد، الاستعانة بالخبرات المناسبة في السوق العالمية. ويرى خبراء أنّه من الوهم الاعتقاد بأنّ السوق المحلية يمكنها امتصاص كمية كبيرة من هذا المنتوج ذي القيمة التجارية العالية في الأسواق العالمية الكبرى (اليابان، الولاياتالمتحدةالأمريكية، الصين وأوروبا)، خصوصا مع ما يختزنه الشريط الساحلي الجزائري الممتد على طول 1200 كيلومترا، ومراهنة الجزائر على رفع إنتاجها من المواد الصيدية إلى حدود 274 ألف طن سنة 2025، بينها 221 ألف طن من الأسماك، و53 ألف طن من منتجات تربية المائيات، فضلا عن تطلعها لاستحداث مائة ألف منصب شغل جديد. ويلاحظ مختصون أنّ الجزائر ستخسر حصة كبيرة من الموارد المالية بالعملة الصعبة، بسبب عدم تصدير منتوجها في الأسواق العالمية تحت العلامة الجزائرية، من جانبه، يشير الخبير "يحيى زان" إلى أنّ التصحيحات تفرض نفسها، لتطوير هذا النشاط الخاص بصيد التونة الحمراء في الجزائر، إذ يرى بحتمية استثمار مزيد من الأموال والموارد البشرية في العنصر الثالث وهي مزارع تسمين التونة الحمراء. ويُرتقب أن تفتتح الجزائر بحر العام القادم أول مزرعة نموذجية لتربية الجمبري في البلاد، وهو مشروع استفاد من مخصصات زادت عن 2.3 مليون دولار، ويأمل مراقبون أن تسمح الخطوة بتربية أنواع أخرى من الأسماك، سيما تلك التي تعيش في المياه العذبة. وتتربع مزرعة تربية الجمبري المذكورة على 15 هكتارا وستقام في ضاحية الرغاية، وتضم هذه المزرعة مجموعة من الأحواض والتجهيزات الخاصة بتربية الجمبري، بالإضافة إلى هيكل موجه للتكوين والبحث والاستشارة، وسيتكفل متعامل كوري جنوبي بالتمويل، على أن ينهض الطرف الجزائري بإنجاز الطريق المؤدي إلى وحدة تربية الجمبري على مسافة تقارب الكيلومترين وربطها بشبكة الكهرباء. وتبعا لامتلاك الجزائر إمكانات طبيعية تؤهلها لتصدر لائحة الدول المنتجة للموارد الصيدية، يتوقع مراقبون إنتاج ما بين 20 إلى 30 مليون طن سنويا من سمك الجمبري، ويتجه التفكير إلى حث مستثمرين محليين وأجانب على الاهتمام بتربية الجمبري، وكذا سائر الأسماك، والاعتناء بأنواع نادرة من سمك "السوندر" الذي يفوق وزنه 12 كلغ، و"الشبوط الملكي" بأنواعه الثلاثة بأوزان تتراوح بين 5 و6 كلغ وكذا سمك "البوري"، مع الإشارة أنّ الجزائر تصدّر القشريات كالجمبري والأسماك الطازجة نحو إسبانيا خصوصا، بينما تستورد سنويا ما معدله 16 ألف طن من مختلف الأسماك. وتقول دراسات أنّ الجزائر تتوفر حاليا على نحو 71 موقعا ملائما لاستزراع المائيات، دون احتساب مئات الأحواض الخاصة بالمزارعين، والتي تمتلك مناخا مناسبا وشروط بيئية مثلى تضمن نجاح تجربة تربية المائيات، وشهدت الأخيرة نجاحا أيضا في مجال إنتاج الصدفيات والمحار. وعلى سبيل المثال تمكّن أحد المستثمرين الخواص ببلدة عين طاية من إنتاج 10 أطنان من الصدفيات و5 أطنان من المحار، في سنته الأولى، ما يؤشر على المزيد من الثروة المخبوءة والتي قد تنجح في تفجير ثورة صيدية ضخمة في البلاد، سيما بعد نجاح استزراع أحواض مائية في ثلاث مناطق مختلفة، وبروز طرق تربية المحاريات بأنواعها في بعض المشاريع الاستثمارية في الجزائر وقد تميزت بنجاح وتطور ملحوظين في جميع المناطق الداخلية وبعض الولايات الساحلية. وأصبحت عملية استزراع الأعشاب البحرية وإقامة الأحواض في مياه البحر أو ما يُعرف ب"تربية المائيات" تستأثر باهتمام جمهور المستثمرين في الجزائر، سيما بعد نجاح تجربة أولى من نوعها، تمّ خلالها استزراع 6800 من بيضات أسماك "الشبوط" و"البلطي" عبر 13 حوضا في محيط شرشال وضواحيها، وهو ما أغرى متعاملين هناك بتعميم التجربة ونشرها على امتداد باقي المناطق، ضمن استراتيجية يراهن عليها متعاملو القطاع لدفع قطاع الصيد البحري وتوظيف الموارد الصيدية من خلال خلق مشاريع يستفيد منها مستثمرون خواص. وتأتي أهمية تربية المائيات في كونها مصدر أساسي يمكن الاعتماد عليها لحماية الأمن الغذائي، وخاصة تأمين البروتين الحيواني ذو القيمة الغذائية العالية، بالإضافة لحماية وتدعيم المخزون الصيدي الطبيعي، وكذلك خلق فرص عمل في مجالات صيدية مبتكرة، علاوة على تنمية المناطق المنعزلة والمساهمة في إخراجها من دائرة الفقر والحرمان.