لم يعد منظر المتسولين المنتشرين عبر كامل أزقة وأحياء ولاية قسنطينة. يثير استغراب وشفقة المواطنين بعد تفاقم الظاهرة التي تحولت إلى مشكلة حقيقية وذلك بعدما امتهن أشخاص حرفة التسول، والتي أدخلت شرائح مختلفة إلى ميدانها الذي لطالما عج بالأطفال الرضع والشيوخ والعجائز الطاعنات في السن والنساء اللواتي أصبح نحيبهن بالعوز يملأ ربوع وأقطار أهم شوارع عاصمة الشرق الجزائري، الأمر الذي سد أبواب الرحمة من أبسط مداخلها وذلك عندما أصبح المواطن لا يفرق بين المحتاج الحقيقي والمزيف. خلال تجولنا بأهم الشوارع وأزقة الأحياء الكبرى بولاية قسنطينة، أثار انتباهنا تجانس مظهر أغلب المتسولين فزيادة على كثرة أعدادهم لاحظنا ارتداءهم لنفس القناع المصاحب لنفس الوسائل التي عادة ما تكون شريحة الاطفال من ضمنها، وذلك لكسب شفقة أكبر وربحا أوفرا فضلا عن عزفهم لنفس ألحان الأدعية كدعاء “الله يسترك وربي يعيشك سلكلي خبزة والله يفتحها في وجهك” وغيرها من الأدعية التي تتناسق بنفس النبرات ولغة العيون التي تغمرها دموع تكون كدموع التماسيح في أغلب الأحيان، خاصة شريحة الشباب التي تتمتع بصحة جيدة إلا أن عوزها لإرادة أكبر في كسب القوت الحلال واستغلال طاقاتها الفكرية والعضلية وتوجيهها نحو سوق العمل أحالت الوضع إلى افتراش الرصيف والزيادة من الإزدحام والضجيج إلى ساعات متأخرة من الليل بعد عملية بسط الأيادي في وجه الواطن طيلة النهار، الأمر الذي أدى إلى سخط الكثيرين منهم خاصة بعدما فقدت مدينة الصخر العتيق جميع محلياتها وتراثها الأصيل الذي غمرته الطابوهات، فنزعت قناع الحشمة وشتى الضوابط الإجتماعية هذه الأخيرة التي اخترقتها شريحة المتسولين الذين جمعتهم مدينة قسنطينة، بعد قدموا من ولايات أخرى خاصة ولايات الجنوب ومما زاد الطين بلة هو استخدامهم للأطفال ضمن نشاطات عصابات مختصة في تأجير الأطفال وذلك بهدف تحقيق الربح المادي بعد عرضهم في الشوارع بصورة مأساوية، عادة ما تلفت انتباه ذوي القلوب الحساسة أو الشريحة الساذجة من الناس، وتجدر الإشارة إلى أن بعض المصادر المطلعة التي وضعتها “السلام” كعيون ترصد حركة بعض المتسولات المنتشرات بحي الدقسي عبد السلام بقسنطينة، أفادت بأن أغلب المتسولات يندرجن ضمن نشاط تلك العصابات والجمعيات التي نظمت خصيصا لغرض الإختلاس تحت لواء المسكنة وبسط الأيادي من أجل تحقيق أرباح تلت لمنظمات وذلك بدليل السيارات الفخمة التي تنتشلهن من أماكن امتهانهن لمهنة التسول التي أصبحت كموضة عصرية لا يأبه لها الكثير من الناس. المساجد محاصرة.. انتشرت ظاهرة التسول على المجتمع القسنطيني بشكل ملحوظ بالرغم من عزوف الكثيرين على الدفع لؤلائك الأشخاص الذين يكون أغلبهم من فئة المحتالين، لتصل إلى بيوت الله واستغلال باحاتها مداخلها ومخارجها فلم يكتفي المتسولون بمزاحمة الناس في الشوارع الكبرى كشارع “لابراش” و«الطريق الجديدة “ و«شارع العربي بن مهيدي” واحتلال مداخل العمارات والمحلات التجارية وشتى الأسواق اليومية والأسبوعية وعلى الأرصفة وأمام المراكز وبعض المقرات المرموقة بل وصل بهم الحد إلى مزاحمة المصلين وذلك من خلال افتراش عائلات بأكملها في كثير من الأحيان لباحات المساجد، وانتظار زوارها من أجل استلطافهم وكسب عطفهم لنيل بعض الدنانير وهو الهدف الذي يسعى إليه سائر المتسولين وذلك بحكم رفضهم لشتى المساعدات الإنسانية إن لم تكن بمصاحبة الدنانير. ابتزاز؟ تفاقمت ظاهرة التسول على المجتمع بعدما اتخذت أشكالا عديدة لتطبيقها كحال أولئك الشباب المنتشرين على حواف الطرقات بالقرب من أحيائهم وتجمعاتهم السكنية لحراسة السيارات التي عادة ما يفاجأ أصحابها بقرع زجاجها من قبل شباب يطالبين بأجرتهم بعد استغلال توقف سياراتهم وكأنها دخلت حظيرة فعلية فلا يجد السائق عندئذ حلا سوى الدفع الحتمي وإلا تكون عواقبه وخيمة بعدما تهشم السيارة فوق رأسه. وبالرغم من انتشار الظاهرة التي أصبح يعلمها سائر الناس إلا أن السلطات لم تضع حلا مناسبا للمشكلة خاصة وأن البلدية لم ترخص لهؤلاء الشباب لامتهانهم مهنة حراسة السيارات، كما لم توفر لهم مناصب عمل تضمن السلامة والراحة للمواطنين الذين فتحوا قلوبهم “للسلام” ورفعوا نداءهم الذي تضمن وضع الحلول الإستعجالية التي تقضي على الظاهرة التي زادت حدتها مع انتشار اللاجئين من شتى الدول كتونس وسوريا الأمر الذي أفضى عن تقاسمهم لزوايا الشوارع والأزقة التي عادة ما يكون موضوع خلافهم ينصب حولها بحكم تلك الشجارات العنيفة التي عادة ما تحدث بين المتسولين من أجلها وبالنظر لهذه الأسباب وأخرى لم تتح لنا فرصة ذكرها ندد المواطنون بضرورة القضاء على هذه النماذج الإجتماعية التي باتت تقلق الكثيرين منهم وتشوه الوجه الحقيقي لمدينة الجسور المعلقة، وذلك من خلال ردع الممتهنين لهذه الحرفة أو تخصيص جمعيات من شأنها مساعدتهم وانتشالهم من أزقة أهم مدينة في الشرق الجزائري.