لقد أعطى الله سبحانه وتعالى لمسجد نبيه صلى الله عليه وسلم فضائل كثيرة، ومزايا عظيمة، جدير بمن أراد أن ينالها زيارة هذا المسجد في موسم الحج أو غيره. فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم هو ثاني ثلاثة مساجد يشرع شدُّ الرحال إليها للصلاة والعبادة كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: (لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) رواه البخاري ومسلم، لذا فإنه يسنُّ للحاج أن يزور مسجد النبي صلى الله عليه وسلّم، ويصلي فيه قبل الحج أو بعده، مع العلم أن هذه الزيارة ليست من شروط الحج، ولا أركانه، ولا واجباته، ولا تعلُّق لها به، ولكن ما دام أنه قد قطع المسافات الطويلة، وتكبد المصاعب، فقد استُحب له ذلك، وكذا الصلاة فيه، إذ ربما لا يتسنى له المجيء مرة أخرى. وينبغي على الحاج إذا ما أراد أن يزور المدينة أن ينوي زيارة المسجد النبوي لا زيارة القبر النبوي، لأن شد الرحال على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور، وإنما يكون للمساجد الثلاثة. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم). فإذا ما وصل إلى المسجد النبوي قدَّم رجله اليمنى لدخوله، وقال: (بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك)، (أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، ثم إذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: (وإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يُصلي ركعتين) رواه البخاري ومسلم. وليتحرَّ العبدُ الصلاةَ في الروضة التي هي ما بين منبره صلى لله عليه وسلم وحجرته التي فيها قبره إن تيسر له ذلك من أجل الفضيلة الواردة في حديث عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) رواه البخاري ومسلم، فإن لم يتيسر له صلى في أي جهةٍ تتيسر له من المسجد، وهذا في غير صلاةِ الجماعة، أما في صلاة الجماعة فليُحافظ على الصف الأول الذي يلي الإمام لأنه أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: (خير صفوف الرجال أولها) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلمُ الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) رواه البخاري، ومسلم. ثم بعد ذلك يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويقف أمام قبره بأدب ووقار، وخفض صوت، ثم يسلم عليه صلى الله عليه وسلم قائلاً: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) رواه البخاري ومسلم، أو يقول: "السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته"، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام)، وإن قال: "أشهد أنك رسول الله حقّاً، وأنك قد بلّغت الرسالة، وأدّيت الأمانة، وجاهدت في الله حق جهاده، ونصحت الأمة، فجزاك الله عن أمتك أفضل ما جزى نبياً عن أمته"، فلا بأس؛ لأن هذا كله من أوصافه صلى الله عليه وسلم. ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً فيسلم على أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه، ويدعو له بما يناسبه، ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً أيضاً فيسلم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويترضى عنه، ويدعو له، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلَّمَ على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لا يزيد غالباً على قوله: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه، ثم ينصرف. ولا يجوز لأحد أن يتقرب إلى الله بمسح الحجرة، أو الطواف بها، ولا أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء حاجته، أو شفاء مريضه، ونحو ذلك، لأن ذلك كله لا يُطلَب إلا من الله وحده. ولا تزور المرأة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا قبر غيره، لأنه صلى الله عليه وسلم لعن زوَّارات القبور، لكن تزور المسجد، وتتعبد لله فيه رغبة فيما فيه من مضاعفة الصلاة، وتسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهي في مكانها؛ فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهي في أي مكان كانت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلُّوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام). وقد قال الشيخ ابن باز رحمه الله عن زيارة النساء للقبور: "وقول بعض الفقهاء: إنه استثني من ذلك قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما - قول بلا دليل، والصواب أن المنع يعم الجميع، يعم جميع القبور حتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وحتى قبر صاحبيه رضي الله عنهما. وهذا هو المعتمد من حيث الدليل".