تعرف المحسوبية والامتيازات الشخصية مكانة خاصة بمجتمعنا الجزائري، أين انزوى ذوو القدرات الضعيفة والمحدودة الى زاوية مهمشة لا تتجرأ حتى الى النظر فوق ما يعلو كتفها لا رأسها، وأصبحت الحياة عبئا ثقيلا عليهم لأنها أثقلت كاهلهم بالمرض والهموم والحڤرة، وتسربت منه الانتحارات والحالات الجنونية بكم أقل مايقال عنه هائل. لايزال ألاف الأشخاص محرومين من أدنى حقوقهم بمجتمعنا، في ظل إنتشار المحسوبية وكذا سياسة التمييز إضافة إلى بيروقراطية أرباب العمل التي لا تساوي بين الموظفين البسطاء ومن يتقلدون مناصب أعلى، حيث تنتهك حقوق هؤلاء العمال ليتلقوا أسوء المعاملات والإهانات في سبيل التمسك بوظائفهم، في المقابل فإن بعض العادات السائدة حرمت المرأة من أدنى حق لها، في ظل تفضيل الرجل عن المرأة وبالتالي نزع كافة الحقوق منها لتكون من نصيب الجنس الخشن، كما أن حقوق الطفل باتت منتهكة حيث أن العديد من أطفال الإرهابيين وكذا مجهولي النسب من العلاقات غير الشرعية باتوا لايستطيعون التمتع بحقوق إستخراج أوراق رسمية تسمح لهم بإكمال مشوارهم الدراسي كغيرهم، كما أن الكثير من ضحايا الأخطاء الطبية الذين يفارقون الحياة أو يصابون بعاهات مستديمة باتوا محرومين من استرداد حقوقهم ممن كانوا سببا في ألامهم وعجزهم الذي أعاقهم عن مواصلة حياتهم الإجتماعية، بشكل طبيعي فمن بين الحقوق المنتهكة الحرمان من الإقامة في سكنات إجتماعية لائقة مما ساهم في تفاقم أزمة السكن، إضافة إلى حرمان الشباب من حق العمل وبالتالي إرتفاع نسبة البطالة. عائلات تحت هشاشة القصدير تسببت أزمة السكن التي لا زالت تطارد العديد من الأسر في حرمان العديد من الأشخاص من الحياة بمساكن لائقة، مما جعل العديد من الأسر تحتمي ببيوت قصديرية تنعدم بها متطلبات العيش الكريم، هذا ما دفعنا للقيام بجولة ميدانية إلى بعض المناطق المعروفة بالإنتشار الفادح للبيوت القصديرية، حيث طرقنا أبواب أحد البيوت الفوضوية المتواجدة ببراقي، والتي لاحظنا أنها تفتقد لأدنى متطلبات الحياة حيث تعيش بهذا المنزل عائلة مكونة من ستة أطفال ووالدتهم المطلقة التي ضاق بها الزمن ليترك لها زوجها عبء التكفل بأبنائهما الثقيل وقد حرمهم من حق الإنفاق ليهجرهم، فتحرم تلك الوجوه البريئة من حنان الأب وكذا حق الإنفاق لتتحول حياتهم إلى مأساة العيش بحياة ملؤها المعاناة، لكن الأم “مليكة” لم تجد من خيار سوى الإحتماء بهذا الكوخ لسنوات خاصة أن عائلتها قد رفضت إقامتها أو التكفل بها، فقد إضطر أبناؤها لترك مقاعد الدراسة بالرغم من صغر سنهم كون ظروفهم الصعبة لم تسمح لهم بتوفير لقمة العيش، فأطفالها كانوا ضحايا لظروف كانت سببا في إنتهاك حقوقهم فجعلتهم يصارعون شقاء العمل ويتحملون مسؤولية تفوق طاقتهم، فخديجة طفلة لم تتجاوز ال10 سنوات تستيقظ في الصباح الباكر لتساعد والدتها المريضة في عجن خبز المطلوع، حيث إضطرت لترك مقاعد الدراسة بالرغم من تفوقها لتساعد والدتها المريضة على شراء الدواء. ولاتختلف يوميات ومعاناة “فريد” الإبن الأكبر الذي لم يتجاوز سنه ال13 سنة عن شقيقته فهو الأخر لم يجد من خيار لإعالة أسرته سوى العمل بإحدى الحافلات في الخط الرابط بين ساحة الشهداء وبن عكنون، فبالرغم من رغبته في تحقيق حلمه في تقلد منصب عال إلا أن ظروفه كانت أقوى من الوصول بما يتطلع إليه، فقد علمنا منه أن العمل يتطلب منه البقاء لساعات طويلة في رحلة الصفا والمروة بمواقف الحافلات مقابل راتب بخس يتقاضاه يوميا والذي بالكاد يكفي لشراء الخبز والحليب. من جهة أخرى فإن وضعية عائلات أخرى تزداد سوءا بالمناطق الأخرى، حيث تكررت نفس المشاهد بدخولنا لبيوت قصديرية تتواجد وسط أكوام النفايات وتغزو مداخلها الروائح الكريهة، فقد إلتقينا بأسرة تتكون من 8 أفراد تتقاسم غرفة واحدة وقد نهشت أجسادها الأمراض بفعل قسوة البرد والرطوبة، حيث أكدت لنا الأم “عائشة” أنها فقدت رضيعها بعد تعرضه لعضة أحد الجرذان فهي تضطر لإشعال الشموع الضعيفة ليلا وسد مياه الأمطار التي تخترق الأسقف المهترئة في الشتاء بغطاء من البلاستيك، كما لا تتعدى مساحة الكوخ الذي يأويها برفقة أبنائها بضعة أمتار، فلا زالت تستخدم طرقا بسيطة لتطهي طعامها بالحطب، كما تضطر لملء قارورات الماء من المساجد فهذا المكان تنعدم فيه أدنى ضروريات الحياة فالماء والغاز غائبان عنه. أطفال بين أنياب شرسة يعتبر أطفال الشوارع سواء من يملكون عائلات أو الأيتام والمشردون من ضمن الأشخاص الذين تنتهك حقوقهم، كونهم يجبرون على البقاء لساعات طويلة في الشارع لتوفير لقمة العيش ببيع منتجاتهم أو أنهم يواجهون مخاطر الشارع بكافة أنواع الإستغلال، فمنهم من يتعرضون للتحرش الجنسي وأخرون يجبرون على ترك مقاعد الدراسة لإعالة أسرهم، ليجدوا أنفسهم واقعين في شبح إستغلال أصحاب العمل وخير دليل على إنتهاك حقوق الطفل إساءة معاملتهم وكذا تكليفهم بأمور تفوق طاقاتهم، حيث شاهدنا العديد من الأطفال يعملون بورشات الحدادة والنجارة وهم معرضون لمخاطر الحوادث الخطيرة بالألات المستعملة والتي تفوق طاقتهم، في المقابل فإن أخرين يتواجدون بورشات صيانة السيارات، حيث علمنا من أحد الأطفال الذي لم يتجاوز سنه ال14 سنة أن فترة عمله تتطلب منه البقاء بالعمل بأشغال شاقة لما يفوق ال10ساعات يوميا، كمايكلفه صاحب الورشة بالقيام بأعمال إضافية، في حين ينتهي المطاف بآخرين فاقدين لأعضائهم بعد تعرضهم لحوادث خطيرة من دون أن يحصلوا على تعويض. في حين علمنا من بعض الأطفال أن بعض التجار يستغلون ظروفهم الصعبة ليكلفوهم بحمل سلعهم المتواجدة بالميناء مقابل تقاضي مبلغ لا يسد حاجيات أسرهم. ولم يقتصر الأمر على هذا فقط بل بات الكثير منهم محرمين من حق التمتع بطفولتهم خاصة من يواجهون ظروفا إجتماعية صعبة، فمنهم من يستغلون في التسول من قبل أوليائهم حيث يلاحظ أن أغلب المتسولين المتواجدين بالشوارع هم من وجوه البراءة، فعادة ما يجبر بعض الأولياء أطفالهم على مد أيديهم للمارة حتى وإن كان هذا الأمر بضربهم لكسب شفقة من يمرون بالشوارع بملابس مهترئة. كما أكدت شبكة “ندى” للدفاع عن حقوق الطفل، أن ألاف الأطفال يحرمون من حقوقهم بممارسة كافة أنواع الإستغلال عليهم سواء بتشغيلهم أوتكليفهم بأعمال تفوق قدرتهم، ليظلوا واقعين بشبح عمالة الأطفال، في حين يتم إستغلال تلك الوجوه البريئة في أمور لاأخلاقية عبر التحرش بهم جنسيا، في حين يعيش العديد من وجوه البراءة مجهولي الهوية بالجزائر، من بينهم أطفال الإرهابيين معاناة حقيقية كونهم لا يستطيعون إستخراج أوراق رسمية تمكنهم من التمتع بحقوقهم كغيرهم، فكثير منهم ظلوا عاجزين عن الإلتحاق بمقاعد الدراسة. البطالة وانعدام المأوى هاجس الشباب يتخبط العديد من الشباب في شبح البطالة الذي جعلت العديد منهم يعانون من الحرمان وكذا إنعدام العدالة الإجتماعية، في ظل إنتشار المحسوبية التي جعلت من يملكون شهادات عليا ومن يفتقدون للمستوى الثقافي بمرتبة واحدة، مما جعل الكثير منهم يواجهون مشاكل إجتماعية أدت إلى عجزهم عن توفير أدنى متطلبات الحياة، إضافة لعدم قدرتهم على تحقيق آمالهم فكان فراغهم سببا في إرتكابهم للجرائم في سبيل توفير لقمة العيش، حيث أصبح أغلب شباب حي باش جراح الشعبي يعانون من البطالة فكان سبيلهم الوحيد لمواجهة وضعيتهم الإجتماعية الصعبة، التي لم يجدوا حلا لها هو الإنحراف أو إرتكاب جرائم السرقة والإعتداء لتوفير المال الكافي لسد إحتياجاتهم. فقد أكد لنا أمين، أحد الشباب البطال الحاصلين على شهادة الليسانس أن أغلب الشركات لم تعد توظف الأشخاص على أساس الكفاءة والخبرة، بل أن الكثير منهم يوظفون أقاربهم ومعارفهم بالمحسوبية حتى وإن كانوا لايملكون شهادات، كما أضاف أن رحلة بحثه عن عمل يتوافق مع شهادته العليا باءت بالفشل بفعل إستخدام أرباب العمل للمحسوبية. بينما يتخبط العديد من الشباب ذوي الإحتياجات الخاصة بشبح البطالة كونهم يعانون التمييز والتهميش من قبل أرباب العمل، فغالبا ما يشكك البعض بقدراتهم بسبب إعاقتهم بالرغم من إمتلاكهم لإمكانات تفوق الأشخاص العاديين، حيث يرفض بعض أرباب العمل توظيفهم بمجرد ملاحظتهم لإعاقتهم بالرغم من حصولهم على شهادات عليا ليكافؤونهم بنظرات الإحتقار والإهانة التي تقلل من قيمتهم وتنتهك حقهم في العمل كغيرهم من الأشخاص العاديين. بنات حواء بين سندان القيود والحقوق المسلوبة تتجلى مظاهر إنتهاك حقوق المرأة من خلال العادات والتقاليد التي لازالت تفرض قيود تحرم الفتاة من حريتها ولا تمنحها نفس الحقوق المسأوية للرجل، فكثيرا ما يجبر الأولياء فتياتهم على التوقف عن الدراسة والمكوث بالبيت، بينما يسمح للأبناء بتحقيق حلمهم فتكون المرأة ضحية لسيطرة وجبروت الرجل سواء الزوج أوالأخ الذي يحاول فرض قيود عليهن تمنعهن من تحقيق أحلامهن، وتكون سببا في دمار مستقبلهن فعلى غرار حرمان الفتاة من حقها في الإرث وتقديمه على طبق من ذهب لأبنائهم، كما يمنع بعض الأزواج زوجاتهم من العمل لمجرد أنهم لا يتقبلون نجاح وتفوق المرأة، فتبقى محرومة من حريتها تحت رحمة القيود المفروضة عليهم، كما يبقى التمييز في المعاملة بين الذكر والأنثى داخل العائلة مشكلا حقيقيا تتخلله سياسة تفضيل الابن ومنحه كافة الحقوق. في حين تتعرض الكثير من النساء لأسوأ أنواع العنف من قبل أزواجهن، كما تسلب منهن حقوق النفقة والحضانة.