أصبح عمل المرأة في مجتمعنا ضرورة ملحة تفرضها الحاجة المادية والظروف الاجتماعية الصعبة، لتجد المرأة الأم نفسها في معركة يصعب التوفيق فيها ويقع على عاتقها مصير أسرة بأكملها، سيما بعد الإنجاب أين تثقل عليها المسؤوليات الاسرية وتجد نفسها في مفترق الطرق حيث يصعب عليها التراجع إلى الوراء. أمهات يرفضن عمل المرأة بعد الإنجاب إلا للضرورة الملحة عبرت العديد من النساء عن استيائهم من الظرف الصعب الذي يجدون نفسهم فيه، إذ ليس من السهل أبدا التوفيق بين العمل خارج البيت والاهتمام بالأولاد الذين ينتظرون منهم الكثير، سيما في المراحل الأولى بعد الإنجاب حيث انه لا يوجد أفضل من حضن الأم وحنانها ولا توجد مربية فوق الأرض تجيد تربية مثل الأم، حيث أخبرتنا ليندة قائلة "أنا في رأي دخول المرأة لعالم الشغل وحتى بعد الإنجاب هوالسبب في ضياع هذا الجيل وتشردهم بالشوارع، فبينما الأم متواجدة في عملها طوال النهار يجد الأبناء حريتهم التي قد تودي بهم إلى الهلاك"، كما أضاف كمال، 34 سنة "صحيح أن عمل المرأة بات ضروريا لكن تبقى حاجة الأسرة والأبناء إليها أكبر من أي اعتبار آخر"، ويبرر معظمهم هذا الرفض أن المرأة تقضي وقت طويل في عملها، بالمقابل ستهمل بيتها العائلي، فضلا عن إنشغالها عن أطفالها ما يجعلهم في معظم الأحيان يتوجهون للشارع قائلا "نعم أنا أعتقد أن عمل المرأة، يجعلها تهمل نوعا ما بيتها وأنا أحكي عن تجربة شخصية، حقيقة زوجتي تتعب كثيرا في التوفيق بين أعمالها المنزلية وعملها خارج البيت، ولوكنت قدرا على توفير جميع المصاريف لطلبت منها البقاء في البيت أحسن "، أما وفاء، 42 وهي موظفة في مؤسسة عمومية فقد لا تجد مانعا في مكوثها بالبيت، غير أن العمل يضفي عليها مكانة خاصة تجعلها تتميز عن النساء الماكثات بالبيت. ووظيفة المرأة قد يكون لها أثر وإيجابيات كثيرة ينعكس على شخصية المرأة وثقافتها، كما يمكن للحاجة المادية أن تكون سبب من أسباب دخول المرأة عالم الشغل، رغم صعوباته بإعتبارها ربة البيت، ويمكننا القول أن الواجبات المنزلية لا تزال حتى يومنا هذا تعد من مهامها، لكن في أغلب الأحيان تدخل المرأة عالم الشغل، تحت ظروف فرضتها الحياة، الجزائرالجديدة حاورت بعض النسوة العاملات وسألتهم عن سبب ولوجهم عالم الشغل، كانت البداية مع وداد أخبرتنا أنها دخلت عالم الشغل لأن الحاجة دفعتها لذلك، فبعد طلاقها من زوجها أصبحت مرغمة على توفير مصاريف الكراء والفاتورات الأخرى، إضافة إلى مصاريف الأطفال، وأضافت قائلة "لو لم أدخل عالم الشغل لأصبح الرصيف ملجأ لي ولأولادي ". أمهات ضحين بمناصبهن لأجل أسرهن في كثير من المواقف يجد المرء نفسه مجبرا لتقديم تضحيات وتنازلات كثيرة لتنعم حياته بالاستقرار، فليس كل ما نحتاج إليه في الحياة هو المال إذ توجد أشياء كثيرة لا تشترى بكنوز الدنيا كلها، على هذا الأساس سردت لنا السيدة فتيحة، 47 سنة تجربتها الشخصية في الحياة، فقد كانت تشغل منصب مهم في مؤسسة عمومية ولم يمانع زوجها عملها بعد الزواج، لكن بعد إنجابها لولدها البكر يوسف لم تتوان لحظة واحدة في المكوث بالبيت والإشراف شخصيا بترربيته ورفضها تماما لإيجاد له مربية اوحاضنة، وبالفعل أشرفت فتيحة على الاهتمام شخصيا بأولادها الأربعة الذين شببوا على خلق وعلم جعلهم يأخذون المراتب الأولى في الدراسة ويتمتعون بخلق يتحدث عنه الجميع، رزيقة هي الأخرى إمرأة عاملة بإحدى الشركات الوطنية أخبرتنا قائلة "أنا أشتغل مند أن أكملت دراستي الجامعية، ولقد إشترطت على خطيبي أن أشتغل حتى بعد الزواج، لأن غلاء المعيشة يفرض ذلك إضافة إلى دفع مبلغ الكراء، وباقي المصاريف الأخرى فلو اشتغل زوجي لوحده لن نستطيع العيش حياة عادية وبسيطة لأن الحياة أصبحت تفرض ذلك لكن بعد إنجابي لطفلين وددت لو أن ظروفنا مغايرة ومستوانا الاجتماعي أفضل مما هو عليه حتى أتمتع بشعور الأمومة التي كدت افقده بسبب ضيق الوقت وثقل المسؤوليات، إلا أن الحاجة تفرض على المرء أشياء كثيرة في الحياة قد لا يرغب فيها". وهناك من اختارت الطلاق مصيرها حتى لا تتخلي عن منصبها وبالمقابل كثيرات من جعلن من وظيفتهن شيئا مقدسا يستحيل المساس به والتفاوض لأجله، ففضلن أن يكون مصيرهن الطلاق وتشتت أسرهن وضياع أولادهن لأجل شهادة تسمى العمل وكأنها هذه الأخيرة تاج يوضع فوق رؤوسهن يزيدهن تألقا وشموخا، وكم هي حالات الطلاق الكثيرة التي سمعنا عنها بسبب خلاف حول عمل المرأة، فبعد أن تشترط العروس عملها في عقد الزواج ويقبل به الزوج كشرط أساسي لاكتمال الزواج يتراجع هذا الأخير عن عهده بعد الزواج لاسيما بعد الإنجاب، وهنا يحدث الشقاق وتبدأ المرأة معركتها مع الرجل حول وكل واحد منهما يرفض التنازل عن موقفه ويتمسك برأيه تحت أي طرف، سميرة، 31سنة، واحدة من اللواتي كن ضحية للطلاق بسبب هذا المشكل الذي وصفته بالتافه، قائلة: "لم أكن اعلم أن مشكلا تافه سيؤدي بي إلى ضياع أسرتي وتيتم ابني الوحيد، فقد تمسكت بعملي على أساس أن زوجي سيتراجع في آخر لحظة ولن يضحي بي وظننت أن وظيفتي أغلى من أي تضحية أخرى لكنها كلفتني بأعز ما يوجد في الحياة وهي الاستقرار الأسري فكان الهلاك مصيري، ولو عاد بي الزمن إلى الوراء لما تراجعت لحظة واحدة عن اختيار عائلتي تحت أي ظرف. زهية بوغليط