ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على لبنان إلى 3583 شهيدا و 15244 مصابا    هولندا ستعتقل المدعو نتنياهو تنفيذا لقرار المحكمة الجنائية الدولية    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خريجو السجون يتحمّلون عقاب المجتمع بعد قضاء سنوات بالحبس
نظرات جارحة وعزلة قاتلة تتربص بالمسبوقين قضائيا
نشر في السلام اليوم يوم 15 - 01 - 2013

يعاني خريجو السجون من مشاكل مختلفة داخل مجتمعهم، بفعل النظرة السلبية للمحيطين بهم وعدم تمكنهم من العيش بشكل طبيعي كغيرهم، حيث يبقى الحكم عليهم ساري المفعول بفعل تلك النظرة بالرغم من معاقبتهم من القضاء وخروجهم من السجن.
يلقى المساجون عقابا على جرائمهم المرتكبة بقضاء فترة طويلة في السجن، إلا أن حياتهم تتحول إلى جحيم بعد خروجهم من خلف القضبان بفعل نظرة المجتمع التي تطاردهم مدى الحياة، إضافة إلى المشاكل الإجتماعية التي يتخبطون فيها فيجدون أنفسهم غارقين بشبح البطالة وغير قادرين على إكمال نصف دينهم، فكثيرا ما ترفض الأسر تزويج بناتها مع مساجين سابقين، كما يتطلب الحصول على عمل تقديم شهادة خالية من السوابق العدلية فبعد خروج السجين تطاله أقوال ونظرات المحيطين به الجارحة تنغص حياته وتجرح مشاعره، كما تلاحقه الألقاب التي يطلقها أفراد المجتمع عليه كخريج الحبوس بالعامية، وغيرها من الألقاب التي تبقي تتشبث بالشاب الذي دفع ثمن نفذ جريمته داخل المؤسسة العقابية أو الإصلاحية التي من شأنها أن تجعل المعاقب يبتعد عن كل ما يعيده إلى المؤسسة العقابية، لكنه ينال عقابا أشد وأمر من مجتمع لايرحم المسجون، في حين تتكبد الكثير من الأسر شقاء دخول وكذا خروج أبنائهم من السجن في رحلة الذهاب والإياب التي تكلفهم ميزانية ثقيلة لتوفير القفة، فبالرغم من أن بعض المساجين إختاروا طريق التوبة إلا أن مايواجههم داخل مجتمعهم من نظرات وأقوال جارحة، وكذا وقوعهم في شبح البطالة يدفع بالكثير منهم إلى البحث عن لقمة العيش بالعودة إلى طريق الحرام، في حين يكون عقاب بنات حواء من السجينات أشد وأمر من الجنس الخشن خاصة إن كن متورطات في قضايا الأداب، أو دخلن أبواب السجن ظلما بعد تحملهن أخطاء غيرهن، حيث لا تنفعهن توبتهن بعد الخروج من قضبان السجن كون المرأة تبقى وصمة عار للأبد، سواء بالنسبة لأقاربها أو المحيطين بها، هذا ما دفعنا للغوص في خفايا المسبوقين قضائيا لنرصد معاناتهم داخل مجتمعهم الذي لا يملك أدنى رحمة إتجاه أشخاص لا ذنب لهم سوى أنهم وقعوا يوما في خطأ كلفهم البقاء حبيسي القضبان والمجتمع بنفس الوقت، فبالرغم من أن الله يقبل التوبة ويغفر الذنب إلا أن المجتمع يبقى يعامل المسجونين وكأنهم كائنات منبوذة، كما يتجنبون ربط علاقات معهم لهذا قررنا الوقوف عند مشاكل من يحملون سوابق عدلية فإقتربنا من إحدى السجينات السابقات، والتي أرادت أن تفضفض لنا ما تكبته من ألم ومعاناة بعد قضاء فترة عقابها في السجن لمدة خمس سنوات بعدما حملت تهمة تجارة وترويج المخدرات عن زوجها، ودخلت ظلما بفعل خداع زوجها لها، هذا ما أكدته لنا تلك الشابة التي ضيعت عمرها بتحمل جريمة لم تقترفها كلفتها الدخول إلى السجن ظلما، حيث قررت سرد قصتها المريرة فتقول: “لم أتوقع يوما أني سأزور السجن بفعل خداع زوجي لي.. فقد أراد تحقيق مصالحه بعدما أقنعني بحمل حقيبة لم أكن أعلم ما يوجد بداخلها، إلا بعدما ألقت الشرطة القبض علي بعد عثورها على كمية من المخدرات.. فأدركت أني وقعت في ورطة لا أستطيع الخروج منها، وما زاد من معاناتي أن عائلتي تخلّت عني كما أني حرمت من رؤية أولادي بعد إسقاط حق الحضانة عنّي، لكن ما زاد من ألمي وجرح شعوري أن المجتمع لم يرحمني بعد خروجي من السجن، فقد رفضت عائلتي إقامتي بالمنزل خوفا من كلام الجيران وشعورهم بالحرج، كما أني كنت غير قادرة على الحصول على عمل مناسب فلم أجد من خيار غير العمل كخادمة في المنازل، لكني طردت من منازلهم بمجرد أن علموا أني صاحبة سوابق عدلية”.
مضايقات الجيران ونظرات المجتمع الجارحة
ولا تختلف معاناة سجينات أخريات داخل مجتمعهن، حيث أنهن لم يسلمن من النظرات الجارحة ولا من مضايقات جيرانهن فغالبا لا يراعي بعض الأشخاص شعورهن بل يتعمدن إهانتهن بكافة الطرق لمجرد أنهن إرتكبن خطيئة تم معاقبتهن عليها، لكن المجتمع لم يغفرها لهن فقد علمنا من “فريدة” صاحبة الأربعين أن شقاء السجن أهون من عذاب ما تعرضت له من قبل المحيطين بها بعد خروجها، حيث روت لنا عن نظرات معارفها لها وجيرانها التي كانت تدل على رفضهم لها، حيث أكدت أنها لطالما إنتظرت يوم حصولها على حريتها إلا أنها لم تسلم من مضايقات جيرانها بالحي الذي تقطن به، وعن سبب دخولها للسجن فتقول أن ظروف عائلتها الصعبة دفعتها للسرقة كوسيلة وحيدة لإنقاذ حياة والدتها المريضة.
فمن خلال القصص التي سردها لنا المسبوقون قضائيا، رصدنا أن المساجين دفعوا ثمن خطيئة ندموا عليها من خلال المعاناة والشقاء الكبير الذي يتربص بعدد كبير من خريجي السجون الذين قضوا سنوات خلف القضبان، منتظرين حريتهم لكنهم لم يستطيعوا العيش بسلام ولا أن يستعيدوا حقوقهم كغيرهم، فهم لا يستطيعون العمل بسبب الشروط المفروضة من قبل أرباب العمل، والتي تتطلب منهم إحضار ورقة خالية من السوابق العدلية لتوفير منصب شغل لهم، فخلال جولة قادتنا إلى بعض المناطق الشعبية التي تضم عددا كبيرا من المسبوقين قضائيا، إلتقينا بجمال، صاحب ال27 سنة والذي تحدث إلينا بجرأة أن الظروف الإجتماعية الصعبة والبطالة هو من يدفع بالشباب إلى عالم الإجرام، كما أضاف خلال حديثه أن دخوله السجن كان بسبب إتهامه ظلما بترويج المخدرات لمجرد وقوفه بجانب أحد أصدقائه المعروفين بحي باب الوادي بتجارتها.
عائلات تتجرع مرارة أخطاء أبنائها
إنتقلنا إلى حي بلكور، بعدما علمنا أن أغلب المسبوقين قضائيا هم شباب قصّر قضوا فترة عقابهم بمؤسسة إعادة التربية، حيث حاولنا زيارة عائلة مراد، صاحب ال16 ربيعا الذي تورط في سرقة إحدى الفيلات الفاخرة، فقد روت لنا والدته أن والده هو من كان سببا في إنحراف إبنه بعد طلاقه منها، ولم ينفق عليه يوما بالرغم من ثرائه وتستطرد قولها فتخبرنا أن “مراد” أراد أن ينتقم من زوجة أبيه فقرر إسترجاع حقه من البيت بعد سرقة بعد الأغراض الثمينة، وما فاجأها أن والده لم يشفق عليه بالمحكمة ولم يسامحه بل فضّل معاقبته، وعن حياته بعد خروجه من المؤسسة العقابية، فتقول أن أبناء الحي لا يتركونه وشأنه بل يلقبونه ب«المحابسي”، كما أنه لا يستطيع إستخراج بعض الأوراق وما يزيد من معاناته أنه لا يستطيع الحصول على منصب عمل مناسب بفعل نظرة أرباب العمل السلبية الذين يعتقدون أن المسبوق قضائيا يشكل خطرا على مؤسساتهم الخاصة.
فخلال تجولنا بالأسواق الشعبية بحي باش جراح وغيرها، علمنا من أبناء تلك الأحياء أن أغلب شباب المنطقة هم من المسبوقين، حيث حدثنا أحد الشباب بكل صراحة أن مشكل البطالة والفراغ من ضمن أسباب إرتكابهم للجرائم كالسرقة وغيرها كخيار وحيد سلكوه لتوفير لقمة عيشهم، كما أضاف أن أغلب المسبوقين كانوا يسترزقون ببيع منتجاتهم على طاولات بالأسواق الفوضوية، لكن طردهم من هذا المكان وعدم إستفادتهم من محلات كان سببا في تورطهم في قضايا أخرى كبيع المخدرات أو إرتكابهم للجرائم لإعالة أسرهم الفقيرة.
قصص واقعية لمسبوقين ترصد معاناة الشارع وفراق الأقارب
يعيش العديد من المسبوقين قضائيا في حياة ملؤها الألم والمعاناة أمام رفض المجتمع لهم وكذا فراق أقرب الناس إليهم لهم، فكثير من العائلات لا تتقبل فكرة دخول أحد أقاربها للسجن فيقطعون صلتهم به، وأحيانا ينكرون صلة القرابة به أمام معارفهم، فمن خلال التجربة التي مر بها عمي عمار، صاحب ال50 عاما لمسنا أن المسجون يسترجع حريته بعد خروجه من السجن لكنه يظل أسيرا لنظرة المجتمع الجارحة له، فقد أخبرنا أن زوجته تخلّت عنه بمجرد تورطه في قضية إختلاس ظلما كما حرمته من رؤية أولاده وما زاد من ألمه أنه لم يسلم من أحاديث جيرانه ونظرات الإحتقار التي كان جيرانه يوجهونها له، كما أضاف أن جميع أقاربه قطعوا صلتهم به ولم يقبلوا حمايته من قسوة الشارع خاصة بعد خداع زوجته له بعد تحويلها ملكية البيت الذي لطالما تعب لشرائه بإسمها، ليتفاجأ بعد خروجه من خلف القضبان أن أقرب الناس إليه يتخلون عنه وهو في أمس الحاجة إليهم، وما زاد من ألمه أن أطفاله رفضوا رؤيته بعد إشتياقه لهم وفراقه عنهم لما يقارب الخمس سنوات.
كما إلتقينا بعمي جلال، صاحب ال60 عاما بعدما علمنا من أبناء حيه أنه أحد المسبوقين قضائيا، والذي لم يجد من مؤنس أو وسيلة لإعالة أسرته سوى صيانة أحذية المارين بالعمل كإسكافي، حيث روى لنا قصته المريرة حيث أخبرنا أنه حاول مواصلة حياته بشكل طبيعي بعد خروجه من السجن، بالرغم من إنتشار خبر دخوله للسجن بحيه، كما لم يسلم من ألسنة جيرانه اللاذعة ونظراتهم الجارحة، مضيفا أن أعزّ أصدقائه قطعوا صلتهم به وغيروا معاملتهم له، حيث كشف أن صحيفة السوابق العدلية وقفت كحجر عثرة بحياته الإجتماعية والعملية بفعل تماطل المؤسسات العمومية عن إستخراج الأوراق الرسمية الخاصة بأجرة تقاعده، لرفض صاحب الشركة التي كان يعمل بها إعطاءه حقوقه، كما أنه لم يستطع ممارسة نشاط تجاري بفضل رفض مديرية التجارة منحه سجلا تجاريا.
الزواج بالمحبوس بين مؤيد ومعارض
إن البحث مسبقا عن سيرة وسمعة شريك الحياة من العادات السائدة بين العائلات الجزائرية، لذا فإن المسبوقين قضائيا يظلون مرفوضين وغير قادرين على إكمال نصف دينهم بفعل النظرة الخاطئة الموجهة لهم، بالرغم من أن الكثير منهم إختاروا طريق الهداية والتوبة إلا أن شهادة السوابق العدلية وقفت حاجزا أمام العديد منهم، بعدما لطّخت أخطاؤهم سيرتهم خاصة أن البحث عن سمعة شريك أو شريكة الحياة ضروري قبل الزواج، هذا ما دفعنا لرصد وجهات نظر الشباب في هذا الموضوع فكان تقبلهم لفكرة الإرتباط بالمساجين بين مؤيد ومعارض لكن أغلبهم رفض تلك المسألة. حيث إقتربنا من فريد، صاحب ال25 سنة لنسأله عن فكرة الإرتباط بفتاة مسبوقة قضائيا، فكانت إجابته كالأتي إن الزواج بفتاة من ذوي السوابق العدلية مرفوض بمجتمعنا، كما أني أعتبر أن تلك الفتاة غير مؤهلة لتربية أولادي مستقبلا على الطريق المستقيم لذا فإني أخاف أن تكون سببا في إنحرافهم. وعلى عكس قول فريد فإن كريم، يرى أن الإرتباط بفتاة مسبوقة لايعيق حياته الزوجية خاصة إن تأكد أنها قد إختارت الطريق المستقيم والتوبة عن الخطأ الذي تورطت فيه، لكنه يرفض الإرتباط بفتاة متورطة في قضية دعارة كون المجتمع يعتبرها وصمة عار.
أما بنات حواء فقد تباينت وجهات نظرهن “ففتيحة”، طالبة جامعية تجد أن جميع البشر غير معصومين من الخطأ، كما أن الدين يدعوا للتسامح لذا فهي تجد أن الزواج من مسجون سابقا يتوقف على طبيعة الجرم الذي إرتكبه، لكي تتأكد الشابة من عدم تشكيله خطرا على أسرتها مستقبلا، كما أنها لا تجد أي مانع من الإرتباط بشاب مسبوق بعد أن تتأكد من توبته الصادقة وأنه لن يعود يوما للإنحراف، في حين أشارت بحديثها أن شرط قبولها له هو عدم إخفاء سوابقه العدلية عنها لمعرفة القرارات التي توصل إليها المسبوق قضائيا بعد المدة التي قضاها في السجن ومدى إستعداده لفتح صفحة بيضاء في حياته الزوجية.
المسبوقون بين الإحتقار والتهميش
إن نظرة المجتمع الجزائري لخريجي السجون أو “المحابسية”، تتلخص في كونه فردا غير صالح في المجتمع، وهي نظرة تفتقر إلى تقدير الظروف الاجتماعية الصعبة التي عاشها فيما مضى، وبالتالي فالسجين مبغوض من طرف الجميع حتى وإن تعلق الأمر بالقتل الخطأ وغيرها، أو القتل مع سبق الإصرار والترصد، فقد اقتص منهم المجتمع ودفعوا له ضريبة جريمتهم، ومن حقهم بعد ذلك العودة إلى أحضانه. وكثيرا ما تكون بعض العقوبات متعلقة بجرائم غير مقصودة يعتبرها الكثير عادية، مثل جنحة التزوير وإصدار صكوك من دون رصيد. كما أضافوا أن السجناء بعد خروجهم من السجن وعودتهم للمجتمع بعد قضاء عقوبتهم يفقدون في معظم الأحيان وظائفهم، وينظر الناس إليهم نظرة ازدراء واحتقار، فيشعرون بالذل والمهانة وأن المجتمع رغم أنه اقتص منهم لم يغفروا لهم وهو مايجعلهم في حالة نفسية متأزمة قد تدفع بهم للإنتقام من المجتمع ككل، بارتكاب جرائم أكبر مما عوقبوا من أجلها سابقا.
من جهة أخرى يرى المختصون أن استعادة السجين لحريته، لا تعني بالضرورة أن هذا الأخير بإمضائه للعقوبة المحكوم بها وراء القضبان سيتمكن من التخلص من عبء الجريمة ومن تكاليفها المحيطة بالكرامة، تماما كما يتخلص الغسيل بالماء والمساحيق من الوسخ.
فكثيرا ما يتعرض السجين بعد إطلاق سراحه للنظرات المزدرية والشامتة من طرف الآخرين، فتصبح لديه فكرة إعادة الاندماج في المجتمع صعبة المنال، وحلم رد الاعتبار لنفسه ومحيطه الأسري بالخصوص مجرد وهم لا يستقيم مع مجتمع لا يرحم. فالنظرة الدونية التي تبخس من قدر وقيمة الإنسان لمجرد سابقة في حياته، هي نفسها النظرة التي قد تدفع أي سجين غادر المعتقل ولم يتسلح بالعزيمة القوية، للعودة مرة أخرى إلى السجن، إلا أن هناك حالات تمكن فيها أشخاص عانقوا الحرية بعد تجربة السجن ومعاناته وإن اختلفت قصصهم، من الحصول على الدعم والمساندة من طرف جمعيات مدنية أخذت على عاتقها إعادة تأهيل السجين بعد خروجه من مؤسسات الإصلاح وإعادة إدماجه في المجتمع، وذلك من خلال الرفع من معنوياته لخوض معركة الحياة الكريمة وعدم العودة للسجن، وكذا في الأعمال الخيرية لبعض المحسنين الذين يعملون على انتشال المحتاجين ومن ضمنهم السجناء من الفقر.
لذا يظل السجين خائفا من نظرة المجتمع فلذلك يحرص بكل ما أوتي من عزم، على ألا يعود لارتكاب أي جريمة لخوفه على السمعة من التشهير، ويعتبر السجن من الأمور المفزعة له لكن صحيفة السوابق من أكثر الأمور إفزاعا لأغلب السجناء.
المسبوقون قضائيا بين إنتهاك الحقوق وروتين البطالة
إن تعليمة وزارة الداخلية، بشأن القضاء على الأسواق الفوضوية خلقت أزمة كبيرة وسط الشباب خاصة المسبوقين قضائيا، والذين لم يجدوا من وسيلة لكسب لقمة العيش سوى وضع منتجاتهم بالأسواق الفوضوية بعدما أغلق أرباب العمل جميع الأبواب في وجوههم للحصول على منصب عمل شريف، لا يعيدهم لطريق الحرام حيث تفيد بعض المصادر الإعلامية، أن معظم الشباب الذين كانوا يبيعون في تلك الطاولات هم مسبوقون قضائيا، ولم يجدوا مكانا لهم في عالم الشغل بسبب صحيفة السوابق العدلية التي توحي بأنهم من عالم “المافيا” وغير مؤهلين للعمل في مناصب حتى ولو كانت بسيطة، خاصة وإن التخلص منها يخضع لشروط وإجراءات قضائية تستغرق مدة طويلة.
وفي هذا المقام سبق وان اقترحت الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، تعديل الأمر 72 - 50 المتعلق بصحيفة السوابق العدلية القضائية، وعدم تدوين بعض الإدانات الخاصة بمادة الجنح التي لا تعتبر خطيرة في صحيفة السوابق العدلية، مع منح السلطة التقديرية لقاضي الجنح والمخالفات عند النطق بالحكم المتضمن الإدانة، أن يأمر بعدم إظهار العقوبة في صحيفة السوابق العدلية، وكذا إدخال أحكام تمنع الإدارات العمومية والهيئات من طلب هذه الوثيقة عند القيام بمسابقات التوظيف، إلا فيما يخص بعض المناصب القيادية، كما عرضت الرابطة فكرة عدم تدوين بعض المخالفات في صحيفة السوابق العدلية رقم3، والاكتفاء بتدوينها بالصحيفة رقم واحد ورقم اثنين التي تبقى سرية، ولا يمكن للمواطن الحصول عليها حيث تبقى في حالات جد حساسة مثل ترشح المواطن لمنصب مهم، أو الانتخابات ويأتي اقتراح الرابطة بعد الاقتراحات التي تقدمت بها اللجنة الوزارية المشتركة المكلفة بتنسيق نشاطات إعادة تربية المحبوسين وإعادة إدماجهم وذلك سنة 2009، أين عرضت مشروع إلغاء صحيفة السوابق العدلية حتى لا تكون عائقا أمام المساجين بعد الإفراج عنهم لتسهيل عملية إدماجهم، وذلك بمنع الإدارات العمومية والهيئات من طلب صحيفة السوابق القضائية رقم 3 بمناسبة تنظيمها لمسابقات التوظيف، إلا في بعض المناصب القيادية، وفق الترتيب المذكور في القانون الأساسي للوظيف العمومي، وهي الاقتراحات التي لا تزال لحد الآن حبرا على ورق وهذا بالنظر لحال المسبوقين قضائيا لحد الساعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.