يشعرون بالندم تجاه المجتمع بسبب ما ارتكبوه من ذنب وخطأ في حقه، وفي المقابل يحسون بالوعي وتحسن سلوكهم بعد معاقبتهم، وهم يحاولون اليوم استدراك الوضع بتصحيح صورتهم بين أفراد هذا المجتمع بخدمته،، هي أحاسيس وملامح استشففناها ولمحناها لدى سجناء مؤسسة إعادة التربية بباب جديد بالجزائر أو ما يعرف بسجن سركاجي، الذين أبدوا رغبة كبيرة في استغلال وقتهم وراء القضبان في الدراسة للخروج بشهادة ما كانوا ليتحصلوا عليها من قبل. شاءت الأقدار أن يجد هؤلاء أنفسهم بين أسوار السجن وقضبانه ويفقدون حريتهم لخطأ أو ذنب ارتكبوه في حق الغير، فهم الآن يدفعون ثمنه بفقدان أغلى شيء في الحياة وهو الحرية، غير أن الشعور بالندم والرغبة في التخلص من نظرة المجتمع السيئة للسجين ولدت رغبة قوية لدى العديد من سجناء سركاجي الذين زارتهم "المساء" أول أمس للتعلم والحصول على شهادة دراسية وجامعية من شأنها محو هذه الصورة والسماح للسجين بالاندماج من جديد وسط المجتمع الذي قد يتقبله لما يتحول إلى فرد صالح قادر على خدمة مجتمعه بالشهادة التي يحوز عليها أو المهنة التي اكتسبها خلال فترة تواجده بالسجن. كان لنظام الحرية النصفية التي يستفيد منها السجناء الحاصلون على شهادة البكالوريا ممن قضوا نصف فترة عقوبتهم دور كبير في تشجيع نزلاء المؤسسات التربوية على التعلم للاستفادة من هذا الامتياز الذي أقرته الإصلاحات الجديدة في قطاع العدالة قصد إعادة إدماج المساجين، حيث يسمح للسجين بالخروج لمزاولة دراسته نهارا بالجامعة والرجوع إلى السجن في الفترة المسائية، وتدرس حاليا لجنة تطبيق العقوبات بمؤسسة إعادة التربية بسركاجي ملفات ل12 سجينا تحصلوا على شهادة البكالوريا في دورة جوان 2009 من مجموع 28 سجينا ترشحوا لهذا الامتحان لتمكينهم من الاستفادة من نظام الحرية النصفية والالتحاق بالجامعة وذلك بالتركيز على سلوك السجين، علما أن أغلب السجناء الذين تحدثنا معهم من المتحصلين على شهادة البكالوريا أغلبهم يرغبون في الالتحاق بكلية الحقوق لنيل شهادات في القضاء أو المحاماة، وهو التخصص الذي يلقى إقبالا كبيرا لدى كل المتحصلين على البكالوريا من نزلاء المؤسسات العقابية ربما تأثرا بما حدث لهم، إذ يرغب الكثير منهم في أن يصبح محاميا أو قاضيا خاصة وأن المادتين 3 و4 من الأمر رقم 72 يؤكد أن الإدانات المدونة في شهادة السوابق العدلية لطالبي العمل لا تشكل عائقا ولا تمنع صاحبها من الحصول على وظيفة ثانوية بأي مؤسسة عمومية أو خاصة، وهو المرسوم الذي ألحت عليه مديرية إصلاح السجون التي دعت وزارة العدل إلى إصدار مرسوم يلغي طلب إجبار الشخص الذي يطلب عمل على تقديم شهادة السوابق العدلية لتمكين المسبوقين قضائيا من الحصول على منصب عمل وتسهيل إدماجهم في المجتمع وتفادي عودتهم إلى الجريمة من جديد. وتركز إدارة السجن حاليا على منح كل السجناء فرص متكافئة في اجتياز شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا ومختلف المهن والحرف عن طريق توقيع اتفاقيات مع مراكز ومعهد التكوين والتعليم المهنيين للتكوين في عدة تخصصات كالإعلام الآلي والطبخ.
30 سجينا يقضون العيد مع عائلاتهم وتوفر الإصلاحات الجديدة في قطاع العدالة عدة امتيازات للسجناء، منها استفادتهم من إجازات للخروج من السجن لمدة أسبوع بالنسبة للمحكوم عليهم نهائيا إذا كانوا يتمتعون بالسلوك الحسن، إذ تكافئ لجنة تطبيق العقوبات السجناء بهذا الامتياز بناء على سلوكهم الحسن بغض النظر عن التهمة التي حوكموا على أساسها، حيث تدرس هذه اللجنة حاليا ملفات 30 سجينا لتمكينهم من الاستفادة من هذه الإجازة ابتداء من يوم عيد الفطر لقضاء هذه المناسبة وسط أهلهم وعائلاتهم.
مسابقات رمضان تمنح جوائز للسجناء وتنظم مؤسسة إعادة التربية بباب جديد التي تأوي 1300 سجين حسبما أكده لنا مديرها العام السيد محمد برجي بمناسبة شهر رمضان عدة مسابقات دينية ورياضية منها مسابقة لحفظ القرآن الكريم، مسابقة في كرة القدم، الشطرنج، الرسم والنقش يتم الإعلان عن نتائجها في ليلة القدر المباركة حيث سيكرم الفائزون في حفل تكريمي بعدة جوائز منها شهادات وكتب قيمة. وماعدا شهر رمضان تنظم المؤسسة دوريا مباريات في كرة القدم تسمح لها بمواجهة فرق كرة القدم لكل السجون المنتشرة عبر ربوع الوطن في إطار ما يسمى بكأس الجزائر للمؤسسات العقابية. حفلات فنية ساهرة وبرمجت إدارة السجن خلال ليالي الشهر الفضيل سهرات فنية للترفيه عن السجناء، حيث يشرف على هذه الحفلات سجناء لهم موهبة في الغناء والعزف على مختلف الآلات الموسيقية علما أن المؤسسة تتوفر على كل الآلات الموسيقية تضعها تحت تصرف نزلائها للفرجة ونسيان الإحباط، وهو ما شاهدناه بقاعة الموسيقى الموجودة بالطابق الأرضي للمؤسسة حيث كان بعض النزلاء يتدربون في الفترة المسائية قبل الإفطار تحضيرا للحفل المبرمج في السهرة حيث وجدنا شابا في ال26 من عمره متحصلا على شهادة البكالوريا زائد ثلاث سنوات جامعية موجودا بالمؤسسة العقابية منذ شهرين يتمتع بإمكانيات عالية في الغناء من خلال أدائه عدة طبوع غنائية مستمدة من التراث الجزائري وقد أطربنا بها لدرجة اننا نسينا بأننا داخل مؤسسة عقابية، وهي اللحظات التي تجعل السجين ينسى همومه ويخرج طاقته ويستغلها لقضاء وقته حسبما أكده لنا هذا الشاب الذي كان يتحدث إلينا بمعنويات مرتفعة موضحا أنه لم يكن يتوقع ان يجد هذه الأجواء داخل السجن "خاصة ما تعلق بالموسيقى والغناء التي لم أكن أظن أنها موجودة بمكان كهذا خاص بقضاء العقوبات حيث كنت أظن أنني سأعيش ظروفا مأسوية وتدهورا سيقضي على معنوياتي ويهدم مستقبلي وحياتي، لكن الواقع عكس ذلك..." يضيف محدثنا.
6058 عنوانا في كل المجالات للمطالعة وتتوفر هذه المؤسسة العقابية على 6058 كتابا في مختلف المجالات بمكتبتها التي يشرف على تسييرها سجينان أحدهما نال شهادة البكالوريا هذه السنة في شعبة الآداب والفلسفة وينتظر الالتحاق بكلية الحقوق بعدما قضى 32 شهرا من مدة عقوبته المحددة بخمس سنوات بسجن سركاجي الذي دخل إليه بمستوى السنة الثالثة ثانوي تمكن فيه من الترشح مرة أخرى للبكالوريا والاستفادة من فترة بقائه بالسجن ليخرج منه بشهادة ستكون مفتاحا لمستقبل ما كان ليحققه خارج السجن. ويمكن لكل سجين الاستفادة من 3 كتب في الأسبوع يتحصل عليها بعد الاطلاع على قائمة الكتب الموجودة بالمكتب ويملأ استمارة تشير إلى عنوان ورقم الكتاب الذي يريد الحصول عليه ويدون كل المعلومات الخاصة به على هذه الاستمارة من اسم ولقب ورقم القاعة التي يوجد بها على أن يقوم مرشد القاعة الذي يختاره السجناء بتقديم هذه الاستمارة لمسيري المكتبة قصد الحصول على الكتب. وفي هذا السياق أوضح العديد من السجناء أن الكتب الموجودة بالمكتبة سمحت لهم باكتشاف عدة ميادين والاستفادة من عدة معارف، كما أنها فرصة لقضاء الوقت والترفيه عن النفس إلى جانب التلفزيون حيث تتوفر كل قاعة بالسجن على شاشة تلفزيون تبث فيها قنوات التلفزيون الجزائري الثلاث إلى جانب القناة الداخلية للسجن التي تبث برامج تربوية، تثقيفية، دينية، ووطنية لتربية النزلاء لنبذ العنف والرذيلة وزرع قيم ومبادئ الأخلاق في نفوسهم. ويستفيد السجناء خلال شهر رمضان من قفتين في الأسبوع على غرار باقي الأيام فإلى جانب القفة التي يحضرها الأهل في يوم الزيارة يمكن للسجين أن يستفيد من قفة أخرى دون زيارة وهي القفة التي تتعرض للتفتيش الدقيق من قبل أعوان السجن لمنع دخول أي شيء ممنوع حيث تم منع دخول عدة مواد غذائية بسبب إمكانية وضع مواد مخدرة بداخلها، علما أن المؤسسة تمكنت في عدة مرات من توقيف بعض أهالي السجناء وأحبطت محاولات إدخالهم للمخدرات لأبنائهم السجناء بوضعها داخل بعض المأكولات وحتى الملابس. ولكن يمكن للسجين اقتناء هذه المواد الغذائية الممنوع دخولها من الخارج بشرائها من داخل السجن، حيث تتكفل الإدارة ببيعها لتفادي أي انزلاقات علما أن الإدارة هي التي تسير أموال السجناء بحيث لا يمكن للسجين إنفاق أكثر من 800 دينار في الأسبوع يتلقاها من أهله عن طريق حوالات تسيرها الإدارة وتضعها في حسابه. لمثوم واللحم الحلو في السجن كما توقفنا خلال هذه الزيارة بالمطبخ الذي كان يعرف حركة كبيرة للسجناء العاملين به لتحضير وجبة الإفطار وتحدثنا إلى رئيس المطبخ الذي كان يشتغل طباخا بإحدى المؤسسات العمومية قبل دخوله السجن، والذي أكد لنا أن وجبات الغذاء المقدمة للسجناء في رمضان عرفت تحسنا كبيرا في السنوات الأخيرة وهي تعرف تطورا من سنة إلى أخرى. وقد قام هذا الطباخ رفقة مساعديه بإعداد طبق الشربة باللحم، وطبق لمثوم، بالإضافة إلى سلاطة متكونة من الخس، الطماطم، والتونة، وطبق اللحم الحلو، مع تقديم التمر والاجاص، أما في السحور فيقدم للسجناء الكسكس مع اللبن، وطبعا مع الأخذ بعين الاعتبار السجناء المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة أو مشاكل هضمية ومعدية بحيث تعد لهم وجبات خاصة بالحمية الغذائية. وأجمع السجناء الذين تحدثنا معهم أن الوجبة الغذائية التي تقدم لهم في رمضان غنية ومتنوعة وتشبه تلك المقدمة بالمنزل مثلما أكده لنا أحد السجناء المحكوم عليه ب5 سنوات سجنا نافذا الذي قال "ان الجو العائلي والحرية هما ما ينقصنا فقط، فالحمد لله ظروف السجن تغيرت نحو الأحسن مقارنة بالسنوات الماضية". وتحرص إدارة السجن كثيرا على النظافة من خلال تجنيد فريق من السجناء يترأسهم رضوان المحكوم عليه ب12 سنة سجنا قضى منها أربع سنوات إلى حد الآن ويسهر على تنظيف كل أرجائه يوميا باستعمال المواد المنظفة لمحاربة الجراثيم والأمراض، بالإضافة إلى قيام كل السجناء بتنظيف قاعاتهم يوميا عن طريق المناوبة بتعيين ثلاثة سجناء يوميا لضمان راحتهم. وتجبر الإدارة كل السجناء على الاستحمام والذهاب الى الحلاق مرتين في الأسبوع حرصا على نظافتهم وطهارتهم. كما يسهر فريق طبي متكون من 11 طبيبا يشتغل في النهار و4 آخرين يشتغلون في الليل إلى جانب 7 جراحي أسنان و7 أخصائيين نفسانيين على علاج وتفحص السجناء مرة في كل شهرين إجباريا بالإضافة إلى استفادة السجين من العلاج أثناء المرض أو الإحباط. وللإشارة يعد سجن سركاجي من أقدم السجون العربية حيث يعود تاريخه إلى العهد التركي، فهو يتكون من بنايتين واحدة تعود للعهد التركي بنيت سنة 1565 من طرف خير الدين برباروس ومعناه صاحب اللحية الشقراء. وكان آنذاك يستعمل كسجن عسكري للزج بالمتمردين عن الوصاية العثمانية والغزاة الإسبان وراء القضبان. وعرف السجن توسعا إبّان الاحتلال الفرنسي للجزائر من خلال زيادة بناء قاعات إضافية لإيواء عدد كاف من المساجين سنة 1948 . وفيما يخص تسمية السجن ب"سركاجي" فهي كلمة تركية الأصل تختلف الروايات التركية في معناها الحقيقي، فهناك من يقول إن "سركاجي" تعني الرجل الصامد والشجاع، وهناك من يقول إن معناه يطلق على صانع الخل. وتم غلق سجن سركاجي بعد استقلال الجزائر واحتفظ به آنذاك كمتحف شاهد على آلام الجزائر وتعذيب المجاهدين من طرف الجيش الفرنسي. لكن في نهاية الستينيات خصص جزء منه لإيواء بعض المساجين العاملين في الورشة الخارجية والتابعين لسجن الحراش. وفي 4 ديسمبر 1981 تم تخصيصه كمؤسسة للوقاية ليتم تحويله إلى مؤسسة لإعادة التربية في فيفري 1989. وتضم مؤسسة إعادة التربية بباب جديد حاليا 30 قاعة لإيواء المساجين الذين تصدر في حقهم أحكام بالسجن من طرف محكمتي سيدي أمحمد وباب الواديبالجزائر العاصمة.