يبدأ المراهق مع دنوه من سن المراهقة في البحث عن ذاته المستقبلية، تكوين شخصيته وخاصة تحقيق استقلاليته من خلال اتخاذه لجملة من القرارات والاختيارات التي تتعلق في مجملها بأسلوبه في ارتداء الملابس، الحديث مع الآخرين وبالأخص كل ما له صلة باختياره لأصدقائه. مع العلم بان هذا الأخير هو الذي يحدد طبيعة علاقاته بالمجتمع، لان الصداقة في سنه هذا تعد بمثابة عالمه الشخصي الخاص الذي يلج إليه كلما ضاقت به السبل نظرا لتوافقهامع ميولاته، اهتماماته وطموحاته. لمعرفة معنى وأهمية الصداقة بالنسبة إلى هذه الفئة الفتية في المجتمع اتجهنا إلى بعض الثانويات والمتوسطات المتواجدة على مستوى الجزائر العاصمة، كثانوية علي عمار، حسيبة بن بوعلي ببن عمر، سعد دحلب في القبة ومتوسطة البدر بباش جراح. لفت انتباهنا لدى الجولة التي قادتنا إلى بعض ثانويات ومتوسطات الجزائر العاصمة، أن نظرة التلاميذ إلى الصداقة وتعريفهم لها متباين بحسب تجربة كل واحد منهم، إذ عرف لنا “طارق” ذو 14 سنة والذي يدرس بمتوسطة حي البدر. الصداقة بأنها “ذلك الشعور المتبادل بين شخصين اعتادا على بعضهما من خلال حديثهما المتواصل، بحيث أن الفرد لا يعطي أسراره إلا له وكأنه الكاتم الخاص بكل ما يتعلق بك، خاصة الذكور على عكس الإناث. في حين عرفت لنا “رزيقة” 18 سنة بثانوية علي عمار بالقبة، الصداقة بأنها “الكتف الذي نستند إليه عند فرحنا وسرورنا، بحيث أننا نلجأ إليها كلماضاقت بنا الدنيا، ونحب مشاركة أفراحنا مع من نعتبره صديقا لنا، دون وجود ضوابط أو قواعد تحكم المعاملة فيما بيننا غير الصدق الأمانة والثقة، وأحيانا نجد بأن الولد يكون صديقا صدوقا أكثر من الفتاة التي تحركها في كثير من الأحيان الغيرة من صديقتها”. أما “ابتهال” ذات 15سنة بثانوية حسيبة بن بوعلي، فهي تعتبر الصداقة كل ماله صلة بالتعاون،المساندة والإخلاص دون انتظار المقابل لذلك. وهو نفس رأي زميلتها “أحلام” 16سنة التي اعتبرت الصداقة علاقة مهمة قوامها الوفاء، الصدق، حفظ الأسرار، والعفوية في التعامل مع الصديق دون تملق. أما التلميذ “يزيد” 18سنة بثانوية سعد دحلب، فقد أكد لنا أن الصداقة في وقتنا الحالي جد نادرة لوجود عدة عوامل في مقدمتها المنفعة، لكنه من جهة أخرى ذكر بأنه يعتبر أصدقاءه بمثابة إخوة له، اختارهم على أساس قدرتهم على التفاهم فيما بينهم ومساندتهم لبعضهم البعض، أما فيما يتعلق بمسإلة الثقة فقد أكد لنا أنها مسالة تنشأ مع مرور الوقت باعتبارها قواما لكل العلاقات الاجتماعية. وقد شاطره صديقه “أنس” الرأي بقوله أن “الصداقة هي مجموعة من العلاقات والروابط التي تنشأ بين شخصين أو أكثر مع مرور الوقت، وأحيانا تستغرق سنوات لكي يكتمل بناؤها”، كما اعتبر “أنس” بأن الحل الوحيد أمام الأصدقاء من اجل تجاوز المشاكل والاضطرابات التي تعصف باستمرارية الصداقة يتمثل في الحوار والمصالحة، وأحيانا أن يكون هناك نوع من التنازل من قبل البعض حتى لا يتم خسارة هذه الصداقة، مشيرا إلى أن الصداقة مع الجنس الأخر يجب أن تتميز بنوع من الحذر لان التعامل لن يكون بالمثل، على أساس أن الفتاة قد تقوم بكسر هذه الصداقة من خلال إفشائها للأسرار التي تم إيداعها لديها في كثير من الأحيان. أما “سلمى” 17سنة، فقد اكتفت بقول “الصداقة لا وجود لها لان الخيانة تتغلغل إليها مع كل نمو لها، وهو ما أكدته لي تجربة أختي”. وما لفت انتباهنا لدى حديثنا مع هؤلاء المراهقين أنهم لم يحصروا صداقتهم للغير بسن معينة، وإنما فتحوا لها المجال لتشمل مختلف الأعمار. البحث عن الاستقلالية والتقدير يدفع المراهق إلى المصادقة في بداية حديث الأستاذ منصور أبو بكر، المختص في علم النفس مع “السلام” عرّف لنا الصداقة على أنها “تعد من بين أهم مقومات الشخصية في مرحلة المراهقة التي تعقب مرحلة الطفولة، مشيرا إلى أن المراهقة 3 مراحل المراهقة الأولى، المراهقة المتوسطة والمراهقة المتأخرة”، موضحا بان المراهق في هذه المرحلة يكون في إطار البحث عن هويته واستبدال القيم التي اكتسبها من أهله بقيم أصدقاء من سنه ويمكن أن يكونوا اكبر منه، لأنه يريد في هذه المرحلة أن يكبر ويسمع كلمات الشكر والتقدير من الغير ليشعر بذاته، لذا يعيش بين قلق الحياة الذي يدفعه إلى بناء الصداقات بحثا عن الاستقلالية من خلال انتمائه إلى شخص يقاربه أحيانا من حيث السن، ليعوضه حرمانه منها في وسطه العائلي، فهي بذلك نتيجة حتمية لشعوره بأنه خرج من مرحلة الطفولة دون أن يكلفه المجتمع بذلك، وقلق الموت بسبب خوفه من فقدان الدعم المادي والمعنوي من قبل والديه، كما أضاف الأستاذ بأن “الصداقة لا يمكن حصرها في جنس واحد فحسب، لأنها يمكن أن تكون بين الجنسين، بحيث أن الاحتكاك بين هذين الأخيرين يكون انطلاقا من البيئة المدرسية التي تمكن المراهق بطبيعة الحال من الشعور بقيمته، حصوله على التقدير ومن ثمة تحقيقه لذاته المستقلة، لأنه في هذه المرحلة هو في رحلة البحث عن كل ما يثبت به كيانه وذاته الاجتماعية، وخاصة كل ما هو مثالي، وهو ما تفتقر إليه البيئة الريفية، لذا برز ما يسمى “التنفيس المبطن” الذي يكون نتيجة الضغوط الحبيسة لدى هؤلاء المراهقين، ما يقودهم في كثير من الأحيان إلى ارتكاب الأخطاء في هذه السن الحساسة بالنسبة لكل فرد”. وقد أردف الأستاذ بقوله أن الصداقة هي الباب الأول الذي يمهد به المراهق المسار أمامه لبناء العديد من العلاقات الاجتماعية مستقبلا، إذ أن تجاربه خلال هذه المرحلة ستمكنه من توطيد علاقاته داخل المجتمع مع من يحيطون به، الاستفادة من هذه التجارب التي ستصبح بمثابة مرجع له طوال حياته وخاصة الانفتاح على كثير من الأمور التي تحكم علاقات الأفراد غالبا كالمنفعة، لكن ذلك من جهة أخرى قد يؤدي بالمراهق إلى مصادقة بعض الأفراد الذين يقومون بتشويه سلوكه ونفسيته البريئة، كالمنحرفين الذين يحرضونه في البداية على التدخين مثلا ليمتد ذلك إلى غرس فكرة عدم أهمية الدراسة في أذهانهم، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى انفصالهم عن المؤسسة التربوية بصفة نهائية، لذا يجب أن نؤكد على أن الصداقة لدى المراهقين في هذه المرحلة يجب أن تكون بالموازاة مع التوجيه والمتابعة من قبل الأهل، دون إشعار المراهق بأننا نضيق عليه إطار استقلاليته وحريته الشخصية حتى لا نقع في مشكل أخر. ديننا يحمل ما هو أسمى وهي الأخوة أكدت الأستاذة في الشريعة الإسلامية “جميلة” ل«السلام” بأن “ديننا الحنيف تجاوز مدلول الصداقة بما هو ارفع وهي الأخوة بين المسلمين لوجه الله دون انتظار أي مقابل من إخوتنا، على الرغم من أننا نهتم بهم، نتفهمهم ونلبيهم عند الحاجة، والأخوة تكون بين الرجال والنساء لقوله تعالى “إنما المؤمنون إخوة”، أما فيما يتعلق بالصداقة فقد أكدت الأستاذة بان ديننا الحنيف قد جاءنا بما هو أسمى وهي “الأخوة” التي يحب فيها المسلم لأخيه ما يحب لنفسه دون أنانية أو خداع، مضيفة بان الصداقة يمكن أن تنشأ بين النساء أو الرجال ولكن لا يجوز أن تكون بين الجنسين، لأنه وان كانت هناك ضوابط وحدود تحكم هذه العلاقة إلا أن الشيطان دائم الحضور بينهما ف«ما من اثنين إلا وكان الشيطان ثالثهما”، أما فيما يتعلق بالصداقة لدى المراهقين فقد أشارت الأستاذة إلى أن المراهق في هذه المرحلة هو عبارة عن شعلة من المشاعر، لذا يمكن لما يسمى بالصداقة بين الجنسين أن يتحول إلى علاقة أخرى نظرا للاهتمام المتبادل بينهما، وخاصة لعدم قدرتهما على التحكم في قلبيهما وهو ما يفسر تسميتها بالقلوب لأنها تتقلب، وبشكل أساسي في هذه المرحلة التي يتعذر على المراهقين فيها السيطرة على مشاعرهم وذواتهم”، أما فيما يتعلق بالصداقة بين الجنس الواحد فقد أكدت الأستاذة ب«أنها من أهم العلاقات التي تحكم المجتمع، لأننا سنجد من يقف إلى جانبنا بحكم انه صديقنا وأخونا الذي يتقاسم معنا أعباء هذه الحياة بأذنه الصاغية لمشاكلنا ونصحه المستمر لنا، على الرغم من أننا نثقل عليه في كثير من الأحيان، إلا أن حبه وأخوته لنا تكون بمثابة الصخر الذي لا ينفك ولا يتوانى عن دعمنا وتسديد طريقنا إلى ما أمرنا الله به”.