من الشعائر العظيمة لديننا الحنيف شعيرة الأذان، وهي اعتراف للعظيم بعظمته وتوحيده، وإعلان هذه العظمة ليسمعها كل موجود، ويرددها المسلمون لتتأكد في أذهانهم معانيها العميقة، ويشاركوا المؤذن فضلها حين يسمعون هذا النداء الذي تهفو لإجابته القلوب السليمة، وتنفر منه القلوب السقيمة وعلى رأسها الشيطان، ثم يذكرون علم الهدى -بعد الفراغ منه- بالدعاء له وفق ما بينه لأمته صلى الله عليه وسلم . حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا عبدة عن طلحة بن يحيى عن عمه قال: كنت عند معاوية بن أبي سفيان فجاءه المؤذن يدعوه إلى الصلاة فقال معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة، وقوله - صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء قال الراوي: هي من المدينة ستة وثلاثون ميلا وفي رواية: إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس وفي رواية: إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص. وقال النضر بن شميل: إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق، وقيل: معناه أنهم سادة ورؤساء، والعرب تصف السادة بطول العنق. وعن فضيلة الأذان والمؤذن جاءت فيها أحاديث كثيرة في الصحيحين مصرحة بعظم فضله، واختلف أصحابنا هل الأفضل للإنسان أن يرصد نفسه للأذان أم للإمامة على أوجه أصحها الأذان أفضل، وهو نص الشافعي - رضي الله عنه - في الأم، وقول أكثر أصحابنا، والثاني الإمامة أفضل وهو نص الشافعي أيضا، والثالث هما سواء، والرابع إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجميع خصالها فهي أفضل، وإلا فالأذان. قاله أبو علي الطبري، وأبو القاسم بن كج، والمسعودي، والقاضي حسين من أصحابنا. وأما جمع الرجل بين الإمامة والأذان فإن جماعة من أصحابنا يستحب ألا يفعله. وقال بعضهم: يكره، وقال محققوهم. وأكثرهم: أنه لا بأس به، بل يستحب، وهذا أصح. لقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في إجابة المؤذن وبيان فضل من أجابه، فمنها: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول المؤذن، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة. رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بلال ينادي، فلما سكت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال مثل ما قال هذا يقينا دخل الجنة، رواه النسائي.