هل تقصد جناح سوريا إذا؟ المهم، بقي الأطباء أسبوعين في الخنادق تحت القصف المتواصل ليلا نهارا. ولم يصب أحد منهم. كنت أدخل الأطباء وسط الحصار وهم خائفون، وكنا نمر بصعوبة على الحواجز السورية. هل كانت بيروت خاضعة لحصار الجيش السوري؟ نعم، وكانت الفصائل الفلسطينية تتقاتل فيما بينها. كما قلت كنا ندخل بيروت بصعوبة عبر الحواجز السورية. وأتذكر مرة أن مسؤولا عن أحد الحواجز قال لي: «إنك جزائري، وثمة مخاوف من إصابتكم في القصف». فأجبته قائلا: «هل تريد أن تحرمني من الاستشهاد مع الفلسطينيين؟ دعني استشهد داخل مخيم فلسطيني». وجودنا كان ذا بعد معنوي وسياسي، وأذكر في آخر ليلة حذّرني أحد المسؤولين العسكريين الفلسطينيين وهو سلطان أبو العينين، وهو برتبة لواء حاليا، من أن الهجوم الفاصل سيكون في تلك الليلة مع احتمال أن يستشهد الجميع. فقلت له ونحن في خنادق يصل عمقها إلى عشرة أمتار تحت الأرض: «أنا شخصيا مستعد للاستشهاد معكم، ولكن هل يوجد مكان مؤمّن بعيد عن القصف للأطباء؟» فقال لي إنه سيقوم بتأمين حياتهم. كان أبو العينين على علم بالليلة الحاسمة، فقد كانت لديه معلومات من الطرف الثاني على ما يبدو، وكنت الوحيد الذي أخبره بالأمر. ولم أنقل الخبر إلى الأطباء المرافقين باستثناء الطبيب الجراح «د. فرحات» الذي قلت له بأنني سأخبره غدا بسر لن ينساه أبدا إذا قدر لنا أن نعيش. وبالفعل بدأ القصف الجهنمي في تلك الليلة وكنت أتمنى لو أنه وجه للصهاينة. وفي اليوم الموالي قال لي أبو العينين وكان برتبة عقيد، وهذا للتاريخ لعل أبو العينين يقرأ هذا ولا يقول أنني حرفت الحقائق، مع العلم أن قيادتنا في الجزائر لم تكن على دراية بالخطر الذي كان يتهددنا، إن الإخوان الأطباء أرادوا الخروج. فقلت له وماذا عن أطبائك؟ فقال لي: لا، الجزائريون فقط. فشعرت أن ثمة خطب ما، فرفضت خروج أطبائنا وقلت له: «إن بقي الفلسطينيون سيظل معهم الجزائريون، ودعهم يستشهدون معهم». وعلى الساعة الواحدة، هاتفني قائلا إن الأطباء لم يعد لهم دور، والمطلوب خروجهم كافة (فلسطينيون وجزائريون). ولأن القصف كان وحشيا فقد كان لزاما العثور على حيلة للتمكن من الخروج. وكانت الحيلة هي نداء باسم الفلسطينيين سلّم عن طريق الصليب الأحمر لوسائل الإعلام اللبنانية شرق بيروت، يطلب إيقاف القصف نصف ساعة لتجميع الجثث التي أضف إلى Facebook del.icio.us Digg StumbleUpon Twitter