احتفال أولاد نائل بليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، استوقفنا من خلال عادات خاصة ورثتها الأسر الجلفاوية منذ زمن. وتعتبر هذه الليلة غير عادية في بيوت الكثير من العائلات التي تحضر فيها أنواع عديدة من الأطباق والمأكولات والحلويات، وهي ليلة تتلاقى فيها العائلات والأقارب والأصدقاء . وفي جولة لأحد الأسواق الشعبية بالجلفة التقينا محمد، من بلدية حد الصحاري، وقال: «في هذه المناسبة الغالية على قلوبنا، نحن متمسكون بشدة بالاحتفال بهذه الليلة، لأنها فرصة لجمع شمل العائلة والأقارب بعد الإفطار وصلاة التراويح». وأضاف أن ليلة السابع والعشرين متميزة عن باقي أيام رمضان، وفرصة لإعداد أجمل موائد شهر الرحمة، يجتمع حولهاالأهل والأقارب والجيران وتوجه الدعوات أيضا للفقراء والمساكين. وقالت سعاد، عن هذا اليوم أنه يتم تصويم الأطفال الصغار الذي يكون حسب ما جرت عليه العادة ونقوم بإعداد مشروب خاص يتم تحضيره بالماء والسكر والليمون مع وضعه في إناء (مشرب) بداخله خاتم من ذهب أو فضة، من أجل ترسيخ وتسهيل الصيام على الأبناء مستقبلا، علما أن كل هذه التحضيرات تجري وسط جو احتفالي بحضور الوالدين والجد والجدة وأفراد آخرين من الأسرة والأقارب، وهذا تمسكا بعادات وتقاليد أجدادنا والسير على درب السلف. في حين تضيف زينب، أن الأطفال الذين يصومون لأول مرة تقام لهم احتفالات خاصة تشجيعا لهم على الصوم، وترغيبا في الشهر الكريم ويحظون بالتمييز من اجل دفعهم للمواظبة على أداء فريضة الصيام، أما نصيرة التي التقيناها في سوق مسعد بصدد شراء ملابس العيد، قالت أن البنات نلبسهن أفضل ما لديهن من ألبسة ويجلسن كملكات وسط احتفال بهيج بصيامهن. اعتادت بحلول ليلة السابع والعشرين على تحفيز الأطفال للصيام، حيث تعد لهم مائدة خاصة بهم تحتوي على مختلف الأطباق الرمضانية التي يحبونها، مضيفة أنها تسعى لإرضائهم طول اليوم خوفا من أن يفطروا، وبعد الإفطار تقام للطفل الصائم سهرة يكون فيها الشاي والمشروبات ومختلف أنواع الحلويات سيدة المائدة لتقوم بعدها جدة الطفل أو أي سيدة كبيرة في السن بوضع «الحنة» للطفل والغناء له ورمي الفأل، وسط جو اسري مليء بالسعادة يحفزهم على المحافظة على فريضة الصوم. وتضيف أن في هذا اليوم تكثر الأفراح وتتعالى زغاريد النسوة داخل البيوت. أما هاجر، فأفادت أنه يتم تحديد ليلة السابع والعشرين لختان الأطفال لأن رمضان يعتبر فرصة مناسبة من أجل لم شمل الأهل والأحباب عمدا في السهرات الرمضانية التي تغمرها أجواء من الفرحة والسرور والطمأنينة. ويعرف التعليم القرآني بالجلفة انتشارا كبيرا عبر الولاية خاصة في شهر رمضان الكريم، حيث فتحت العديد من الأقسام الملحقة التابعة للمساجد وشهدت إقبالا كبيرا من فئة الأطفال يتم عن طريقها حفظ القرآن والحديث النبوي الشريف والآداب والأدعية علاوة على الأناشيد الدينية والوطنية وتعتمد في التعليم على المصحف الشريف والملصقات البيانية الخاصة بالأعداد والحروف والكلمات والسور الإيضاحية والبيانية. والملاحظ تفوّق الأطفال في حفظ القرآن خاصة الذين لم يلتحقوا بصف الأولى بعد، ولمسنا تشجيع الأولياء لفلذات أكبادهم في حفظ كتاب الله تعالى، حيث اقتربنا من أحد المعلمين للقرآن فضة أحمد، الذي ساهم في فتح قسم خاص للأطفال لتحفيظ القرآن، فأشار الى أن التحفيز المادي والمعنوي لحفظة القرآن يبعث في نفوس الأطفال روح المنافسة للظفر بأحسن الجوائز والتألق، ويضيف أنه يعتمد على طرق بيداغوجية حديثة ويقوم بتحديد فترة حفظ القرآن لكل طفل حسب العمر وكذا درجة الاستيعاب. ختان الأطفال في السابع والعشرين فالأطفال لهم نصيبهم من الاحتفال بهذه الليلة، حيث يقوم أولياؤهم بعملية ختانهم عمدا في الشهر الفضيل، حتى يكون فأل خير ويبارك لهم الله تعالى ذلك. فمع حلوله من الأيام الأولى يتوجه الآباء إلى الطبيب من أجل تحديد موعد ليقوموا بختان أبنائهم ولكنهم لا يفضلون أي يوم عادي بل يشترطون أن يتزامن مع ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، حتى يكون لعملية الختان نكهة خاصة، فتتعالى الزغاريد حينما يتوجه أقارب الولد إلى العيادة من أجل ختانه، حيث يرتدي ذلك الزي التقليدي الجميل وهو عبارة عن ڤندورة وقميص مطرز بالفتلة وسروال مدور تقليدي ولا ننسى الطربوش ويقيم له كورتاج بالسيارات. يجتمع كل الأقارب ويحضر أفراد عائلته سواء من جهة الأب أو الأم ويصنعون ديكورا حميميا، وهم ملتفون حول مائدة السهرة التي تتكون من شتى أنواع الحلويات الرمضانية، ويتوسطهم الابن الذي يبدو كأنه أمير متربع على عرشه، وهي جلسة عائلية تكون مصحوبة بالبراعم الصغيرة من أبناء الأخوال، الخالات، الأعمام والعمّات وحتى أصحابه وجيرانه الذين يرغبون في مشاركة قريبهم فرحته ومحاولة التخفيف عنه وجعله ينسى أوجاعه، ولا يمكن أن تختم تلك القعدة دون أن تضع جدة الصبي له الحناء التي ترمز لأصالة أولاد نائل في عاداته وتقاليده، وهي بمثابة فأل خير عليه وهذا بحضور الشموع. وفي هذا الصدد تقول السيدة ليندة، إنها قامت بتحضير كل المستلزمات حتى حين الموعد المحدد لختان ابنها البالغ من العمر 3 سنوات، واشترت له الزي التقليدي وبدأت تحضره نفسيا حتى لا يشعر بالخوف. وبالنسبة للحلويات فقامت بصنع أنواع مختلفة من الحلويات تلك التي تستهلك بكثرة في السهرات الرمضانية بالجلفة، مثل البقلاوة والغريبية والمقروط بالإضافة إلى الرفيس المحضر باللوز المشهورة به منطقة الجلفة وكذا البغرير. البوقالات.. بين التناغم والأشعار تستغل نساء الجلفة ليلة السابع والعشرين لزيارة الأحباب والأقارب، حيث يلم الشمل للتسامر في جلسة خاصة حول «البوقالات»، وهي عبارات تراثية متناغمة وتحمل معان وأشعارا شعبية. تضع إحدى السيدات وتكون كبيرة في السن خاتما من ذهب في إناء من طين، وتقوم إحدى الفتيات كل واحدة بدورها وتسحب الخاتم وتطلب منها العجوز أن تتمنى شيئا لتقرأ لها العجوز «البوقالة» التراثية، حيث تكون البوقالة المقروءة فأل خير على الفتاة وتستمر السهرة بأنواع من الحلويات التقليدية وكذا المشروبات. السابع والعشرون وإكمال نصف دينهم من المعروف عن منطقة الجلفة، إقامة الشباب حفل زفافهم في ليلة السابع والعشرين من رمضان، فارتأينا الاقتراب منهم لمعرفة سبب اختيارهم لهاته الليلة بالتحديد. حيث حدثنا مراد البالغ من العمر 34 سنة أنه مقبل على الزواج في ليلة السابع والعشرين، لأنها ليلة مباركة ومن أعظم ليالي رمضان، مضيفا أن الله سيرزقه إنشاء الله بذرية صالحة، يقول أنه يتم تحضير أهل العروس لزف ابنتهم إلى بيتها الجديد وتكون الأمور مرتبة من قبل، من المأكولات والمشروبات بالإضافة إلى السيارات التي تحضر العروس بما يسمى الكورتاج، وتتعالى زغاريد النسوة في جو بهيج. أما محمد، وهو أيضا مقبل على الزواج في الليلة المباركة، يقول أن في شهر رمضان يلم شمل العائلة وأنه يريد حضور جميع أقاربه ليشاركوه فرحته، مضيفا أن طريقة الاحتفال ستكون مميزة بالغايطة والبندير النائلي ممزوجة بالأناشيد والمدائح الدينية لعظمة ليلة القدر حسب قوله وتسمى بمنطقة الجلفة «القادرية». سيد المائدة "المصور" والشواء تشتهر منطقة الجلفة بطابعها الصحراوي الذي لا يخلو من تربية الأغنام، حيث تقوم اغلب العائلات في ليلة السابع والعشرين بتحضير الطبق المعروف بالمصور ويقصد به خروف مشوي مضافة إليه التوابل ويطهى على نار طبيعية على الحطب، وعادة ما يقدم معه الخبز وأنواع المرق بالإضافة إلى المسفوف الذي يقدم مع الدهان والعسل، وتجتمع العائلات على أنواع الشواء منها الملفوف، وهو عبارة عن قطع من الكبد تلف بالشحم الرقيق وتحمل على أعواد لتطهى على الحطب. كل هذا يجعل من ليلة السابع والعشرين أكثر تميزا بمحافظة الأسر الجلفاوية على تقاليدها.