يحتفل الجزائريون الليلة بليلة النصف من شهر رمضان من خلال بعض طقوس والعادات وطرق خاصة ورثتها الأسر الجزائرية منذ عقود من الزمن.وتعتبر ليلة ال15 من شهر رمضان من كل عام ليلة غير عادية في بيوت الكثير من العائلات الجزائرية والتي تحضر فيها أنواع عديدة من الأطباق والمأكولات والحلويات وهي ليلة تتلاقى وتتزاور فيها العائلات والأقارب والأصدقاء.ويعتبر الاحتفال بهذه الليلة تقليدا مميزا في شهر رمضان بما تختلف به كل منطقة من أصناف المأكولات الشعبية المتداولة في مثل هذه المناسبات. وفي جولتنا الميدانية بإحدى الأسواق الشعبية بسوق ساحة الشهداء التقينا بأم محمد وهي تقطن في حي باب الواد قائلتا في هذه المناسبة الغالية على قلوب الجزائريين ان العائلات الجزائرية متمسكة بشدة بالاحتفال بهذه الليلة لأنها فرصة لجمع شمل العائلة والأقارب بعد الافطار وصلاة التراويح .وترى أن ليلة نصف شهر رمضان متميزة عن باقي أيامه وفرصة لإعداد أجمل موائد شهر الرحمة يجتمع بينها الأهل والأقارب والجيران وتوجه الدعوات أيضا للفقراء والمساكين. الأكلات المتداولة في هته الليلة ليلة النصف تعد الأسر الجزائرية أشهى الأطباق الجزائرية التقليدية حيث تقوم النسوة بطهي طبق "الشربة" كما يسميها معظم الجزائريين.ويحضر هذا الطبق في العاصمة ب الفريك وهو المكون الرئيس للحساء ويضاف اليه أصناف من الخضر واللحم ومجموعة من التوابل تتضمن والفلفل الأسود والقرفة وغيرها.ومن بين أشهر الأطباق التي يتم إعدادها بمناسبة الاحتفال بليلة نصف رمضان طبق "لحم حلو " وهو طبق مكون من فاكهة المشمش والكمثرى والتفاح والبرقوق طهوة مع قطع اللحم الصغيرة ويتميز هذا الطبق بطعم القرفة كما تعمد النساء الى تزيين هذا الطبق بمختلف بأنواع المكسرات. كما يضيف الى هذه الأطباق الكسكسي وهو يعتبر أهم طبق في ليلة النصفية وذلك لتناسبه مع قدسية هذه الليلة المباركة في حين تحضر بعض العائلات الرشتة بالدجاج وهو طبق يطهى خلال هذه المناسبة من جهة أخرى، فإن العائلات في شرق البلاد تميزها أكلاتها الشعبية عن باقي الولايات خاصة في ليلة النصف فمثلا مدينة بسكرة معروفة ب ”الشخشوخة البسكرية” هذه الأكلة التي يعرفها جميع سكان الجزائر وتحضرها النسوة ليلة النصفية والتي تحضر باللحم ومرق احمر وتحضير عجينة وطهيها ويتم تفتيتها وتضيف عليها المرق عند طهيها وتكون حارة كما تقوم العائلات الجزائرية بإخراج الصدقة ليلة النصف على الفقراء والمساكين . اما فيما يخص الحلويات فتحضر النسوة النساء في منطقة وسط الجزائر أنواع عديدة من الحلويات التقليدية "الهريسة" و"البقلاوة" و"المحنشة" و"المقرود" والقطايف وهي حلويات لا تستغني عنها العائلات في سهرة نصف الشهر الكريم.ولم تفوت النساء الفرصة للتسامر في هذه الليلة في جلسة خاصة حول "البوقالات" وهي عبارات تراثية متناغمة وتحمل معان وأشعار شعبية حيث تضع إحدى السيدات وتكون كبيرة في السن خاتما من ذهب في إناء من طين وتقوم إحدى الفتيات كل واحدة بدورها وتسحب الخاتم وتطلب منها العجوز أن تتمنى شيئا لتقرأ لها العجوز "البوقالة" التراثية.و هي عبارة عن تراث جزائري ورثته النساء في الجزائر منذ القدم حيث تبدأ "باسم الله بديت وعلى النبي صليت وعلى الصحابة رضيت وعيطت يا خالقي يامغيث كل مغيث يارب السماء العالي". وغالباً ما تحمل البوقالات بين كلماتها معاني الحب والأماني والأمل الذي تحمله خصوصا الفتيات اللواتي يحلمن بفارس الأحلام.وتتضمن العبارات التي تردد "كلام على كلام والكلام على سقيلة العين في العين والدعوة مقبولة" وتعني أن ضالة الكريم الثناء عليه.ومنها أيضاً "يا شمس واش بيك ذابلة إلا لابيك الزين راني نفكر فيك وإذا بيك الزهر ربي ما يتخلي عليك وتعني "سعيد من شغله عيبه عن عيوب الناس". توافد المصلين على صلاة التراويح ليلة النصف يتنافس المسلمون في الجزائر خاصة في هته الليلة على تأدية الشعائر الدينية وهذا بالإكثار من الصلوات وتلاوة القرآن أثناء الليل وأطراف النهار, ناهيك عن إعمار المصلين المساجد في أوقات الصلاة و صلاة التراويح و قيام الليل وحتى خارج أوقات الصلاة . ويعد شهر رمضان حسب أغلبية العائلات الجزائرية المسلمة الشهر الوحيد الذي يلتفو حول مائدة إفطاره كل أفراد العائلة الصائمين في وقت واحد وفي جو عائلي حميمي لتناول مختلف أنواع المأكولات التي يشتهر بها المطبخ الجزائري . ومن جهة أخرى، يحظى الأطفال الصائمون لأول مرة باهتمام ورعاية كبيرتين من طرف ذويهم تشجيعا لهم على الصبر والتحمل والمواظبة على هذه الشعيرة الدينية وتهيئتهم لصيام رمضان كامل مستقبلا . عادات وتقاليد: تصويم الأطفال ليلة النصفية ويتم خلال هذا اليوم تصويم الأطفال الصغار الذي يكون حسب ما جرت به العادة ليلة النصف من رمضان أو ليلة 27 منه إعداد مشروب خاص يتم تحضيره بالماء والسكر والليمون مع وضعه في إناء (مشرب) بداخله خاتم من ذهب أو فضة من أجل ترسيخ وتسهيل الصيام على الأبناء مستقبلا , علما أن كل هذه التحضيرات تجري وسط جو احتفالي ,بحضور الوالدين والجد والجدة وأفراد آخرين من الأسرة والأقارب, وهذا تمسكا بعادات وتقاليد أجدادهم والسير على درب السلف . الأطفال الذين يصومون لأول مرة . .تقام لهم احتفالات خاصة تشجيعا لهم على الصوم و ترغيبا في الشهر الكريم ويحظون بالتمييز من اجل دفعهم للمواظبة على أداء فريضة الصيام فالبنات يلبسنهن أفضل مالديهن من ألبسة ويجلسن كملكات وسط احتفال بهيج بصيامهن ،وفي هذا الشأن قالت لنا السيدة عقيلة وهي أم لطفلين التقتها المسار العربي بسوق باش جراح حيث كانت منهمكة في شراء ملابس العيد قائلة " انه اعتادت بحلول ليلة النصف على تحفيز الأطفال للصيام، حيث نعد لهم مائدة خاصة بهم تحوى مختلف الأطباق الرمضانية التي يحبونها مضيفة أنها تسعى لإرضائهم طول اليوم خوفا من أن يفطروا، وبعد الإفطار تقيم للطفل الصائم سهرة يكون فيها الشاي والمشروبات ومختلف أنواع الحلويات سيدة المائدة لتقوم بعدها جدة الطفل أو أي سيدة كبيرة في السن بوضع الحنة للطفل والغناء له ورمي الفأل، وتختلف مناطق الوطن في القيام بهذه العادة وسط جو اسري يحفزهم على المحافظة على فريضة الصوم. ولعل هذه من بين مظاهر الاحتفال بهذه الليلة لان كل منطقة من وطننا الحبيب فيه عادات وتقاليد للاحتفال بليلية النصف وليلة القدر. اغتنام الأسر الجزائرية ليلة النصف لختان أولادهم بحلول شهر رمضان الكريم تغتنم العديد من العائلات الجزائرية الاحتفال بعدة مناسبات عائلية نظرا لما يتوفر في هذه المناسبة من بركة وخير على الأمة الإسلامية جمعاء. ففي هذا الشهر تكثر الأفراح وتتعالى زغاريد النسوة داخل البيوت الجزائرية، حيث يتم تحديد هذه الليلة لختان الأطفال لأن رمضان يعتبر فرصة مناسبة من أجل لم شمل الأهل والأحباب عمدا في السهرات الرمضانية التي تغمرها أجواء من الفرحة والسرور والطمأنينة . فالأطفال لهم نصيبهم من الاحتفال في شهر رمضان، حيث يقوم أولياؤهم بعملية ختانهم عمدا في هذا الشهر الفضيل فهم ينتظرون هذا الشهر الفضيل من اجل ختان أولادهم حتى يكون فأل خير ويبارك لهم الله تعالى ذلك. فمع حلوله من الأيام الأولى يتوجه الآباء إلى الطبيب من أجل تحديد موعد ليقوموا بختان أبنائهم ولكنهم لا يفضلون أي يوم عادي بل يشترطون في ذلك أن يتزامن مع ليلة النصف أو 27 من شهر رمضان حتى يكون لعملية الختان نكهة خاصة، فتتعالى الزغاريد حينما يتوجه أقارب الولد إلى العيادة من أجل ختانه حيث يرتدي ذلك الزي التقليدي الجميل وهو عبارة عن قندورة وقميص مطرز بالفتلة وسروال مدور التقليدي ولا ننسى الطربوش ويقيم له كورتاج بالسيارات حيث يجتمع كل الأقارب ويحضر أفراد عائلته سواء من جهة الأب أو الأم ويصنعون ديكورا حميميا وهم ملتفون حول مائدة السهرة التي تتكون من شتى أنواع الحلويات الرمضانية ويتوسطهم الابن الذي يبدو كأنه أمير متربع على عرشه، وهي جلسة عائلية تكون مصحوبة بالبراعم الصغيرة من أبناء الأخوال، الخالات، الأعمام والعمات وحتى أصحابه وجيرانه الذين يرغبون في مشاركة قريبهم فرحته ومحاولة التخفيف عنه وجعله ينسى أوجاعه، ولا يمكن أن تختم تلك القعدة دون أن تضع جدة الصبي له الحناء التي ترمز لأصالة المجتمع الجزائري العريق في عاداته وتقاليده وهي بمثابة فأل خير عليه وهذا بحضور الشموع . وفي هذا الإطار تقول السيدة كريمة إنها قامت بتحضير كل المستلزمات حتى حين الموعد المحدد، وقد اشترت لولدها البالغ من العمر 3 سنوات الزي التقليدي وبدأت تحضره نفسيا حتى لا يشعر بالخوف. وبالنسبة للحلويات فقامت بصنع أنواع مختلفة من الحلويات تلك الأنواع التي تستهلك بكثرة في السهرات الرمضانية كالقطايف وقلب اللوز والباقلاوة والصامصا وبهذا العادات والتقاليد تحتفل الأسر الجزائرية بهذه المناسبة والتي تسمى النصفية وهي عبارة عن عادات وتقاليد جزائرية موروثة ويجب المحافظة عليها لأنها تساهم في التآزر والتراحم بين الأسر ومن الناحية الشرعية فلا يوجد سند شرعي يدل على شرعية الاحتفال به .