قضية مقتل الرهبان السبعة بالجزائر الجزائر في: الإثنين 12 ربيع الأول 1418 ه الموافق ل: 17 جويلية 1997 م أمير الرابطة الإسلامية للدعوة والجهاد أبو شعيب علي بن حجر بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّ اللهم وسلّم على محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين
قضية الرهبان السبعة بالجزائر إنّ قضية الرهبان السبعة الذين قُتلوا في المدية على أيدي جماعة الجيا، الجماعة الإسلامية المسلّحة، في شهر ماي 1996، بعد اختطافهم أواخر شهر مارس لنفس السنة، أثارت ضجة كبيرة وردود فعل صاخبة داخل الجزائر وخارجها في ذلك الحين، ثمّ طويت الصفحة بسرعة وكأنّ القضية سوّيت في الوقت نفسه . إنّ رُهبان تيبحيرين بأعلى المدية معروفون في البلدة بقدم ديرهم واشتغالهم بالعبادة والفلاحة الذاتية وبذل العلاج و المداواة لمعظم الناس، وهذا ما جلب احترام الناس لهم في المدية على اختلاف مشاربهم وأعمارهم وإقبال المرضى على أدويتهم وعلاجهم (لأنهم على اتصال دائم بمختلف التطورات الطبية في العالم الغربي حيث تمدّهم المنظمات العالمية و الكنسية بما يحتاجون إليه، وهذا من ضمن برنامجهم العالمي أو الديني كما يعتقدون، حيث يدخلون عوالم الناس بالمساعدات الطبية والمادية والمعنوية لعرض اعتقاداتهم ودينهم) غير أنّ رهبان تيبحيرين على طول مدّتهم هناك، وكثرة خدماتهم الإنسانية للشعب على ما أعلم وأعرفه وما بلغني من السكان المحيطين بهم لم يؤثّروا على تمسّك الشعب بدينه واعتقاده، ولم يُعاديهم الناس لاختلاف الدين وإنّما كان الإحترام متبادلاً وتامّاً، وفي نهاية الثمانينات وبداية التسعينات حين قرر سكان حي تيبحرين بناء مسجد جامع للصلاة تقدّم هؤلاء الرّهبان لسكان الحي بمساعدة في هذا الميدان تتمثّل في التنازل لهم عن غرفة من الدير يستعملها أهل الحي في الصلوات الخمس حتى يفرغوا من بناء المسجد، فقبل السكان وبالأحرى نقول لجنة بناء المسجد بهذا العرض، وكانوا يُصلّون بهذه الغرفة المُعارة لهم من الرُّهبان ويؤذنون لكلّ الأوقات . ليلة إعطاء الأمان في ليلة الرّابع والعشرين أو الخامس والعشرين من ديسمبر 1993م، وهي ليلة الاحتفال بأعياد الميلاد عند النّصارى (أي ليلة عيد ميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه السّلام)، قصدنا دير الرهبان بتبحرين، وذلك من جبال تمزقيدة التي تُطلّ عليهم بقممها الشامخة، وكنّا كالتالي: الشيخ يونس وهو عطية السايح والأخ أيوب(الوناس) من العاصمة، والأخ العيد زياني من قطيطن، و الشيخ عيسى حمزة وهو أكبرنا سنّا من البليدة والأخ ثابت من تمزقيدة، و المتحدّث علي بن حجر كنا ستة، وعندما وصلنا الدير بعد مغرب الشمس وجدناه مُغلقاً، فتسلّق العيد السور وقفز داخل الجنينة وفتح الباب، فرابطت مع الشيخ عيسى والأخ ثابت في الطريق أمام الباب للحراسة ولصرف المارّين من أصحاب الحي بِلُطف بعد أن لحظ بعضهم تحرّكنا، ودلف الشيخ عطية وأيوب والعيد إلى الدير، وقد انتظرنا أكثر من ساعة ونصف الساعة ليعود إلينا الإخوة المذكورين وعلامات الإرتياح بادية على مُحيّاهم مما أشعرنا أنّ التوفيق حالف سعينا، وكان الشيخ عطية قبل ذلك اليوم قد استشارني في هؤلاء الرهبان، فأخبرته بأنّهم مسالمون وهذا ما نعرفه عنهم في المدية ويمكن أن يُعينونا كما أعانوا إخواننا في الثورة الأولى طبياً ومادياً، فقبل هذا الرأي وسعى نحو تحقيقه في هذه اللّيلة كما ذكرت، فلما خرج الإخوة الثلاثة من الدير أقبلوا علينا ونحن في انتظارهم بحراسة المكان يخبروننا ما جرى لهم في الدير من أول دخولهم حتى آخر لحظة فارقوا فيها الرهبان. لقد طلب العيد وهو أول من دخل الدير من الرهبان الذين وجدهم، أن يجثوا على ركبهم إلى الحائط، وكان رحمه الله لا يعرف اللغة الفرنسية فخاطبهم بكلمات عامّية، فهموها فاستجابوا له وهم فزعون، ولمّا دخل الشيخ عطية وأيوب طالبا من الأخ العيد أن يتأخر قليلاً، وتقدّم فخاطبهم الأخ أيوب بالفرنسية وبلغم أنهم لم يأتوا إلى الدير ابتغاء الشر، وإنّما قدموا في مهمة خيرية، فذهب عنهم الرّوع، واستعادوا وضعهم العادي، وعندها طلبوا من الإخوة أن لا يروّعوا كبيرهم الطبيب الذي كان مريضاً طريح الفراش في غرفة أخرى وقد كبر سنّه، فطمأنوهم ووعدوهم خيرا، وقد وجد الإخوة طاولة حافلة بالطعام والشموع. حيث كان الرهبان على وشك الإحتفال بتلك الليلة على طريقتهم، ويظهر أنّهم لم يكونوا وحدهم فقد كان ضيفاً عليهم المدعو (نيكولا) ويُسمّي نفسه الجيلالي وهو فرنسي يشتغل أستاذاً بالتعليم الثانوي و الجامعي مؤخراً في المدية، وثلاثة ضيوف آخرين من السّود يإفريقيا وأغلب الظنّ أنّهمم من بوركينافاسو. ولما حظر الطبيب تحدّث معه الإخوة، فامتنع في أول الحديث عن المساعدة لكنه عاد فاستجاب لطلب الشيخ عطية الذي خاطبه باسم الجماعة الإسلامية المسلّحة بصفته نائب أمير الجماعة جعفر الأفغاني وفي نفس الوقت أمير الكتيبة الخضراء بولاية المدية، وقد عرف الرهبان الشيخ عطية من الجرائد وكلام الناس عنه وأوصافه وخاصة من صوته الأخن (صوت يخرج من الخيشوم) ومن توجيهه بالخطاب إليهم وطاعة المجاهدين الآخرين له. ولكنهم اطمأنوا بعد أن خاطبهم بالفرنسية وأبدى رغبته في مساعدتهم للجهاد بما يستطيعون من مال ومداواة وتقديم الأدوية، فاستجابوا لهذا الطلب ووعدوه بمداواة المرضى والجرحى وتقديم الأدوية إذا لزم الأمر واعتذروا عن المساعدة المالية بأنّ حالهم ليست على ما يُرام ماديا وأنّهم ليس لهم ما يزيد عن حاجتهم، فرضي الإخوة بذلك وأعطاهم الشيخ عطية عهداً بالأمان أي بعدم التعرّض لهم وأنّهم لا يصيبهم سوء من المجاهدين أو الشعب ماداموا عند وعدهم بالتعاون معنا. هذا العهد بالأمان سمعته بأذني من الشيخ عطية خارج الدير وشهد بذلك الأخَوَان العيد و أيوب وكان العيد قد تعرف داخل الدير على نيكولا المذكور سابقاً فقال للشيخ عطية مناجاةً بينهما هذا هو نيكولا المتعاون مع السلطة في التعليم وليس راهباً، ويمكن اختطافه بناء على ذلك، فرفض الشيخ طلب العيد، ولما خرجوا إلينا على عتبات الدير أخبرني الشيخ بالقضية وأنّه رفض القيام بهذا العمل لأنّهم في عبادة وأنّه قد أعطى لهم الأمان جميعاً (أي جميع من كانوا في الدير) وتمّ العقد، فأيّدته على ذلك وشجّعته على المُضي في هذا الطريق لأنّ المسلمين يوفون بالعقود. محاولات الجماعة الإسلامية المُسلّحة لنقض العهد وليلة الاختطاف وحيثيات المقتل لقد حاول بعض المتفقهين من أمراء الجماعة وضُبّاطها الشرعيين تحت إمارة (زيتوني) وحين كنّا ننتمي إليها، أن يُحمّلوا كتيبتنا (كتيبة المدية) على قتل الرهبان بدعوى أنّهم لا أمان لهم ولا عهد، وأنّ الشيخ عطية أخطأ في عقد الأمان لهم بدعوى أنّه لا يجوز ذلك في الشرع، واحتجُّوا أيضاً بأنّ الشيخ عطية الذي أعطاهم الأمان قد مات وبالتالي انتهى ذلك العهد و الأمان ولم نوافقهم على تلك الدعاوى و الحجج ورددنا عليهم بدلائل من الشرع وبيّنات من أقوال أهل العلم من السلف و الخلف ولمّا انحرفت الجماعة بقيادة زيتوني بتوجيه وبفتاوى وتعليمات خاطئة، نقضت عهودها وناقضت المنهج القويم فاستباحت دماء وأعراض وأموال المخالفين لها في التوجّه فلم يعُد من الغريب أن تُقدم على تلك الفعلة الشنعاء من اختطاف الرّهبان و قتلهم مادامت قتلت خيار الدُعاة و القادة المجاهدين و أفراد الشعب المتعاملين معها. ولمّا أحسّت قيادة الجماعة المُنحرفة أنّ كتيبة المدية متفطّنة لألاعيبها ومؤامراتها على القادة و الدُّعاة ووصلتنا أنباء مقتل إخواننا في الوفد الذي بعثنا به إليهم بعد أن غدروا بهم، وعددهم ستّة (نجا منهم واحد فقط عاد إلينا بعد عام من غيابه). لما شعرت جماعة زيتوني بذلك بعثت إلينا تريد التحقيق من موالاتنا لها وطاعتها فطلبت منّا اختطاف الرّهبان من الدّير فرفضنا ذلك وكان أمير سرية القدس التي طُلب منها القيام بهذا العمل هو الأخ العيد نفسه الذي كان حاضراً مع الشيخ عطية عند عقد المعاهدة و إعطاء الأمان، فرفض وردّ الذين جاؤوا إليه لتدعيمه ومساعدته في ذلك العمل الشنيع وحذّرهم من العودة إليه، فما كان الجماعة المُنحرفة إلاّ أن استعانت بكتائب أخرى من البرواقية و وزرة وبوقرة و البليدة وبعض الأفراد من المدية المحسوبين على السلفية وهم أقرب إلى التفكير و الهجرة منهم إلى السلفية الحقة التي نعتزُّ بالإنتماء إلى نهجها اعتقاداً ومنهجاً وسلوكاً، ومُعظم هؤلاء قُتلوا على أيدي جماعة زيتوني قتلة شنيعة حين تفطّنوا مؤخراً إلى انحراف الجماعة وأدركوا إلى أين سيؤول الجهاد تحت رايتها. أقول استعانت بالكتائب الأخرى وخططت ونفّذت ذلك، ولم نكن نعلم به كما أنّه لم يخطر ببالنا أنّهم سيقدمون عليها بتلك السّرعة إلاّ أن يكون الإعداد مع سبق الإصرار قد تمّ قبل أن يطلبوا منّا ذلك وامتنعنا عنه، فقد عزم إخواننا في الكتيبة في تلك الأيّام على إخبار الرّهبان بما تُدبّره الجماعة المٌنحرفة من محاولات اختطافهم ليكونوا على بيّنة من أمرهم فيبتعدوا أو يطلبوا من السّلطة حراستهم، ولِنوّفّي نحن بعهدنا ونُصبح في حلّ من أمرنا وهذا من واجبات الأمانة و العهد. لكن الجماعة سارعت في تلك الأيام بفعلتها الشنعاء التي لا يُقرّها الشرع و لا يرتكبها من في قلبه مثقال ذرة من مروءة، ولم تكن المصيبة ليلتها على الرّهبان وحدهم فقد اغتيل أيضاً واختطف عدّة شباب من الشعب ولاذنب لهم إلاّ التعاطف معنا إغتالتهم جماعة زيتوني المجرمة وهي تحسِبُ أنّها تُحسنُ صنعا، وتسعى من أجل الحدث الإعلامي أخيراً نؤكّد أنّ تقريرنا هذا لا نريد من ورائه جزاءاً ولا شكوراً، ولا إطراء أو مساعدة، إنّما نبتغي به إظهار الحق وإبرازه واضحاً للعيان، وللعيون المريضة التي لاترى إلاّ السواد، فقد اجتمع على نفي حقيقة هذا العهد وهذا الأمان مسؤولون في فرنسا و الجزائر ومسؤولون في الكنيسة و رجال من الصحافة و الإعلام، ويُصرّون على نفي هذه الحقائق و تجاهلها. شهادة سيد علي بن حجر في قضية مقتل الرهبان السبعة كتب أمير الرابطة للدعوة والجهاد سيد علي بن حجر، كتيبا ضمنه شهادته في قضية مقتل الرهبان السبعة بالجزائر. والكتيب رغم الأهمية التاريخية والمضمون والمعلومات النادرة التي تضمنها لا سيما وأنه كتب في قلب الحدث وشهرين بعد المذبحة الرهيبة التي اهتز لها العالم بأسره. إلا أنه أكبر من أن تتضمنه صفحات الجريدة فكان لزاما علينا أن نقتضب منه الأهم فالأهم وننشره مبتورا من أمور كثيرة لا يسع الباحث والتتبع تجاهلها.